لطالما جمحت الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية في هوليوود بخيالها، وقدمت لنا الغريب والعجيب مما قد يوصف بكل جدارة بأنه يفوق قدرات الإنسان وتوقعاته، بل ومخيلته في أحيان كثيرة، فحتى بداياتها الصامتة بالأبيض والأسود، لم تخلُ من هذا النموذج، فنسبة كبيرة من الأعمال السينمائية القديمة التي كانت تتبني النمط الكلاسيكي لم تتخلى عن الجموح في الأفكار والتصرفات. بل أوجدت الغرابة في أعمال عديدة ضمن حبكة سيناريو بشكل غير متوقع، فاستوديوهاتها مصانع لأرض الخيال.
ولعل عبارة ( فيلم أميركي) والتي باتت يستعملها الناس للتندر على التصرف الذي يوحي بالمبالغة ويتجاوز الحدود المتوقع والمنطقي، عبارة لم تأتِ من العدم، فتجارب المشاهد، وخصوصا العربي مع نموذج هوليوود للإنتاج الفني لا يخلو من الانتقادات للخيال المسهب في البطولة، والإنجازات العظيمة.
فكثر هم الممثلون الأميركان الذين قفزوا من طائرات دون مظلات عن ارتفاع شاهق، وتابع في المشهد التالي الجري خلف المجرم، أو الفرار من الشرطة، أو الوصول دون تأخير لموعد مهم ينتظره. فالممثلون الأميركيون كـ (سلفستر ستالون)، (توم كروز)، و(جون ترافولتا)، المشهورون في عالم أفلام الحركة والإثارة (أفلام الأكشن)، قدموا من الأعمال ما لا يمكن تصديق واقعية كلمة واحدة منها، بل إن أفكار الكثير منا جعلت من عالمنا مكانا آخر لا يشبه أو يقارب حتى الأرض التي نعيش عليها.
ولا تقتصر المبالغة في الأمور والأشكال والأحداث على أفلام الخيال العلمي أو الحركة، فحتى نجوم الأفلام الكوميدية كـ (جيم كيري)، والممثل المغني الأميركي (ويل سميث) قدموا ما هو جامح في تخيلاتهم، ففيلم مثل فيلم (القناع) من بطولة (كيري) والذي حقق شهرة واسعة عالميا، لا يوجد فيه أكثر من مشهد أو اثنين من الممكن أن يوجدا في الحياة الواقعية. وعلى الرغم من هذا يعتبر هذا الفيلم من أكثر الأفلام شهرة خلال العقد الماضي، حتى أنه تحول لمسلسل كرتوني، وصممت لعبة إلكترونية مستوحاة من أحداثه.
ومع أن الكثير من المشاهدين ينتقدون ساخرين البطل الأميركي الذي لا يمكن أن يقف شيء في طريقه، فحتى وهو ميت يستطيع أن يحقق المعجزات، وأن يطوع أصعب الأمر بنظرة ثاقبة من عينيه فقط، وإن اجتاح العالم الدمار ولم يبقَ على وجه المعمورة سواه والبطلة الحسناء التي لا بد له أن يقع في غرامها قبل نهاية الفيلم، فإنه ينجو ويكلل كبطل منتصر. ويمكنه بعد تدميره العالم بين ليلة وضحاها أن ينتج جزءا ثانيا للفيلم يعيد فيه إعمار الأرض من جديد بالسرعة نفسها التي دمرها بها، أو أن يحمل البشر على حزم أمتعتهم والانتقال لكوكب آخر ليعيشوا فيه حتى إشعار آخر. على الرغم من كل هذه الأمور التي يضحك المشاهد لها بعد نهاية الفيلم، فإن هذا النوع من الإثارة والخيال يشد الكثيرين ويروق لهم. بل إنه من أكثر النماذج مبيعا على شبابيك تذاكر في العالم.
وإن كان المشاهد العربي الذي بات يشاهد من الأعمال الهوليوودية أكثر مما يشاهد من إنتاج بلاده بكثير، وخصوصا في مجال السينما، يتقبل المبالغات الأميركية في أفلام الأكشن، والرعب، والخيال العلمي وغيرها من القوالب، فإنه مازال ينتقد بشدة ويرفض النموذج العربي لهذه الأعمال، ففيلم رعب عربي لا يمكن أن يحقق جزءا من ربع مما يحقق فيلم كـ (ماتركس) من إيرادات، لا لأن شباك التذاكر العربي لا يستطيع أن يحقق إيرادات الشبابيك الغربية فقط، بل لأن المشاهد العربي لا يقتنع أو يتقبل أي جزء من هذه الأعمال، فهي ليست غير منطقية فقط، بل هي مدعاة للسخرية والرفض جملة وتفصيلا، دون أن ننكر أن هناك أعمالا وإن كانت قليلة، حققت شهرة في العالم العربي وكانت لها مكانتها بين نوعها.
ويرجع البعض هذا الأمر من تقبل القالب الخيالي الغربي ورفض المحلي، إلى أن المشهد العربي يعرف واقعه الذي يتسم في كثير من الأحيان بالهدوء والاستقرار ويرفض أن يعكر منتج سينمائي رديء، بموازنة صغيرة صفو تصوره عن حياته اليومية، كما أنه لكثر ما أنتجت من أعمال في هوليوود من هذه الأنماط، بات هناك تقبل من المشاهد لكثير من الأفكار، شرط أن يكون مكان وقوعها في أرض تبعد عنا آلاف الكيلومترات.
العدد 2528 - الجمعة 07 أغسطس 2009م الموافق 15 شعبان 1430هـ