السلطة والمعارضة ثنائي، يفرض كل منهما نفسه على الآخر في كل مجتمع سياسي، كل منهما على طرفي نقيض، السلطة من جهتها تمسك بتلابيب عناصر القوة من موقعها في إدارة شؤون الدولة، والمعارضة من ناحيتها تتحرك في المساحة التي يمنحها لها الدستور ومختلف القوانين المحلية، والدعم الشعبي وبناء التحالفات والتكتلات السياسية، كما وتتحرك في حدود المساحة التي تفرضها المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي يتعين على الدولة الالتزام بها حيال الحق في إبداء الرأي الآخر. ولا يفتأ يتوقف الطرفان عن إبراز القدرة والتمكن من أداء الدور المنوط بكل منهما، وذلك لكسب تأييد ودعم ورضا الرأي العام.
وتستند السلطة على أدوات تمكنها من الوصول للمجتمع المحلي، وللمجتمع الدولي، ولا تألو جهدا لاستعمال ما يكرس شرعيتها ويؤكد حقها في الاستمرار في موقعها التنفيذي لإدارة شؤون الدولة. فهي تستند - نظريا - على نزاهة الأهداف وصحة الإجراءات ووضوح الرؤى وتحقق نتائج إيجابية لكل المهام المسندة إليها كجهة مسئولة عن إدارة شؤون الدولة، كل ذلك من وحي سيادة القانون ومحددات الدستور، وبما لا يتجاوز الأطر والمبادئ التي أقرتها شرعة حقوق الإنسان العالمية.
كل ذلك عبر آلة الإعلام المرئي والمقروء والمرسل والمسموع وماكيناته الحديثة، وجيش من الأقلام والإسناد والدعم الدعائي.
في المقابل تعمد المعارضة من جهتها، إلى الاستفادة من الأدوات ذاتها - ما أتيح لها ذلك - للوصول للمجتمع المحلي والدولي، سعيا منها لإبراز الوجه الآخر للسلطة ولطبيعة العملية السياسية التي تنظر إليها من زاوية النقد والمراقبة والتقييم أو التقدير في حال تَعيَّن ذلك.
إذا من الطبيعي أن يسعى كل طرف من طرفي المعادلة - السلطة والمعارضة - لإثبات صحة مسألتين هامتين تتعلقان بأصل وجوهر وجودهما، وهو أن يثبت كل طرف أنه على حق في جميع ممارساته، وأنه قادر على الاضطلاع بالمهام والمسئوليات المناطة به. وكنتيجة لهذا الأمر، يصبح مؤدى دعوى كل طرفٍ، نافيا لدعوى الطرفِ الآخر.
بمعنى، أن المعارضة تحاول كشف ما فشلت السلطة في تحقيقه وإنجازه، وأن أداءها لا يلامس كل حاجات المجتمع، إن لم يلامس شيئا منها. وأنها ليست بالضرورة على حقٍّ في كل ما تخطط له، وتقوم به، وتنجزه كطرف مسئول عن إدارة شؤون الدولة.
فضلا عن ذلك، فإنها لا تخفي اهتمامها بمرض الأنظمة المزمن «الفساد المالي والإداري» وغياب مؤشرات العدالة الاجتماعية وسيطرة الاهتمام بالقضايا الخاصة للمتسلطين وغير ذلك.
ومن جهتها، فإن السلطة تحاول إثبات عدم كفاءة المعارضة وعدم قدرتها على التغلب - فيما لو وصلت إلى السلطة في أطار تطبيق مبدأ تداول السلطة - على صعوبات وموانع إدارة شؤون الدولة، وأنه ليس بالإمكان فعله أفضل مما تحقق بفعلها - السلطة - وقدرتها. وأن خطابات المعارضة ليست أكثر من مزايدات في سوق الخطاب السياسي الذي يقدم منتجات من الأحلام والوعود والنظريات للرأي العام. بعيدا عن الخبرة، التجربة والقدرة على محاكاة الوقائع والتطورات بكل تعقيداتها.
ولكن بين هذا وذاك، بين ما تحاول السلطة دائما أن تقوم به حيال أي معارضة تنشأ قبالها، وبين ما يتعين على المعارضة أن تعتمده كاستراتيجيةٍ على خط التعاطي مع السلطة القائمة، ما الذي يتعين على المعارضة اعتماده لمواجهة السلطة من موقع «المعارضة الكفوءة»؟ وهل أن المعارضة التي تصل إلى موقع السلطة، بمنأى عن مواجهتها لمعارضة؟
أليس على المعارضة مسئولية إثبات كفاءتها ووجودها وقدرتها، أكثر من حاجة السلطة إلى ذلك؟ لجهة أن السلطة بحاجة إلى إثبات ذلك للبقاء في موقعها فحسب، أما المعارضة فهي بحاجة إلى إثباته، للانتقال من موقع المعارض المراقب، إلى موقع الفاعل الممارس المتصدي لإدارة شؤون الدولة!
أليس على المعارضة أن تكون سخية في توفير جزءٍ من جهودها المضنية في العمل السياسي من موقع المعارض، وتختزنها لتنظيم وضعها كمعارضة وتماسك صفوفها لضمان تماسك البنية المعارضة على أسس المشتركات وهموم المجتمع الواحد؟
أما السلطة، ومن موقعها الممارس لإدارة شؤون الدولة، ومن أجل الاستمرار وإطالة عمر البقاء في موقعها، تعمد إلى تكريس حالة الضعف في قوى المعارضة، وتؤسس لبناء حواجز أمام المعارضة، للحد من تنامي قدرتها على الاقتراب من الحد الأدنى لمؤشر القدرة على تحقيق الوصول للسلطة.
ولكن المشكلة التي تعاني منها المعارضة لا تتوقف عند حد فعل السلطة النشط وتركيزها على تكريس تحجيم قدرات المعارضة فحسب، وإنما تعاني بالفعل وبالدرجة الأولى، من فعل ذاتي، مؤداه تعدد الانشطارات في البنية المعارضة الواحدة، وتعدد حالات التفكك في المكون المعارض الواحد، وغياب استراتيجية بناء الأرضية التي تهيئ للعمل الحزبي - الذي يشتمل على آليات تنظيمية مستحكمة - القادر على احتواء واحتضان التعدد النظري والمنهجي لعدد من فصائل المعارضة ذات التوجه الأيديولوجي الواحد أو المتقارب، في تنظيم يتشكل من الوسط واليمين واليسار، أو محافظ ومجدد ووسطي بينهما.
فليس من عامل أقوى من عامل القواسم المشتركة بين فصائل المعارضة، يستحق أن تعمل المعارضة من خلاله تحت سقف واحد، وتجمد غير المشترك فيه إلى حين، وعندها ستكون قادرة على الرقص على أنغام إخفاقات السلطة ومواقع فشلها، ولكن والحال هذا، كما هو وضع المعارضة، فإن السلطة ترقص طربا على أنغام خلافات المعارضة.
إقرأ أيضا لـ "هادي حسن الموسوي"العدد 2526 - الأربعاء 05 أغسطس 2009م الموافق 13 شعبان 1430هـ
جميل عبدالغني
الوسط آه يالوسط : تسلم سيدنا على المقال وهناك شطر ناقص من المقال وهو أن يتوجب على السلطة متابعة الكااتب الحذق وكذلك متابعة مقال الآخر
لآنها حقائق يجلها الكثيرون