العدد 2527 - الخميس 06 أغسطس 2009م الموافق 14 شعبان 1430هـ

الخوف: ذلك العنصر المُمَكّن الذي يُساء تقديره

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

دُعيْت في العام 1997، عندما كنت أسافر بشكل متكرر من «إسرائيل» حيث كنت أقيم في الأردن، لإلقاء كلمة في مجلس الشئون الدولية في عمّان، والمكون من قضاة وسفراء أردنيين متميزين ومتعلمين وشخصيات أردنية آخرى بارزة. اخترت «المخاوف الإسرائيلية» كموضوع للحديث لأنني كنت مقتنعا يومها، كما أنا مقتنع اليوم، أن الخوف قد يكون السبب الأهم والذي يساء تقديره، والذي يبطن صعوبة حل النزاع. لم يُسرّ الجمهور من كلمتي. أخبرني أحد الحضور بغضب: «أنت تساوي بين الظالم والمظلوم».

كنت أفعل ذلك بالتأكيد، الأمر الذي يفسّر إلى درجة بعيدة سبب كون هذا الموضوع غاية في الصعوبة لكلا الطرفين. يعتز كل من الطرفين بالصورة التي لديه عن الآخر وهي أنه عديم الإحساس والأخلاق ومحصن ضد المشاعر الإنسانية. وتعتبر هذه الآلية أساسية للحفاظ على المنظور المتبادل بأن «القوة هي الأمر الوحيد الذي يفهمونه». إضافة إلى ذلك، تشكّل صورة الضحية البريئة مكوّنا أساسيا لهوية كل طرف. ويؤدي إدراك الخوف على الجانب الآخر إلى التشكيك بعملية إضفاء الشيطانية على الآخر وسحب الشرعية التي يمارسها كل من الطرفين بشكل روتيني تجاه «الآخر».

لا يستطيع العرب هضم فكرة أن الإسرائيليين يخافون، نتيجة لمنظورهم بأن «إسرائيل» هي القوة العظمى في المنطقة. «كيف يمكن لدولة تملك قنبلة ذرية أن تخاف منّا؟»، يتساءل العرب باستغراب حقيقي. بالطبع، لا تستطيع القنابل الذرية عمل أي شيء أمام المفجرين الانتحاريين، وليس من الصعب فهم أن الإسرائيليين يشعرون بانعدام الأمن أمام عالم عربي يفوقهم عددا بنسبة خمسين إلى واحد، وعالم مسلم تزيد فيه النسبة إلى أكثر من مائتين لكل واحد.

نشأ الإسرائيليون على طروحات إسرائيلية يهودية متداخلة تعيد سرد المعاناة اليهودية عبر ألفي سنة، تؤكد أن أعمال «إسرائيل» متجذّرة في الدفاع عن النفس لا يمكن تجنبه ضد أعداء مصممين على تدميرهم فرديا وجماعيا. يقوم شعب ما، كما يبدو بالطبع، في كل جيل كما تعلّمنا النصوص اليهودية، بالإعلان عن تصميمه أن يفعل ذلك، وهو تصميم يجري تعميمه من قبل العديد من اليهود والإسرائيليين على كافة أنحاء العالم العربي/ الإسلامي، أو حتى على بقية الإنسانية.

وبالطبع، يطلق كلا الطرفين وبشكل فوري صفة الجبن على الطرف الآخر. إلا أن ذلك جزء من عملية نزع الشرعية، وليس شعورا تنتج عنه المشاركة المعمقة.

يعتبر منع الطرف الذي ننتمي إليه من الاعتراف بخوف الطرف الآخر وبدء عملية من الشعور المعمق معه جزءا لا يتجزأ من استمرار النزاع. بخلاف ذلك، يمكن رؤية طرح الطرف الآخر على أنه شرعي. وإذا قبلت بأن لدى الطرف الآخر سببا حقيقيا لكي يخاف منك، أمكن لتصرفاته أن تصبح قابلة للفهم بتعابير إنسانية وأخلاقية.

يفهم الحزبيون والقادة على كلا الجانبين وبشكل صحيح أن الاستمرار في هذا الطريق يحتوي بالضرورة على قبول حقيقة أن الطرف الذي تنتمي إليه يتحمل مسئولية كبيرة عن النزاع منذ بداياته، وأنه بالتالي قد يكون لدى الطرف الآخر أسبابا جيدة لتصرفاته. وتعتبر هذه العملية خطرة على المعنويات والوحدة الوطنية، الأمر الذي يقلل من سويّة قضية الإنسان النهائية التي لا يمكن الحدّ منها.

هناك قضايا حقيقية بالطبع يجري الاقتتال حولها، بما فيها الأرض وتقرير المصير والوجود الوطني والأماكن المقدسة والموارد... الخ. الفروقات في القوة هائلة بالطبع، فكلما ازدادت قوة «إسرائيل» كلما تعرضت للخسارة وكلما شعر الإسرائيليون أكثر بعدم الأمن. ولا يمكن حل انعدام الشعور بالأمن هذا، ولفترة طويلة، بأنظمة تسليح جديدة أو ازدهار أعظم. وبالمثل، بالطبع، تثير كل نكسة جزئية، مثل حرب لبنان العام 2006 مخاوف من أن الردع، أي خوف الطرف الآخر من «إسرائيل»، قد تم إفشاله بشكل قاتل.

يميز الفلسطينيون، الذين يعتبر الإذلال بالنسبة لهم أحيانا أسوأ من الموت، بين استهدافهم كضحايا، وهو أمر يعرضونه بفخر، ومخاوفهم الذاتية، التي يجري إخفاؤها وراء ستار من التبجّج والتظاهر العلني. ويأخذ الإسرائيليون هذا التظاهر على أنه واقع، فيقومون بمضاعفة جهودهم مرة أخرى لفرض احترام صحيح (أي خوف) من «إسرائيل»، يأملون عبثا أن يبعد عنهم الهجمات الفلسطينية.

بذلك أوجدت المخاوف التي تعزز بعضها بشكل متبادل، والأكثر من ذلك، إنكار كل من حق الطرف الآخر بالعيش وواقع خوفه، دائرة مفرغة ما فتأت تتسع، لا يمكن التعامل معها إلا بشكل غير مباشر عن طريق الاتفاقيات وخرائط الطريق أو الدعم الخارجي لقضية المرء. يولّد الخوف عدم الثقة والعكس صحيح.

هل تعتبر هذه القضية غير قابلة للحل؟

بالطبع لا. إلا أن الخوف ماكر من حيث أنه نادرا ما يمكن التعامل معه بنجاح وجها لوجه. من الأساسي الوعي بدوره الحاسم. ولكن باستطاعتنا عكس هذه العملية فقط عندما نكون على استعداد للتعامل مع القضايا الملموسة للنزاع، والتي تقف وراء المخاوف، ومن خلال الوعي بأن الطرف الآخر لديه قضايا حقيقية تذكي مخاوفه الحقيقية.

* المدير التنفيذي لمعهد غيلدنهورن للدراسات الإسرائيلية بجامعة ميريلاند بكوليدج بارك ويقوم بتدريس البحوث الإسرائيلية بالجامعة. وقد عمل في مجال حل النزاعات في «إسرائيل»/ فلسطين وبرامج التعايش في كل من «إسرائيل» والولايات المتحدة لأكثر من عشرين سنة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2527 - الخميس 06 أغسطس 2009م الموافق 14 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً