العدد 117 - الثلثاء 31 ديسمبر 2002م الموافق 26 شوال 1423هـ

هل يتعايش الاسلاميون مع العلمانيين لبناء البحرين الحديثة؟

أحمد عباس أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

ظهر الاسلام السياسي بقوة على الساحة السياسية البحرينية في أهم اختبار له لقياس شعبيته، ظهر طبعا في نتيجة الانتخابات البلدية (مايو/ أيار 2002) والنيابية (أكتوبر/تشرين الأول 2002م) وفاز فيها الاسلاميون بالغالبية. هذه النتيجة أربكت فعلا الوضع السياسي والتأييد الشعبي للمناضلين من الوطنيين العلمانيين، وتراجع سجلهم النضالي التاريخي الحافل بالانجازات الوطنية. الواقع ان الوقع أحدث شرخا في منابرهم الديمقراطية وجعلهم في موقف حرج. السؤال المطروح الآن، هل نترك الساحة المتوترة بين الطرفين في تجاذب يوسع رقعة الخلاف، أو نسرع في ايجاد معادلة أو صيغة سياسية للوحدة الوطنية، تسمح بالتعايش بين تيارات الاسلام السياسي والتيارات العلمانية، الحقيقة أن تجربة الجمعيات السياسية المقاطعة للانتخابات على رغم اختلافها الأيديولوجي، «والفكري، استطاعت ايجاد مخرج للصراع الايديولوجي بين الاسلام السياسي والعلمانية ودرء خطر الانقسام السياسي» بين الاسلاميين والعلمانيين، وتمكنت الجمعيات الأربع من توحيد مواقفها السياسية واصدار بيانات باسمها. ولكن قبل الخوض في تفاصيل امكان التعايش بين الاسلام السياسي والعلمانية، لا بد من تعريف العلمانية التي يجهلها الكثير من عامة الشعب. كلمة العلمانية مرادفة لكلمة اللادينية أو الدنيوية، وتهدف إلى فصل الدين عن الدولة، ووقف تدخل السلطات الدينية في شئون الدولة. مؤيدو العلمانية يعتقدون أنها السبيل الوحيد لتحديث وتطوير هياكل الدولة ووسائل الانتاج الصناعي ونمو التنمية الاقتصادية. المعارضون من الاسلام السياسي يعتقدون أن العلمانية حركة ملحدة تسيطر على أركان المجتمع، وتحدث تغييرا جذريا في ثقافة وتقاليد المجتمع، وتهدف إلى إقامة مجتمع جديد يعتمد على العلوم الوضعية، وتحكيم العقل ومراعاة المصلحة بعيدا عن الدين. وخلق جانب سياسي يعني بالذات اللادينية في الحكم، وهي اصطلاح لا صلة له بكلمة العلم الوضعي والعقل ومراعاة المصلحة بعيدا عن الدين. ظهر اصطلاح العلمانية في أوروبا في القرن السابع عشر وانتقل إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر، حتى وصل إلى بلدان اسلامية كثيرة منها: مصر وتركيا وإيران ولبنان وسورية وتونس ومن ثم العراق في نهاية القرن التاسع عشر. أما بقية الدول العربية فقد انتقل إليها في القرن العشرين، وفضل المجمع اللغوي العربي استخدام كلمة علمانية بدلا من اللادينية لأنها اقل اثارة للاسلاميين. ومدلول العلمانية المتفق عليه يعني، عزل الدين عن الدولة، وابقاءه حبيسا في ضمير الفرد، لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه، لكنه يستطيع التعبير عن نفسه في الشعائر التعبدية، والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما عملا بمبدأ حرية العقيدة. الاسلام السياسي يعتقد أن العلمانية ثقافة مسيحية دخيلة، هدفها فصل الدين عن الدولة «على نهج: لقيصر سلطة الدولة ولله سلطة الكنيسة، وهذا واضح» فيما ينسب إلى السيد المسيح من قوله: «اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله». أما الاسلام فلا يعرف هذه الثنائية، وأقر بأن الاسلام دين ودنيا، والمسلم كله لله وحياته كلها لله «قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين» سورة (الأنعام: أية 261). الاتجاهات العلمانية في العالم الإسلامي دخلت العلمانية مصر مع حملة نابليون بونابرت. وقد أشار إليها الجبرتي في الجزء المخصص للحملة الفرنسية على مصر (7281م). وأطلق عليه الياس بقطر في معجمه العربي الفرنسي (7281م) لفظ العلمانية. وأعجب الخديوي اسماعيل بتطبيق القانون الفرنسي في مصر سنة 3881م، محاولا تحويل نظام الحكم في مصر إلى النمط الأوروبي. وكانت الهند حتى سنة 1971م تحكم وفقا لأحكام الشريعة الاسلامية، إلا أن العلمانية طبقت في الهند بدخول الاستعمار الانجليزي الهند في أواسط القرن التاسع عشر. كذلك الغى الاستعمار الفرنسي العمل بالشريعة الاسلامية في الجزائر العام 0381م، وفي تونس العام 6091م، والمغرب في العام 3191م. أما تركيا فوضعها مختلف عن بقية أراضي الخلافة الاسلامية بسبب ظهور الحركة القومية التركية، إذ الغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة الاسلامية، واستقرت الأمور تحت سيطرة نظامه العلماني. وعند اقتسام المستعمرين الانجليز والفرنسيين العراق والشام بعد توقيع اتفاق سايكس - بيكو، ألغيت جميع قوانين الشريعة الاسلامية في أواخر أيام الخلافة العثمانية، وتم تثبيت أقدام الانجليز والفرنسيين في بقية البلدان الاسلامية في افريقيا وإيران واندونيسيا ومعظم بلدان جنوب شرق وجنوب آسيا. الغريب حقا ان حكم البلدان الاسلامية بالأنظمة والقوانين العلمانية، شجع على انتشار الأحزاب القومية العربية كحزب البعث، والحزب القومي السوري، والنزعة الفرعونية في مصر، والنزعة الطورانية في بلاد الشام، والقومية العربية في البلدان العربية الاخرى. إلا أن اشهر دعاة العلمانية في العالم العربي والاسلامي بحسب تصنيف الاسلام السياسي العربي هم: احمد لطفي السيد، اسماعيل مظهر، قاسم أمين، طه حسين، عبدالعزيز فهمي، ميشيل عفلق، انطوان سعادة، سوكارنو، سوهارتو، نهرو، مصطفى كمال أتاتورك، جمال عبدالناصر، أنور السادات (صاحب شعار لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين)، فؤاد زكريا، وأخيرا. فرج فودة الذي اغتاله الاسلاميون في القاهرة. أسباب ظهور الحركة العلمانية علماء الاجتماع والعلوم السياسية يطلقون على الحركة العلمانية حركة تحديث الدولة، انتشرت الحركة في أوروبا في حقبة الثورة الصناعية أو في بداية عصر النهظة (ميديافيل). وكان لقيام الثورة الفرنسية سنة 9871م، الفضل في انتشار تلك الأفكار. كما أن تحول المجتمعات الأوروبية إلى العلمانية مرجعه ممارسات رجال الدين في الغرب على النحو الآتي: - تحول رجال الدين في الغرب إلى طواغيت ومحترفين سياسيين ومستبدين تحت ستار الاكليريوس والرهبانية والعشاء الرباني وبيع صكوك الغفران. - وقوف الكنيسة ضد حركة تحديث الدولة وتطوير العلم والتكنولوجيا، وهيمنتها على الفكر، وتشكيلها لمحاكم التفتيش الدينية، واتهام العلماء بالهرطقة. والدليل على ذلك تكفير رجال الدين لعلماء عصر النهضة، أمثال: كوبرنيكوس الذي حرمت الكنيسة طبع وتوزيع ونشر كتابه العام 3451م، عن حركات الأجرام السماوية. كذلك عذبت الكنيسة العالم جرادانو الذي صنع التلسكوب حتى الموت العام 2461م، على رغم كبر سنه (سبعون سنة). العالم سبينوزا، صاحب مدرسة النقد التاريخي هو أيضا دبرت له الكنيسة مكيدة بدس السم في طعامه والتسبب في وفاته. ونتيجة لترسبات ذلك الصراع المتأجج بين العلم والكنيسة طالب عالم الاجتماع جون لوك الكنيسة باخضاع الوحي للعقل عند التعرض للعلمانيين. العلمانية بحسب رأي العلمانيين مذهب فكري، يحرر عقل الانسان من الخزعبلات والمعتقدات الميتافيزيقية التي لا تمس للدين والحقيقة بصلة، إنما هي من صنع خيال الانسان نفسه. وليس هناك مجال للشك في أن من أهم اسباب قيام الثورة الفرنسية تأجج الصراع الفكري بين الكنيسة والعلمانيين. وكتحصيل حاصل قامت أيضا أول حكومة لا دينية في أوروبا تحكم باسم الشعب وإلى الشعب. وهناك اعتقاد راسخ بأن اقطاب الحركة العلمانية استغلوا اخطاء الكنيسة وحكومة لويس السادس عشر للتخطيط للقيام بالثورة الفرنسية، وإنشاء دولة حديثة تقوم على قيم علمانية كحقوق الانسان وحرية التعبير والمساواة. المفكر الفرنسي جان جاك روسو كان العقل المدبر لهذه الحركة عند ظهورها في أوروبا سنة 8771م، وكان كتابه العقد الاجتماعي مصدر الهام لمفكر الثورة الفرنسية مونتسكيو وصنع بموجبه أول دستور لحكومة الثورة الفرنسية، وشاركه في النهوض بالحركة سبينوزا (اليهودي) بتوطيد افكاره العلمانية عبر كتابه (رسالة في اللاهوت والسياسة)، أما فولتير الذي يعرف بأبي الثورة الفرنسية، فرسخ العلمانية في كتابه الشهير (الدين في حدود العقل وحده) سنة 4081م، وساهم كتاب وليم جودين 3971م (العدالة السياسية) في تطبيق علمانية الدولة في أوروبا. الشاعر الفرنسي ميرابو الذي كان من أعضاء لجنة الثورة الفرنسية وخطيبها وزعيمها وفيلسوفها، أول من طبق عمليا العلمانية باعتبارها نظام دولة واستطاع فصل سلطات الكنيسة بعد سقوط سجن الباستيل ونجاح ثورة الخبز تحت شعار (الحرية والمساواة والإخاء) و(لتسقط الرجعية). الحقيقة أن فترة ما قبل عصر النهضة، لم تشهد مفاهيم إنسانية مثل حقوق الانسان، وحرية التعبير، أو الرأي والرأي الأخر. وظهور هذه المفاهيم في حقبة ما بعد الثورة الفرنسية نتج عنه ظهور حكومات ديمقراطية في أوروبا وأميركا، وشجعت حرية التعبير على ظهور الكثير من النظريات العلمية والفكرية الملحدة، كنظرية التطور والارتقاء في كتاب تشارلز دارون عن اصل الأنواع سنة 9581م، وقانون الانتقاء الطبيعي وبقاء الأنسب، الذي جعل الجد الحقيقي للانسان جرثومة صغيرة عاشت في مستنقع راكد قبل ملايين السنين، والقرد مرحلة من مراحل التطور التي كان الانسان آخرها. كذلك ظهرت نظرية نيتشه التي تزعم بأن الاله والعياذ بالله قد مات وتشكك في وجوده. أما اليهودي دور كايم فقد جمع بين حيوانية الانسان وماديته بنظرية العقل الجمعي. ومؤسس علم النفس فرويد، اعتبر الدافع الجنسي مفسرا لكل الظواهر. الانسان في نظره حيوان جنسي، أما مؤسس النظرية الاشتراكية كارل ماركس، فقد اخذ بالتفسير المادي للتاريخ الذي يؤمن بالتطور الحتمي، لذلك اعتبر الدين أفيون الشعوب. أما الوجودي جان بول سارتر، واللامنتمي كولن ولسون، فقد خرجا عن هامش المجتمع وأصبحا هامشيين ونتج عن ذلك ظهور حركة الهيبيز، إلا أن عقيدتهم الوجودية ملحدة لدرجة انهم لا يؤمنون بان الانسان يحتاج إلى إجازة دينية للزواج وان العلاقات الجنسية حق طبيعي مكفول للبشرية. هذه النظريات لا تعني بالضرورة أن العلمانية ملحدة أو تنكر دور الدين الأخلاقي وخصوصا: أنها تؤمن بحرية اختيار العقيدة. الحقيقة أن الأفكار الهامشية التي ظهرت في أوروبا لا يقرها أي مجتمع كوني، والا اعتبرنا دولا مثل الهند واندونيسيا ذات التنوع الثقافي والديني دولا ملحدة. مسببات خلاف الاسلاميين مع العلمانيين معظم الحركات الاسلامية الحديثة سواء من الوسط الاسلامي أو الأصولية الاسلامية، تعتقد أن لليهود دورا بارزا في ترسيخ العلمانية، من أجل إزالة الحاجز الديني الذي يقف امام اليهود حائلا يمنع تلاقيهم ثقافيا مع المسيحيين في أوروبا، وبما أن النكبات حلت على العالمين العربي والاسلامي، يجزم الاسلاميون أن مصدرها الاصلي الحركة الصهيونية، ويعتقدون أن اليهود هم المؤسسون للحركة العلمانية في العالم ويجب أن ترفض على ذلك الاساس، وخصوصا ان اليهود يتآمرون على وحدة العالم الاسلامي والاسلام، وهم أيضا سبب انشقاق وضعف البلدان العربية والاسلامية الحالي، وان التآمر اليهودي المسيحي على الاسلام مازال مستمرا. إلا اننا نعتقد أن الاصولية الدينية ليست داء تعاني منه الشعوب الاسلامية فقط، بل هناك حركات اصولية دينية يهودية تحكم «اسرائيل» بقيادة أرييل شارون، وهذه الأصولية ليست علمانية كما يعتقد الجميع، كذ?