«إن الإدعاء بانحصار عدوى الأزمة المالية في دائرة البلدان الصناعية غير صحيح. نحن نواجه أزمة مالية عالمية تعاني منها كل الدول». قالها وزير الاقتصاد البرازيلي غيدو مونتيغا الذي ترأس بلاده مجموعة العشرين، التي تضم دولا مثل تركيا والبرازيل والسعودية، والتي طالبت بأن تنص خطط الإنقاذ على تعويضات «للدول البريئة» على حد عبارة وزير المالية الكيني جون ميشوكي.
ويشارك وزيري البرازيل وكينيا فيما ذهبا إليه بشأن الأخطار التي تهدد الدول الفقيرة من جراء الأزمة المالية الحالية، مدير عام صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس - كان الذي لم يتردد في القول «من الضروري عدم إغفال الأزمة الأخرى، وهي استمرار التأثير المقوض الذي تحدثه ارتفاعات أسعار الغذاء والوقود في بعض أفقر بلدان العالم».
وعززت تصريحات كان ما جاء البيان الصحفي الصادر عن صندوق النقد الدولي والذي جاء فيه أنه «لايزال نحو 50 بلدا ناميا معرضا للخطر حتى العام 2009 من جراء ارتفاع أسعار الغذاء والوقود».
تقرير آخر صادر عن صندوق النقد الدولي أيضا، يشخص آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء، ويتوقع تباطؤ النمو هناك «ليصل إلى نحو 6 في المئة في عامي 2008 و 2009».
حتى الدول النفطية الخليجية، تتوقع تقارير صندوق النقد الدولي أن تصاب هي الأخرى بلوثة الأزمة عن طريق استيرادها معدلات تضخمية عالية ربما لا تكون قادرة على التحكم فيها ومن ثم كبح جماحها. يرد ذلك في تقرير الصندوق المعنون «آفاق الاقتصاد الإقليمي: منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى» الصادر في مايو/ أيار 2008، عندما بدأت غيوم الأزمة تلوح في الأفق، إذ يعتبر التقرير أن «التحدي الأكبر أمام سياسات الاقتصاد الكلي الأساسية على المدى القصير يتمثل في احتواء الضغوط التضخمية المتصاعدة بالنسبة إلى معظم بلدان المنطقة (الشرق الأوسط)، وحماية الاستقرار الخارجي في سياق أسعار النفط المرتفعة وتباطؤ النمو العالمي بالنسبة إلى البلدان التي تتحمل ديونا خارجية ضخمة وعجزا كبيرا في حساباتها الجارية».
ولا يستثني التقرير من ذلك البلدان المصدرة للنفط التي ترتبط عملاتها بالدولار الأميركي، فهي الأخرى من المتوقع أن تواجه تحديات في السيطرة على التضخم، نظرا إلى «استمرار التحيز إلى التيسير النقدي في الولايات المتحدة». لكن أهم ما ورد في ذلك التقرير بشأن دول مجلس التعاون هو أن الاحتمال كبير بأن «يقع عبء التصحيح على عاتق سياسة المالية العامة، ولاسيما في مجلس التعاون الخليجي، إذ يمكن أن يؤدي أي تغير في نظام سعر الصرف إلى إثارة الاضطرابات في الفترة السابقة على إقامة الاتحاد النقدي المزمع».
لكن قبل كل هذه التقارير، وقبل أن تجتاح العالم هذه الأزمة المالية القادمة من واشنطن، أصدرت الأمم المتحدة تقريرها السنوي للتنمية البشرية 2005، والذي حفل بانتقادات للسياسيات التجارية المجحفة التي تنتهجها الدول الغنية.
ووفقا لما جاء في ذلك التقرير فإن هناك مليار نسمة يعيشون تحت خط الفقر. ووفقا لمعدلات التقدم الحالية، فإن هناك «47 مليون طفل لن يلتحقوا بمدارس بحلول العام 2015». واتهم التقرير الدول الغنية من خلال السياسات التجارية «غير المنصفة» مع الدول الفقيرة والنامية سببا مباشرا في التؤخر الذي يعوق نمو البلدان النامية. فالحواجز التجارية «التي تعترض صادرات الدول النامية إلى الدول الغنية أعلى بثلاث مرات في المتوسط من تلك المفروضة على التبادل التجاري بين الدول الغنية».
وقبل ذلك كله، وتحديدا في العام 2003، أي قبل سنوات من اندلاع حريق الأزمة المالية العالمية، دعا رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد منظمة التجارة العالمية إلى الاستماع لآراء واقتراحات الدول النامية والفقيرة في اتخاذ القرارات وليس القبول الأعمى الصلف غير المتزن لكلما تطرحه الدول المتقدمة. وبرر دعوته بالإشارة إلى فشل اجتماع منظمة التجارة العالمية بين الدول النامية والمتقدمة في كانكون بالمكسيك، مشيرا إلى أن الدول الفقيرة والنامية عارضت أربعة قرارات جديدة في ذلك الاجتماع، لأنها تفيد الدول المتقدمة فقط وفرصة للسيطرة على اقتصاد الدول الفقيرة والنامية.
من هنا لابد من توخي الحذر عند الحديث عن أية حلول للأزمة المالية، كي لا يطغي صريخ الأغنياء على تأوهات آلام الفقراء.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2232 - الأربعاء 15 أكتوبر 2008م الموافق 14 شوال 1429هـ