العدد 2524 - الإثنين 03 أغسطس 2009م الموافق 11 شعبان 1430هـ

الطريق إلى أرض السواد

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لا طريق مباشر إلى العراق حتى الآن. ولكي تزور العراق عليك أن تستقل طائرتين، وبدل أن تصل في ساعتين، ستقطع المسافة في عشر ساعات... فالقطيعة العربية مع العراق ستطول!

عندما تدخل أجواء العراق من الجنوب، ستبرز لك أول ملامح الجغرافيا العراقية... مسطحات مائية كبيرة ومستنقعات. تلك هي الأهوار التي عاش فيها أربعون ألفا، لم يتغيّر نمط حياتهم منذ ستة آلاف عام، إلا في عهد الدكتاتور الأخير الذي أعلن حرب إبادة على البيئة، فقام بتجفيفها وتلويث مياهها للقضاء على سكانها العرب... وقتل الزرع والضرع.

بعد مشاهد الأنهار وروافدها... تتراءى لك مساحاتٌ أخرى صفراء ممتدة عبر الأفق. صحارى وقفار، ما أن تقطعها وتقترب إلى محطتك النهائية (مطار النجف الأشرف)، إلا وتبرز البساتين والحقول... فأنت الآن في أرض السواد. وتعيد الآن اكتشاف معاني شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري (ابن النجف):

سلامٌ على هضباتِ العراق... وشطّيهِ والجرفِ والمنحنى

على النخلِ ذي السعفاتِ الطوال... على سيّدِ الشجرِ المقتنى

إلى جانب النخيل الباسقات، ستلاحظ وجود بيوت طينية أشبه بالخرائب متناثرة وسط البساتين. هذه البيوت الطينية لن تفارقك أينما ذهبت خلال هذا الأسبوع. ستشاهدها في النجف وكربلاء... وحتى بيوت بغداد أبعد ما تكون عن منازل عاصمةٍ إقليمية كبرى تنام على أكبر مخزون نفطي في الشرق الأوسط. إنها ضحيةٌ اجتمع على استباحتها الحكم الدكتاتوري، والاحتلال الأجنبي الذي أرسل جحافله للاستيلاء على الثروة النفطية، ولو كان الثمن إرجاع البلد خمسين عاما إلى الوراء.

المطار الصغير الذي افتتح قبل أشهر، يحاول تقديم ما أمكن من خدمات وتسهيلات، فهم يعتقدون أن كلّ من يهبط هذا المطار فهو في ضيافة صاحب المدينة الإمام عليٍّ (ع).

تدخل النجف الأشرف، مقر المرجعية الدينية العليا التي حافظت على استقلالها وكرامتها لألف عام. مدينةٌ صغيرةٌ متربةٌ، بيوتها بسيطة، أسواقها لا تختلف كثيرا عن الأسواق الشعبية في العواصم العربية الأخرى. ولأنها واقعةٌ على حافة الصحراء، فإنها كثيرا ما تتعرّض إلى موجاتٍ من الأتربة والغبار الطيني الأحمر.

هذه هي النجف التي تقول عنها الموسوعة الحرة (ويكيبيديا): «المدينة المقدسة العريقة، باب علم النبي (ص) وعاصمة فقهه، وعلوم آل البيت الطاهرين، مثوى وليد الكعبة وشهيد المحراب الإمام أمير المؤمنين، مصدر المرجعية والتقليد، ومهد الحركات العلمية والأدبية، أمّ العلوم والتقوى والشعر والجهاد». أمثل هذه المدينة بكل جلالها وعظمتها وتاريخها... تستحق مثل هذا الإهمال؟

الإهمالُ نفسه وأكثر تجده في ابنتها الصغرى كربلاء... مثوى الشهداء من آل بيت محمد (ص). فعلى بعد ثمانين كيلومترا، تنام المدينة المقدسة منذ ثلاثة عشر قرنا. شوارعها مقطعةٌ كالأخاديد. أرصفةٌ متهالكة. بيوتٌ قديمة. لم تتغيّر عمّا كانت عليه يوم زرتها في صباك، قبل خمسة وثلاثين عاما، ما عدا التحسينات الداخلية والتوسعات في الحرمين الحسيني والعبّاسي.

