استدعاه ليصفعه بصرخة مدوية هزت أركانه: «ألا تستحي على وجهك يا أسود الوجه؟ تريد أن تفضحني على رؤوس الأشهاد وتتهمني بالفساد وعدم نظافة اليد؟».
خارت قوى ذلك الموظف المسكين، وكاد يبكي من شدة خوفه وخنوعه فقال: «مو أنا... صدقني مو أنا»، وأراد أن يحلف بصلاته لكنه لم يتمكن لأنه لا يصلي فوجد سبيلا: «في صلاة أمي وأبوي مو أنا»، وأراد أن يضيف أدلة على خفوت صوته فقال: «صوتي لا يسمعه أحد إطلاقا... عمري ما رفعت صوتي... عمري... ولا مرة رفعت صوتي حتى وأنا أشجع المنتخب».
كل تلك المحاولات باءت بالفشل... فالكلام كثير، والجيوب التي تمتليء بالمال و...(الظنون) والشكوك تصبح هي الأخرى، من مصائب الحياة الدنيا... لكن، هل يمكن أن تشتعل نار الفضيحة على يد هذا الموظف البسيط، الذي لا تتعدى مهام وظيفته تسجيل الصادر والوارد من البريد!!.
تقول: «في صلاة أمك وأبيك أنك لست من تحدث عن (...) في إدارتي!!» هكذا رمقه بنظرة (خاطفة) وجد فيها المسكين لين جانب ففرح قائلا: «لا يمكن أن أبوح بالأسرار!! أنت تآمر أمر وأنا وكل من في هذه الإدارة تحت أمرك»... وما هي إلا أسابيع حتى ترقى ذلك الموظف «الكتوم» لينال جزاءه بالترقيات والعطاءات والكرامات نظير إخلاصه في العمل!.
هذه القصة «العسيرة» ليست سوى أفكار متخيلة، لكننا إن فتحنا العيون والعقول والقلوب، سنضع اليد على ممارسات ليست مقبولة إطلاقا من قبيل التغطية على ما يخالف شرع الله أولا ويتنافى مع القوانين، ثم تقوم القيامة بعد ذلك على ما يرد في تقارير الرقابة المالية والإدارية وتتشكل اللجان، وتصدر البيانات التوضيحية وتتحرك الإدارات وتراقب وتحلل و... و...
ولا تنقشع الغبرة إلا عن المزيد من الحقائق والأدلة التي تضبطها النيابة العامة وتقدمها للقضاء، لكن هذه المهمة تبقى مهمة سلطة القضاء، وفي هذا الشأن، كان بيان النيابة العامة بخصوص التعامل التحقيقات التي لم تنته بعد منطقيا، فـ»ليس من حق أحد أيا كان موقعه وأيا كان قدره أن ينتزع من القضاء سلطته أو يجلس في مقعده أو يفتت على كلمته أو يصدر حكما بالإدانة أو البراءة وفق ما شاء له الهوى، فساحة القضاء ليست ميدانا حرا ومفتوحا لتزاحم الآراء وتسابقها وإنما للقضاء نظمه الخاصة التي تساندها تقاليد تاريخية عريقة وقيم مستقرة راسخة.
لكن الذي يهم المواطنين الذين ينظرون إلى المصلحة العليا، وهم ونحن على ثقة في القضاء الذي لا نرضى أن يكون (إلا نزيها)، هو تقديم كل مسئول تثبت عليه تهم الفساد للمساءلة القانونية، وإيقاع العقوبات المقررة في القانون عليه، وألا يكون لأي طرف تدخل للحماية أو إلقاء طوق النجاة على المفسد... فالفساد هو سبب الكثير من المآسي في البلد، وآن له أن يحظى بضربات حديدية متتالية.
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2526 - الأربعاء 05 أغسطس 2009م الموافق 13 شعبان 1430هـ
لا للمفسدين
الفساد المستشري في كل قطاعات الدولة بشكل عام و على نطاق واسع ظاهرة غير صحية و يجب القضاء عليها بأسرع و قت ممكن
لكن أين الجهة التي ستأخذ على عاتقها مكافحة الفساد البرلمان أو النيابة أو القضاء
الحال واحدة فكلهم يعانون من وباء الفساد و المحسوبيات و إن تم فتح لجان تحقيق فإن آخر ما يتمخض عن هذه اللجان المزعومة الإبقاء على الرؤوس الكبيرة و العقول المدبرة تسرح و تمرح كما تشاء و إدانة الرؤوس الصغيرة التي تعمل عل نطاق محدود بتهم الفساد و إخضاعهم لعقوبات بسيطة لا تتناسب مع حجم الجرائم الموجهة لهم