العدد 117 - الثلثاء 31 ديسمبر 2002م الموافق 26 شوال 1423هـ

الجنوب السياسي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدءا من اليوم ستقلع الطائرات وتبحر السفن الحربية حاملة آلاف الجنود إلى منطقة الخليج وبعض الدول المحيطة بالعراق. يقال إن الحشد سيستمر قرابة ثلاثة اسابيع ويتوقع ان يصل مجموع القوات إلى عدد يتجاوز المئة ألف. والحشد في لغة الجيوش والقادة «نصف حرب»... والنصف الآخر ينتظر اللحظة أو الذريعة التي تعطى بسببها اشارة الهجوم.

المنطقة اذن على قاب قوسين من حرب جديدة يتوقع لها في حال حصولها ان تقلب موازين قوى وتغيِّر خرائط سياسية.

انها ليست تكرارا لتلك التي اندلعت قبل عشر سنوات وليست استمرارا لها. انها في بعض جوانبها محاولة استكمال مهمة لم تتحقق آنذاك وهي اسقاط صدام حسين وتغيير نظامه... وهي في بعض جوانبها الاخرى جديدة في كل المعايير والمقاييس. فالحرب المقبلة ستتحول هي نفسها إلى نموذج مختلف تقاس في ضوء نتائجها معادلات إقليمية تؤسس عليها معايير نظام غير منسجم مع طبيعة المنطقة وظروفها.

واختلاف النظام مع دول المحيط سيجعل النظام الاقليمي في حال من عدم الاستقرار أو التوتر الدائم كما هو حاصل الآن مع حكومة بغداد وحزبها الحاكم.

إلا ان الفارق بين التوترين هو كالفارق بين نظام مغلق ومكشوف دوليا واقليميا وبين نظام مفتوح ومغطى بحماية دولية يثير قلق دول المحيط من طموحاته.

تاريخيا كانت الدولة في بلاد الرافدين دولة طموحة دائما فهي محاصرة بين نهرين وتطمح إلى الخروج من اسرهما إلى ضفاف البحر. ولهذا السبب الجغرافي - السياسي كانت دولة تقليديا مركزية - عسكرية أو دولة حرب مضطرة إلى القتال ليس طمعا في أراضي دول الجوار وإنما دفاعا عن حيوية داخلية تبحث لنفسها عن مجال جغرافي ينقل الفعالية من النهر إلى البحر.

هل هناك من سبب لتغير العراق في حال نجحت الولايات المتحدة في تغيير نظامه؟ الامور تشير إلى ان النظام الجديد اذا استقر سياسيا بعد ستة أشهر أو سنة على الاقل سيبحث لنفسه عن دور اقليمي. والدور المتوقع ان يلعبه النظام المسيطر عليه اميركيا سيضغط إقليميا باتجاهات مغايرة لتوجهات وسياسات دول الجوار. وهذا الضغط سيولد سلسلة توترات ستكون مصدر قلق وربما عدم استقرار المنطقة.

وعدم استقرار المحيط الاقليمي يعني الكثير من الامور أهمها محاولة «اسرائيل» الافادة من ذاك القلق لاثارة المزيد من القلاقل سواء بالضغط على السلطة الفلسطينية أو التهديد بطرد بعض الكتلة العربية من فلسطين، اما إلى مخيمات جديدة أو إلى الاردن وبعض المدن الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال.

هذا الاحتمال من الجانب الاسرائيلي هو الحد الادنى من تداعيات نتائج الحرب المتوقعة على العراق. أما الحد الاقصى فهو أكثر بكثير من مختلف التصورات. فرئيس الحكومة الاسرائيلي طرح جملة سيناريوات شديدة التطرف في حال جدد انتخابه في 28 يناير/ كانون الثاني. من تلك السيناريوات سلسلة اقتراحات رفضتها حتى الآن الادارة الاميركية من بينها استكمال الحرب على ايران بعد ضبط الوضع في العراق. ومنها ايضا نقل عمليات فرق التفتيش الدولية إلى سورية بحثا عن اسلحة مزعومة هربها العراق. ومنها اعادة فتح الجبهة العسكرية على الحدود اللبنانية بهدف تصفية حزب الله وإخراج القوات السورية أو ضربها في لبنان.

هذه الاقتراحات «الشارونية» اثارت سخرية بعض المسئولين في الخارجية الاميركية واستنكار بعض الجهات العاقلة في الخارجية البريطانية. فهذه الافكار على سذاجتها هي في جوهرها «اسرائيلية» تريد استخدام قوات التحالف الدولية لتمرير مشروعات صهيونية بعيدة المدى. وتريد ايضا توظيف تداعيات الحرب على العراق لخدمة تلك الافكار المتطرفة التي تقول بها منظمات اصولية مسيحية - يهودية (اميركية - اسرائيلية) عن القيامة وظهور المخلص.

تبدو هذه الافكار مجنونة وتثير السخرية والاستنكار إلا ان الحرب المحتملة في حال اندلعت ستكون مجنونة أو على الاقل ستثير الجنون. وعندما يتحول «الجنون السياسي» إلى استراتيجية عسكرية بقيادة البيت الابيض فإن كل الاحتمالات متوقعة... ومن بينها افكار شارون واقتراحاته

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 117 - الثلثاء 31 ديسمبر 2002م الموافق 26 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً