إن المتابع لمسيرة الحملة الانتخابية لمترشحي الرئاسة الأميركية وتحديدا المترشح الديمقراطي باراك أوباما والمترشح الجمهوري جون مكين، يلاحظ تراجع أهمية القضايا العربية في البرنامج الانتخابي لكل من المترشحين، وتراجعا أسوأ في مواقف المترشحين من القضايا العربية.
المترشح الديمقراطي باراك أوباما مثل أعلى بالنسبة إلى العرب والمسلمين بسبب عائلته وخلفيته وتاريخ حياته، فأوباما مولود لأب أسود مسلم ومهاجر كينيّا (حسين أوباما) وأم بيضاء من عائلة متواضعة من كنساس. وقد عاش أوباما طفولته في اندونيسيا، وتعلم في مدارسها وعرف الثقافة والحياة والمعاناة للشعوب الإسلامية. كما انه المحامي اللامع خريج جامعة هارفرد الراقية الذي حصل على بعثة بالجامعة لتفوقه، وكان أول طالب أسود يرأس لاتحاد الطلبة ورئيس تحرير مجلتهم، وقد اختار العمل التطوعي الاجتماعي والإرشادي في أحياء الزنوج الفقيرة في شيكاغوا، أوباما هو أول سناتور أسود، وقد أظهر سجله في الكونغرس التزامه بقضايا الفقراء ومعارضته الشرسة للغزو الأميركي للعراق، وكان في صف الأقلية.
وعندما بدأ باراك أوباما حملته الانتخابية، صرح في أحد لقاءاته مع الجالية العربية في يتشجان بأنه لا يعرف شعبا تعرض للظلم مثل الشعب الفلسطيني، ووعد بالعمل حثيثا من أجل حل الدولتين.
ولكن أوباما وفي سياق حملته الانتخابية غيَّر من مواقفه تجاه القضية المركزية للعرب وهي القضية الفلسطينية. وقد تجلى ذلك في خطاب القبول فلم يتعرض خلال عرضه للسياسة الخارجية سوى إلى ثلاث نقاط، هي إيران والعراق و»إسرائيل» فبالنسبة إلى إيران فقد كرر موقفه من ضرورة ممارسة أقسى الضغوط على إيران بالتفاهم مع حلفاء الولايات المتحدة، والتفاوض معها في الوقت ذاته. وبالنسبة إلى العراق فقد كرر موقفه بضرورة الانسحاب من العراق خلال 8 أشهر من وصوله إلى الرئاسة وبالنسبة إلى «إسرائيل» فقد كرر موقفه من التحالف الاستراتيجي ما بين الولايات المتحدة و»إسرائيل» وإن «إسرائيل» تستطيع الاعتماد عليه إذا ما وصل للرئاسة كصديق لـ «إسرائيل».
وفي هذا السياق فقد اضطر العربي الوحيد في طاقم إدارة الحملة الانتخابية لأوباما إلى أن يتسقيل، بعد أن كشفت أوساط صهيونية أنه كان مرتبطا بحركة الاخوان المسلمين في الولايات المتحدة، على رغم انه ترك الحركة بعد سنتين من ذلك.
وهناك محطة مهمة في حملة أوباما وهي حضوره مؤتمر أهم مؤسسة صهيونية في الولايات المتحدة وهي المؤسسة الأميركية الإسرائيلية للعلاقات العامة (AIPAC) حيث ألقى خطابا، أكد فيه انحيازه الكامل لـ «إسرائيل»، وتأييده لسياساتها وهاجم حماس وحزب الله باعتبارهما منظمتين ارهابيتين.
قام باراك بجولة شملت «إسرائيل» والضفة الغربية والعراق وأفغانستان وتوقف في طريق عودته في برلين. لقد قضى يومين من المباحثات مع الزعماء الاسرائيليين وزار المعالم المعروفة حائط المبكى ولبس القلنسوة اليهودية وومتحف المحرقة وعقد مؤتمرا صحافيّا مع الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز، أكد فيه دعمه الكامل لـ «إسرائيل» والسياسة الاسرائيلية، مؤكدا أنه يمكن الاعتماد عليه إذا ما وصل إلى البيت الأبيض كصديق لـ «إسرائيل»، ودعا إلى تعزيز القدرة العسكرية الاسرائيلية في مواجهة ما أسماه التهديدات الخارجية.
لكن زيارته لرام الله لم تستغرق أكثر من ساعتين، اجتمع خلالها اجتماعا يتيما مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولم يعقد مؤتمرا صحافيّا مشتركا، ولم يصرح للصحافة بأي شيء.
أما زيارته للعراق وبعد اجتماعه مع الجنرال بارتريوس والزعماء العراقيين وتفقد القوات الأميركية فقد تمخض عنها تأكيد موقفه بضرورة سحب القوات الأميركية في غضون 18 شهرا.
وأمام الانتقادات الشديدة التي وجهها اليه قياديون عرب في الحزب الديمقراطي مثل رئيس المعهد العربي الأميركي جيمس زغبي حاول باراك أوباما إعادة التوازن إلى موقفه، وذلك، حيث صرح في مهرجان انتخابي للناخبين العرب والمسلمين في ديترويت، عاصمة متشجن بأنه يؤيد حل الدولتين وانه سيعمل على تنشيط المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية.
اما بالنسبة إلى السناتور جونو ماكين فإن برنامجه الانتخابي متطابق تقريبا في السياسة الخارجية مع برنامج الرئيس بوش وينطلق من المنطلقات ذاتها. تشكل الغيبيات والفكر المسسحي التبشيري مصدر الهام للسناتور ماكين. ففي عرضه لبرنامجه الانتخابي، أكد انه يستلهم من السيد المسيح ما يجب عليه أن يعمله. واسترجع قصة أسره في فيتنام حيث ذكر انه وبمناسبة عيدالميلاد، أخرج من زنزانته، ليأخذ نزهة وفجأة رأى الصليب مرسوما في الرمل امامه، ويستطرد قائلا إن المسيح معه في محنته وهو يلهمه. وأكد ان انتماءه هو لعائلته وللكنيسة ولأميركا. وهذا مفهوم في ضوء القاعدة الانتخابية والتأثير والنفوذ الهائل لتحالف الكنائس (الانجليين) التي تدعمه.
موقف ماكين من القضايا العربية المحورية تتطابق مع موقف إدارة بوش انه مؤمن بأن القوات الأميركية تحقق انتصارات في العراق، وانه لا انسحاب حتى تحقق هدفها، وهو «القضاء على المتطرفين». وفي سياق حديثه اعتبر الإسلاميين الراديكاليين، وهم إيران وحلفاؤها (حماس، وحزب الله) أكبر خطر يهدد أميركا.
بالنسبة إلى إيران، فهو ضد أي تفاوض مع إيران، وقد استشهد أخيرا بخطاب أحمدي نجاد بزوال «إسرائيل»، ليعيب على باراك طرح الأخير إمكانية اللقاء والمفاوضات، وأكد انه لن يسمح بذلك، ويجب تفكيك البرنامج النووي الإيراني، من خلال الضغوط، أو تدميره بالقوة.
بالنسبة إلى لبنان، فهو مثل الإدارة الحالية، تعتبر حزب الله عدوا ومعرقلا لتطبيع الأوضاع في لبنان والتشويه مع «إسرائيل»، ويعتبر سورية راعية للإرهاب.
إذا فالعامل المرجح في موقفه تجاه القضايا العربية هو المصلحة الاسرائيلية.
وبالنسبة إلى الطاقة، وهي من أدق القضايا وأهمها والتي تواجهها الولايات المتحدة، فانه يؤيد التوسع في حفر آبار النفط في مياه الجرف القاري (200 ميل بحري وفي الاسكا، على رغم الاعتراضات الواسعة لاعتبارات بيئية).
ولا عزاء للعرب
الانتخابات الأميركية تهم العالم كله، وأميركا بتركيبتها السكانية من المهاجرين من كل مكان، وطبيعة النظام السياسي الأميركي التي تتضمن عمل اللوبيات، تجعل مختلف الدول ومجموعات الضغط للتأثير في برامج المترشحين ونتيجة التصويت. ففيما «إسرائيل» بالتحالف مع اللوبي اليهودي، عامل مقرر في مسار الانتخابات الأميركية، ومكون مهم في المؤسسات الأميركية، فإن لا الدول العربية، ولا ملايين الناخبين العرب، لهم دور مهم في هذه الانتخابات. الدول العربية منظمة في صراع فيما بينها، وتفتقد أدنى درجات التنسيق أو حتى المواقف المشتركة تجاه القضايا المثارة في الحملة الانتخابية.
أما الجالية العربية، فهي مشطرة فيما بين البلدان التي تنتمي اليها، بل إن جاليات بلدان مثل مصر ولبنان فمنقسمة على ذاتها. المؤسسات العربية المشتركة مثل المؤسسة العربية الأميركية، والجمعية العربية لخريجي الجامعات الأميركية، وغيرها ضعيفة ومحدودة، ولا تحظى بدعم الدول العربية ماديّا ومعنويّا.
هنا نستطيع ان نتسطرد مطولا في مقارنة بين المجموعتين العربية واليهودية، وهما متعادلتان من حيث العدد، ولكن شتان ما بينهما فيما يتعلق بالدور والنفوذ والتأثير والتنظيم، وبالتالي في التأثير على من يجري انتاخابهم، سواء الرئيس، أو اعضاء مجلس الشيوخ، أو اعضاء مجلس النواب الفيدرالي أو على مستوى الولايات. وحتى على مستوى الجامعات، والمدن وغيرها
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 2232 - الأربعاء 15 أكتوبر 2008م الموافق 14 شوال 1429هـ