ك الحال مع حكومة جورج بوش اقوى حكومة في العالم، من يحكمها؟ أليس اليمين الاصولي المسيحي، على رغم أن النظام الاميركي الرسمي علماني من رأسه حتى اخمص قدميه. من ناحية أخرى، فان أفكارا متطرفة في الالحاد، كمفهوم الفرد هووايت هيو الذي يعتقد، ان ما من مسألة ناقض العلم فيها الدين، إلا وكان الصواب بجانب العلم والخطأ حليف الدين. المعتقد الاسلامي لا يعارض تعايش العلم والدين، وهما عنصران لا يتعارضان إطلاقا، ولم يسجل التاريخ الاسلامي أي صراع بين الاسلام والعلم كما حدث في عصور أوروبا المظلمة، وقد قال رسولنا الكريم (ص) «اطلبو» العلم ولو في الصين هذا الموقف الاسلامي جسده الامام علي ابن أبي طالب (ع) في حديث يقول فيه: (ما أمر بشيء، فقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته أمر به). إذا الاسلام يدعو إلى استخدام العقل وتطوير العلم والمعرفة ودراسة الحقائق العلمية لنفع وتطور البشرية، وقد اخذ به صفوة من علماء الغرب ودرسوه ووثقوه في كتبهم ومؤلفاتهم العلمية. من هنا فإن تعميم نظرية (العداء بين العلم والدين) لا يمكن أن تشمل الدين الاسلامي وحده، وخصوصا ان موقف الكنيسة الظلامي من العلم كان في حقبة العصور المظلمة في أوروبا. التاريخ الاسلامي يشهد بان الاسلام كان سباقا إلى تطبيق المنهج التجريبي ونشر العلوم في حقبة الخلافة الاسلامية الكبرى. العلمانيون سواء كانوا في البحرين أو البلدان الاسلامية الاخرى. والعلمانيون كما يعتقد بعض الاسلاميين، لا ينكرون وجود الآخرة أو الجنة والنار، وإذا ما مارس العبد عملا غير صالح، سيعاقبه الله عز وجل في نار جهنم. العلمانيون في البحرين لا بد أن يتعايشوا مع الاسلاميين، والا لن نستطيع بناء مملكة البحرين الحديثة القائمة على حكم القانون والمؤسسات، كما أن الاتجاهات الاسلامية والقيادات الاسلامية البحرينية القائمة، تؤمن بان مملكة البحرين تتكون من شعب متعدد الاعراق، ومتنوع ثقافيا وفكريا، وعلى رغم من أن دستور البحرين ينص على أن الاسلام مصدر التشريع، فانه في حقيقة الامر أن مؤسسات الدولة وأجهزتها تعمل وفقا للقوانين والانظمة العلمانية وفقا للمعايير الدولية المعترف بها. لهذا ليس هناك مجال للخصومة بين الطرفين، مادام الطرفان يتطلعان إلى نجاح تجربة ديمقراطية قد تكون المنهج السياسي الامثل لنظام الحكم في المنطقة. القضية الأخرى التي تقلق الاسلاميين في البحرين والبلدان الاسلامية وتمنعهم من التعايش مع العلمانيين، الاعتقاد بأن بيئة البلدان الاسلامية بحكم تكوينها لا تؤسس للأفكار العلمانية، نظرا إلى كون العلمانية فكرا مستوردا من الغرب ودخيلا على المجتمع الاسلامي، وبالتالي له تأثير سلبي على عاداتنا وتراثنا وتقاليدنا. وفي المقابل علينا أن نؤمن بحقيقة ثابتة مفادها أن المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتسارعة قد غيرت وجه العالم والحضارة الانسانية، وبما أن الأرض تتحرك من تحت أقدامنا، علينا العثور على موطئ قدم، وقطعة من الكعكة نتقاسمها مع العالم، والا ضاعت علينا حصتنا وفرصتنا في احياء الأمجاد الاسلامية السالفة

العدد 117 - الثلثاء 31 ديسمبر 2002م الموافق 26 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً