تواصلا مع البحث عن الحقيقة التي لن تكون في المقالة السابقة أرى أن البحث عن الحقيقة، وما يريده الفرد من الحياة في عالم متسارع الخُطى، مجنون، وغير مستقر، ضروري... على رغم كل ما نعتقده من ظنون بأنه لا توجد حقيقة ثابتة... للأشياء من حولنا!
والكل على أية حال يحاول الوصول إلى حقيقة أو قطعة من السلام الداخلي والهدوء ليسعد نفسه كزاد يومي!
وقد تختلف الطرق لذلك؛ فمنهم من يتمسك بالعقائد الدينية أو الفلسفية، أو تصديق ما رآه في بيته ومجتمعه من مختلف الآراء... ولكن الأهم من السعادة المؤقتة هو ذلك الشعور الداخلي بالامتلاء والطمأنينة في الحياة الدائمة... وقد يجلب ذلك شعور الانتماء إلى الوطن أو أحد الوالدين مثل الأم رمز الطمأنينة الدائم أو أخ وأخت أكبر أو أشياء أخرى! فالامتلاء هذا ضروري حبّا للشعور بالسعادة وملء ذلك الخواء الداخلي الذي قد يصاب بمصيبة كبرى عند فقدان ذلك الشعور الأكبر من الطمأنينة!
والامتلاء (Gratification) قد يشبه ذلك الامتلاء بما يسمى بالقناعة الداخلية وقد يكون الفرد معدما وفقيرا جدّا ولكن قناعته وامتلاءه الذاتي عظيمين جدّا، ويشعر بالرضى عن الحياة والسعادة!
على عكس بعض الميسورين جدّا والعظماء والمكتشفين الذين لا توجد في دواخلهم تلك المشاعر مهما حصلوا عليه من تحدٍّ في الحياة! قد يحمِّل الملل والكآبة من الحياة على انتحار الكثيرين من هؤلاء ومن دون سبب ظاهري، عدا شعورهم بالخواء الداخلي فقط لا غير!
إذن فالامتلاء هو الخيط للسعادة؟ ويحاول البعض الهروب من ذلك الخواء الداخلي بالانضمام إلى قضايا حياتية كبرى سياسية، عقائدية أو مادية بحتة تلهيهم وتشغلهم عن أي نوع من التفكير في أي شيء كحركة مادية بحتة ومن دون تفكير حقيقي وذاتي بسبب الوجود!
إن الوضوح مع النفس، والتعرف على الذات هي من الأدوات التي تساعدنا في وضع بعض الاستراتيجية لحمايتنا ضمنا وهي التي تفعل الأجوبة التي نريدها للبحث عن بعض الحقيقة!
ولكن بدخولنا إلى هذا العالم شديد التعقيد وسرعة التغيير في كل شيء من حولنا وبشكل دائم ومتواصل، والطمع الإنساني المادي، لم يعطِ الوقت للإنسان للبحث عن تلك الذات، فالانشغال اليومي فكك معادلة الوجود والتواصل مع الآخر بهدم كل العلاقات البشرية وظهور السالب منها وبشكل مكثف مثل الحسد، والغيرة والطمع والسيطرة والتملق والضعف ثم الخوف من كل شيء والتصرف الجبان في المواقف الحياتية... وظهور الاتكالية وعدم الشعور بالمسئولية تجاه أيٍّ كان بسبب عدم وجود الوقت للتفكر بما يدور حوله! فالحركة المادية والتغير الدائم جعلت من سلوكياته كائنا يبحث عن شيء لا يعرفه ولا يعرف لماذا كل هذا التغيير إذن؟! والذي لا يضيف سوى الانغماس في الحركة ولمجرد الحركة!
إن مفتاح فهم النفس وما تريده هي من أهم المفاتيح للسعي الحثيث إلى الأفضل، وان الضعف وعدم التفكر من أهم أسباب الحروب فالضعيف يضطر إلى قبول كل أنواع الظلم وبقاء السلوك العدائي الفردي وطغيان القوى وتجبره والاحتلال لموارد البلاد من قبل طغمة متسلطة هو بسبب ضعف الشعوب، وعدم فهم الذات، التي يجب عليها عدم المسكنة والمرور على هذه الأمور مرور الكرام!
إن التوقف للحظات للتفكير يوميّا يوضح الكثير من الرؤية، ويساهم في التحاور مع الذَّات لأخذ المواقف الإيجابية والأكثر ثمرا في الحياة... وهي التي تتحكم في نوعية الحياة التي نعيشها وتؤثر في كل قراراتنا... وبالتالي في نوعية الإفرازات الاجتماعية من البشر!
فالعيش في عمق الحياة قد يتعبنا في البداية، وقد يبدو طريقا موحشا ووعرا... أو من دون نهاية!
لكنه حتما يؤدي إلى الكثير من الفهم وإدراك الحقائق التي ستذوب في التجربة الحياتية الرائعة حينذاك! وتزداد معها حينها الإيجابيات، وفهم العلاقة مع الوجود والآخر وربما مازال يشوبها بعض من الغموض، ولكنه غموض مدروس، وأكثر قبولا لحقائق الحياة المبهمة على أية حال
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2232 - الأربعاء 15 أكتوبر 2008م الموافق 14 شوال 1429هـ