عندما تسألهم: ألا تستحق هذه المدن خدمات وأوضاعا أفضل؟ فزوّارها لا ينقطعون طوال العام، فضلا عن مواسم عاشوراء والأربعين وشعبان ورمضان. يقولون: إنها الحكومة المركزية. والمشاريع؟ تنفذها الأمانتان العامتان في الروضتين. ومن أين التمويل؟ من المشاريع الاستثمارية التي تنفذها الأمانتان، ومن النذور والهدايا، ومن تبرعات الزائرين التي كان يستولي عليها النظام البائد فيما مضى لتمويل حروبه العدوانية ضد الجيران العرب والمسلمين.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2524 - الإثنين 03 أغسطس 2009م الموافق 11 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 11:27 ص

      قاتل الله الجهل

      للزائر رقم (2):
      سؤال محيرني: لماذا الحقودين كلهم جهلاء وغير مثقفين؟ سؤال انتظر تجاوبني عليه

    • زائر 6 | 8:34 ص

      أعزي السيد قاسم حسين

      البعض يفكر ان السواد رمز أهل البيت بينما هو رمز العباسيين والعلويين رمزهم اللون الاخضر وهذا دليل على ضحالة الثقافة، والأفضل قبل التعليق وإدخال العزاء واللطم في أمور لا تمت إليها بصلة عليك يا كاتب التعليق 3 أن تتثقف و تعرف المكتوب ثم تنتقد بدلا من خلط الحابل بالنابل هكذا . ثانيا: ان العرب منذ الجاهلية هم الذين اسموها أرض السواد لأنهم عندما يقدمون عليها من الجزيرة العربية تترائى لهم النخيل سوداء، فسموها بذلك، فلماذا إقحام العزاء والاحقاد الطائفية وخلط الاوراق؟
      عزائي للسيد قاسم حسين.

    • زائر 5 | 6:09 ص

      فجر العراق قريبا

      أحد الشعراء يتكلم في احد القصائد عن الليل الطويل للعراق وتأخر الفجر
      نحن شاء الله بحق محمد واله سوف نشهد اليوم الذي يكون هناك الفجر للعراق بحكمة علماء وقادة العراق

    • زائر 4 | 1:40 ص

      لماذا السواد

      لماذا السواد رمز ال البيت الاطهار ولماذا هذا الحزن المشئوم واين الصبر والاحتساب عند المصائب ان النبي (ص) وال بيته الاطهار كانوا رمزا للعطاء والخلق العظيم احيوا دين الله وشرفوا الاسلام فلم يكونوا طعانين ولا لمازين ولاشتامين بل كانت صفاتهم عظيمة اقتبسوها من رسولنا الأعظم فتعسا لمن ناح بقصد الرياء والنفاق وشق عصا الاسلام وخذل المسلمين وهنيئا لبيت ال النبوة الاطهار جنات الفردوس الاعلى والنعيم المقيم مثواكم وانا انشاء الله بكم لاحقون.

    • زائر 3 | 1:40 ص

      بلد النفط

      اين كان صدام يصرف عوائد النفط فالفقر و البيوت الطينية في بلد البترول والزرع عار ما بعده عار في جبين الدكتاتور وازلامة ولم تقتصر الحياة العصيبة على الشيعة بل الاكراد بل عانى منها حتى السنة .

    • زائر 1 | 12:50 ص

      حجم الخط؟

      صباح الخير,, مقالكم أكثر من جيد , ولكن للأسف فأن الشكل الجديد للصحيفة الإلكترونية ليس فيه خيار إختيار حجم الخط, ولذلك فقد حرمنا من التصفح اليومي للجريدة عموماً وللمقالات خصوصاَ فصرنا نمر عليها مرور الكرام بعد أن كانت مصدرنا الأول للأخبار والرأي,, فلو تكرمتم أضيفوا خيار إختيار حجم الخط لأن نسبة كبيرة من القراء أمثالي لا يمكنهم قراءة(خطوات النمل) وشكراً

اقرأ ايضاً