كل ما يتوافر في المناطق الفلسطينية من حيث المحطات التلفزيونية هو عبارة عن محطة فضائية تديرها الدولة وبضع محطات أرضية تعيد بث برامج من محطات فضائية أخرى. ويُعتبر تلفزيونان آخران هما تلفزيون الأقصى الذي أنشأته حماس في غزة وتلفزيون القدس، الذي يعتبره الكثيرون محطة مخففة لحماس، محطتين حزبيتين.
لم يُظهِر القطاع الخاص حتى الآن سوى اهتماما محدودا جدا في البث التلفزيوني، بسبب عدم الوضوح الذي يكتنف الوضع في فلسطين على الأرجح، والمخاطر المرتفعة نسبيا والمتعلقة بإطلاق قناة تلفزيونية خاصة.
لقد حان الوقت اليوم، بعد سنوات من الوسائل الإعلامية الحزبية أو تلك التي تديرها الدولة، لقناة تلفزيونية فضائية جديدة خاصة بشكل كامل، لا يملكها حزب سياسي معين أو هيئة حكومية، وإنما واحدة تطمح لأن تعكس مصالح الغالبية الساحقة من الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق الفلسطينية وفي الشتات. يمكن لمحطة كهذه كذلك أن توفر للعدو/ الجار الإسرائيلي نافذة نادرة على نواحي المجتمع الفلسطيني التي لا يُعرَف عنها شيء مطلقا.
جرى ولمدة سنوات طويلة تصوير الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم وبصورة نمطية على أنهم إرهابيون أو أصوليون دينيون، واتهامهم بأنهم غير قادرين على التعامل مع عالم متغير حولهم. وعندما انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية العام 2000 سيطرت صور الموت والجرحى والدمار والنساء المنتحبات على الشاشات التلفزيونية وأصبحت تمثل المجتمع الفلسطيني في أذهان الناس. ولكن هل هذه هي الصور الوحيدة؟ هل يعيش الفلسطينيون نمطا واحدا من الحياة فقط؟ كانت تلك هي الأسئلة التي طُرحت عند اتخاذ قرار إطلاق أول قناة تلفزيونية خاصة في فلسطين.
يعرف الفلسطينيون رغم كل معاناتهم كيف يعيشون حياة طبيعية. تستمر الحياة بالنسبة لغالبيتهم في الأحوال الجيدة والسيئة على حدّ سواء. ورغم أن الناس لا يستطيعون تغيير ماضيهم فإنهم يستطيعون بالتأكيد تشكيل مستقبلهم، بشرط أن تكون لديهم الأدوات الضرورية لذلك. يمكن لقناة تلفزيونية موضوعية تتمتع بمستوى عالٍ من المهنية أن تساعد على توفير بعض هذه الأدوات على الأقل.
تستطيع محطة كهذه كذلك أن تلعب دورا غاية في الأهمية في رأب الصدوع وإصلاح ذات البين مع «العدو/ الجار». تعرَّض الجمهور الإسرائيلي ولسنوات طويلة إلى نوع واحد من الطرح الإعلامي، يركز بشكل أكبر على النزاع وبصورة أقل على حلّه. وبرأيي الشخصي أن معظم الجهود التي بُذِلت عبر السنوات الماضية لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي فشلت فقط بسبب انعدام التفاهم بين الشعبين. يؤدي الفشل في فهم الطرف الآخر إلى مفاقمة النزاع ويجعل من الصعب أكثر تحقيق التسوية.
يمكن لمحطة تلفزيونية خاصة تستطيع تقديم عرض للحياة في فلسطين إلى الجمهور الإسرائيلي من زاوية مختلفة أن تساعد على مجابهة العديد من وجهات النظر العدائية التي يملكها الإسرائيليون تجاه الفلسطينيين، والعكس صحيح.
ويمكن لمحطة تلفزيونية حديثة متقدمة ومنفتحة في فلسطين أن تفتح الأبواب لحوار أكثر حضارية بين الشعبين، وكذلك ضمن أفراد هذين الشعبين.
يحتاج الفلسطينيون إلى وسيلة إعلام مهنية محترفة تعلّم جيرانهم الإسرائيليين أن هناك شعبا آخر يعيش عبر الخط الأخضر أو جدار الفصل أو نقاط تفتيش الجيش الإسرائيلي وحواجزه، يتطلع ويطمح إلى الحرية، تماما مثل الإسرائيليين أنفسهم.
ويُعتبر الفلسطينيون الذين يعيشون داخل «إسرائيل»، كتحصيل حاصل، جزءا لا يتجزأ من الجمهور المستهدف لقناة كهذه. لذا يتوجب أن تشكل تجربتهم الحياتية جزءا من شبكة برامج أية محطة تلفزيونية خاصة تسعى للوصول إلى أكبر عدد ممكن من أفراد الجمهور المهتمين.
كذلك يتوجب على المحطة أن تسعى لتقديم برامج ثقافية وتربوية وفنية ورياضية وترفيهية منتجة محليا، تغطي كل نواحي الحياة الفلسطينية في المناطق الفلسطينية وداخل «إسرائيل» وفي الخارج. يتوجب عليها كذلك أن ترشد الجمهور العربي الفلسطيني باتجاه مستقبل واعد من خلال الترويج لمجتمع حرّ ديمقراطي مفتوح ومتسامح، وفي الوقت نفسه رعاية ثقافة الحياة والمرح والبهجة والوعد، وليس ثقافة الموت والدموع والألم.
ويتوجب على أية محطة تلفزيونية، نتيجة لكون 65 في المئة من السكان الفلسطينيين أقل من 25 سنة من العمر، أن تكرّس أوقاتا برامجية كبيرة لجمهور الشباب. يُعتبر عامل الشباب مهما جدا لكل أمة تتطلع نحو مستقبل أفضل. لهذا السبب يحتاج الجمهور الفلسطيني إلى برامج تخاطب التطرف الديني وتشجّع التفكير المتنور، الأمر الذي يشجع الشباب على تبني ثقافة الحوار المفتوح وقبول الآخر.
يمكن كذلك تشجيع الفلسطينيين الشباب على إنتاج الحلقات الدرامية والثقافية الخاصة والتي تتعامل مع مصالحهم واهتماماتهم، والتي يمكن بعد ذلك بثها على المحطة التلفزيونية.
لدينا آمال كبيرة أن تتمكن قناتنا الفضائية الجديدة «فلسطين الغد» من تحقيق هذه الأهداف واجتذاب المشاهدين من جميع أنحاء العالم. وحتى يتسنى تحقيق هذه الرؤية، نحتاج إلى نموذج أعمال مربح ذاتي التمويل يستطيع توليد الدخل من خلال مبيعات الإعلانات والمشاركة العامة في المسابقات التلفزيونية وغيرها من مجالات رعاية المؤسسات، وبيع البرامج والتقارير المنتجة محليا.
من المؤكد أن إنشاء القناة عملية مكلفة، ولكنه أمر ممكن يستحق الجهد.
* المدير التنفيذي العام لقناة «فلسطين الغد» التلفزيونية الفضائية في رام الله بفلسطين، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2525 - الثلثاء 04 أغسطس 2009م الموافق 12 شعبان 1430هـ
من حقهم
من حقهم انتكون لهم قناة خاصة بهم مثل الدول الاخرى وان شاء الله يتم النصر القريب لها ان شاء الله ربي يحفظهم