هذه بعض الآراء السريعة على مجمل البرنامج الحكومي الذي عرض أمام المجلس الوطني بتاريخ 82 ديسمبر/ كانون الأول الماضي: 1- إن طرح البرنامج بحد ذاته يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح نحو مزيد من الشفافية والتخطيط الشامل، كما يحتوي البرنامج على بعض البنود الأساسية المتعلقة بالتنمية الاقتصادية. إلا أن البرنامج تطغى عليه العموميات وعدم الدقة والتحديد في كثير من المجالات المهمة التي غالبا ما تطرح في برامج الحكومات، كما غابت عنه الأرقام التفصيلية الأساسية لأي برنامج ناجح. فعلى سبيل المقارنة عرضت الحكومة المغربية الجديدة برنامجا في 801 صفحات شملت جوانب العمل الحكومي كافة، وتضمنت الأرقام الدقيقة والخطط والآليات، فضلا عن ذلك فالبرنامج الحكومي الذي تطرحه الحكومات الغربية يفصل في مئات الصفحات ويتضمن جداول وآليات دقيقة. 2- البرنامج المطروح يخلو من الخطط والآليات الموصلة إلى الأهداف المرجوة. فهو جملة من العموميات التي تصلح خطوطا عامة وليس برنامجا متكاملا. كما أنه يخلو من الرؤية العملية والتشخيص الدقيق الملامس للاحتياجات والمحددات الأساسية في المجالات الإدارية والاقتصادية والقضائية وغيرها. كما أرى أنه لن تتمكن الحكومة من تطبيق برنامج الإصلاحات من دون التفعيل العملي للإصلاح الإداري والإصرار على فتح ملفات الفساد المالي والإداري المستشري في الجهاز الحكومي المترهل، إذ أن نسبة كبيرة من موازنة الدولة تستنزف بالرشا. 3- ورد في البرنامج أن خطط الحكومة حققت «نموا وصل في المتوسط إلى 5,4 في المئة سنويا خلال السنوات الأربع الماضية». وهو رقم لا يرتقي إلى مستوى الواقع العملي المعاش والمنعكس على حياة المواطن العادي. واستبعد الاقتصاديون أن تتمكن الحكومة من جذب الاستثمارات الموعود بها في البرنامج قياسا بأداء الحكومة خلال السنوات السابقة، وفي ضوء عدم وجود التغيير الجوهري للجهاز الحكومي. وفند الاقتصاديون بعض الأرقام الواردة في البرنامج وعلى مستوى نمو الناتج القومي الإجمالي لسنة 3002 حسبما ورد في البرنامج. 4- البرنامج يطرح جملة من الوعود والكلام المنمق، وسبق للحكومة ـ في السابق ـ أن تعهدت بتنفيذها، وهو أمر يتباين مع الواقع الذي يزخر بالسلبيات على رغم الوعود السابقة. 5- خلا البرنامج من الإشارة الواضحة إلى المسألة الأساسية في البلاد وهو الارتقاء بمستوى ضمانات حقوق الإنسان، وهو من أساسيات برامج الحكومات في الدول المتقدمة. وهو ما ينعكس مباشرة على الاستقرار السياسي والأمني والوئام الاجتماعي في البلاد. 6- وردت في البرنامج إشارة مقتضبة عن «توفير المزيد من فرص العمل، والتصدي إلى مشكلة البطالة» من دون تبيان الخطط التفصيلية الناجعة لحل مشكلة البطالة. وهو الملف الذي يختزن التأثير المهم على الاقتصاد وعلى معدلات التنمية البشرية، ويهدد التفكك الاجتماعي وتعشعش الجريمة واتساع دائرة الفقر. والمطلوب في هذا المجال تطبيق الحق الدستوري للعاطلين عن العمل بإصدار بند في برنامج الحكومة يلزمها بمنح العاطلين عن العمل مكافأة لا تقل عن 002 دينار ما لم تلتزم الحكومة بتوظيفهم. 7- ورد في البيان الحكومي تأكيد «العمل في إطار الإفصاح والشفافية»، ونرى أن ذلك يتطلب كشف كل شيء أمام المواطنين ومنع التزوير والغش والرغبة في عدالة توزيع بعض الوظائف على المواطنين الأصليين. 8- لا يمكن التعويل على ذات الأدوات الفاسدة السابقة لتنفيذ أي برنامج ناجح. ومن الواضح أن هناك حاجة إلى إعادة هيكلة الوزارات والمناصب الحكومية العليا بناء على معايير بعيدة عن الطائفية. كما أرجو أن يكون ما ورد في البرنامج من «دعم المقومات الأساسية لقوات الأمن العام والحرس الوطني» لا يقصد به سوى إعادة توظيف المواطنين في هذه القوى. 9- أخيرا، أرى أن المدخل الحقيقي لبرنامج الإصلاح الحكومي هو الاتفاق على برنامج وطني تجمع عليه القوى الوطنية والإسلامية كافة، وتترتب عليه إعادة تشكيل الجهاز الحكومي لتنفيذ هذا البرنامج. وهذا يحتاج إلى تعديل دستوري للمادة 88 من دستور 2002 الذي يحدُّ من سلطة تعديل أو قبول أو رفض البرنامج الحكومي ولا يتيح إلا إبداء الملاحظات فقط على البرنامج، حتى من قبل مجلس الشورى والنواب، وهو أمر يتناقض تماما مع مبدأ المشاركة الشعبية في القرار
العدد 117 - الثلثاء 31 ديسمبر 2002م الموافق 26 شوال 1423هـ