أعلنت الحكومة الإيرانية في أحدث أسلوب لها لممارسة ضغوط على أصحاب المدونات الإلكترونية وكبح الرسائل النصّية على الشبكة العنكبوتية، أن المدوّنات والرسائل النصّية والمواقع والصفحات الاجتماعية والإنترنت، بصفة أعم، أدوات «هدّامة من أدوات الحرب الإعلامية» وأشد خطرا على الجمهور من «الإدمان». وهددت الحكومة أيضا بتقديم بعض المدونين إلى المحاكمة بتهمة الهرطقة أو المروق التي تنطوي على الحكم بالإعدام.
وكشف صحافي ومدوّن إيراني سابق يعيش الآن في كندا أن الحكومة الإيرانية دأبت منذ سنوات على خوض معركتها للسيطرة على الإعلام العام على الشبكة العنكبوتية.
وكان الصحافي الإيراني تعرض لمواجهة مع السلطة والقانون، ولذلك طلب عدم الكشف عن هويته.
وصرح لموقع أميركا دوت غوف بقوله «إنها (السلطات الإيرانية) استخدمت وسائل عدة لفرض قيود على المدونين وعلى صفحات الإنترنت المختلفة، إلا أنها لم تنجح».
وتشكل محاولات قمع حرية التعبير التي تقوم بها الأنظمة القمعية المنتشرة حول العالم مصدر قلق واهتمام لدى الدول الديمقراطية في العالم.
وانتقدت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان الرقابة المفروضة على الإنترنت في بورما والصين وكوبا وإيران وعدد آخر من البلدان.
وكانت الوزارة أنشأت فريق العمل الخاص بالحرية العالمية للإنترنت لمعالجة المشاكل والتحديات التي تواجهها حرية التعبير وحرية تدفق المعلومات على الشبكة العنكبوتية.
وتتباهى إيران بأنها من أصحاب أكبر عدد من المدونات الناشطة في العالم والتي يبلغ عددها 700,000 مدونة يجري تحديث نحو 100,000 منها بانتظام.
وتبين معلومات الشركة الإيرانية للاتصالات أن الإيرانيين أرسلوا نحو 21 مليون رسالة نصية يوميا في العام 2007.
وقال الصحافي المدون إنه بحجة حماية الشعب الإيراني من المواد «الخطرة» على الإنترنت مثل المواد الجنسية المتهتكة (البورنوغرافيا)، اقترح المجلس (البرلمان الإيراني) تشريعا يشبّه المدونين بالمجرمين العنيفين وأوصى بتشكيل لجنة «للتصدي للمدونين وأولئك الذين لهم صفحات ومواقع على الإنترنت والسيطرة عليهم وغربلتهم إذا لزم الأمر، وإلا فترفع قضايا عليهم وتحال إلى السلطات القضائية لاعتقالهم».
وأضاف المدون قوله «إنهم يريدون في الواقع خلق تدبير وقائي في داخل الأسر. ومن ناحية أخرى أثاروا موضوع إعدام المدونين بادعاء تهمة الهرطقة أو نشر مواد من شأنها أن تشجع على الفساد والبغاء». وتهمة الهرطقة يمكن للسلطة أن تفسرها على عدة وجوه.
وقال المدون «إنني إن لم أكتب شيئا غير الشعر على صفحتي على الإنترنت أو إذا كتبت شعرا قلت فيه مجازا: «سأصير أنا ذاتي من الآلهة» مثلا، سيكون عقاب ذلك الإعدام. وبهذه الطريقة سنشهد أحكاما بالموت في المستقبل القريب».
ويعتبر المدوّن الإلكتروني الإيراني الذي يقاوم السيطرة الحكومية هذه مجرد أحدث خطوات الحكومة للسيطرة على عالم التدوين الإيراني الفعال. وهي تأتي بعد سلسلة من المحاولات الفاشلة التي بدأت العام 1999 بمجهود لغربلة الإنترنت.
وبدأت السلطات في طهران بعد أن أثبتت تلك الجهود المبدئية فشلها باستهداف المدونين أنفسهم العام 2002 وذلك بالقيام أولا باعتقال أولئك الذين كانوا معنيين بالإنتاج السينمائي آنذاك (ومنهم المدون الذي تحدث إلينا) والذين عملوا في الصحافة أيضا.
وقال المدوّن: «اعتقلوا بين العامين 2004 و2005 نحو 20 أو 30 مدونا وأصحاب صفحات ويب وعذّبوهم وسببوا لهم مشاكل لجعل الآخرين يخافون ويفكرون مرتين. إلا أن هذه المشكلة زادت من عدد المدونات والمدونين».
وطبقا لما قاله هذا المدون، بدأت المرحلة الثالثة بعد أن أصبح محمود أحمدي نجاد رئيسا في العام 2005 ودخلت الحكومة الإيرانية ذاتها المعركة بإنشاء صفحاتها الخاصة ومواقعها وبتمويل كبير لمواقع المجموعات الموالية لها ولسياساتها. وقال «إلا أنه ليس لديهم شيء جديد يقولونه. يأتون بعشرة آلاف صفحة تقول كلها إن كل شيء على ما يرام بينما تظهر الحقيقة أن هناك شيئا مختلفا. ولذا فقد فشلوا في هذه المرحلة أيضا».
وقال إنه جاء بعد ذلك مزيج من الاعتقالات وتكنولوجيا جديدة للغربلة والتعرف على كلمة «امرأة» وغربلتها في حين اعتقلت السلطات عددا كبيرا من النساء المدونات. إلا أن جيوش المدونين باستخدامهم وسائل كسر طوق الغربلة جعلوا من المستحيل على الحكومة مجاراتهم واللحاق بهم.
وفي العام 2005 أعلنت وزارة الإرشاد الإسلامي أيضا عن خطة لتسجيل كل المدونات ومواقع الإنترنت تتطلب الأسماء الكاملة والعناوين وأرقام الهواتف. إلا أن الوزارة اعترفت بعد شهر واحد فقط بأنه لم يتم تسجيل سوى 5.000 موقع من نحو 100.000 موقع وأجبر المسئول الذي اقترح الفكرة على الاستقالة.
وأشار المدون إلى أن الحكومة الإيرانية مدفوعة برغبتها لا بمجرد تحويل شبكة الإنترنت في البلاد في النهاية إلى مجرد شبكة داخلية «وقطع الاتصال بين داخل البلاد والخارج» وحسب، بل وكذلك تحديد الوصول «بقنوات» لكل منطقة وذلك للحيلولة دون انتشار أخبار الاحتجاجات وإضرابات العمال وغيرها من المشاكل أو التطورات الإقليمية التي قد تشكل دافعا للآخرين على النشاط.
وقال: «إن الشيء ذاته يصدق على المرأة، بمعنى أنه إذا كانت النساء في طهران، مثلا، يردن أن يجتمعن فهم (السلطة) يريدون لهن أن يجتمعن ثم يقمعوهن، وهكذا دواليك. فهم لا يريدون أن يكون هناك ما يعرف بتأثر الدومينو، أي سلسلة رد الفعل» في البلاد.
غير أن المدون الإيراني تكهن بأن تدابير الحكومة ضد حرية الإنترنت ستفشل في نهاية المطاف مشيرا إلى فشل الجهود أيضا في لجم المصادر الأخرى للأنباء. وقال: «انظروا إلى الراديو والتلفزيون وحتى الفيديو، فقد أرادوا التصدي لهم في الثمانينات من القرن الماضي ولكنهم لم ينجحوا». وأضاف أنه في العام 1995 قُدمت إلى المجلس خطة لمكافحة خطر الفضائيات التلفزيونية «وهم الآن يجمعون هوائيات الأقمار الصناعية من بيوت الناس، لكن الخطة فشلت لأن الناس مازالوا محتفظين بفضائياتهم وأعدادهم في ازدياد يوميا». في غضون ذلك يستمر الصراع بين المدونين الإيرانيين وحكومتهم، وقد تصبح زيادة الضغط في النهاية دافعا لعدد مماثل من الأشخاص كي يصبحوا مدونين أو أكثر من عدد الذين سيردعهم الضغط.
ثم يخلص المدون الصحفي الإيراني إلى القول: «إن اللعبة مستمرة وحامية الوطيس مثل لعبة القط والفأر»
العدد 2232 - الأربعاء 15 أكتوبر 2008م الموافق 14 شوال 1429هـ