العدد 2524 - الإثنين 03 أغسطس 2009م الموافق 11 شعبان 1430هـ

التلوث السياسي الفلسطيني أشد خطورة من التلوث البيئي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نشرت منظمة الصحة العالمية تقريرها المرعب بشأن تلوث المياه على شواطئ قطاع غزة.

ومما جاء في ذلك التقرير أن كشف المنظمة الدولية على «نحو 71 عينة مياه من 25 موقعا في البحر المتوسط على طول شاطئ غزة، خلال الفترة من أبريل/ نيسان إلى يونيو/ حزيران الماضيين، أثبتت نتائجه تلوث المياه ببكتيريا (الغائط)، خاصة من نوع بكتيريا (القولونيات) و(المكورات العقدية)». في الوقت ذاته، وعلى نحو مستقل حذر تقرير آخر صادر عن مبادرة النظافة والصرف الصحي والنظافة ( WASH)، من أن «800 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي الخام أو المعالجة جزئيا، يتم صبها في البحر بقطاع غزة».

مثل هذه التقارير المستقلة، وغير المتحيزة، كان في وسع القيادات الفلسطينية الاستفادة منها لتسليط الضوء على معاناة الجماهير الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص في غزة، جراء الجرائم التي ترتكبها يوميا سلطات العدو الصهيوني بحقها. لكن الحديث عن تلك الجرائم، تراجع كي يحتل الخانات الهامشية في وسائل الإعلام العالمية، وتتقدم عليه أخبار موجة التلوث السياسي الناتجة عن الحرب الإعلامية والإدارية المندلعة بين «حركة فتح» التي تستعد لعقد مؤتمرها السادس والممسكة بالسلطة، و»حركة حماس» التي أوصلتها الانتخابات إلى سدة الدولة المقالة. تتجسد موجة «التلوث السياسي الفلسطيني» فيما تناقلته وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والعالمية على حد سواء من تصريحات كلامية أدلت بها قيادات «الحركتين»، وإجراءات إدارية وتنظيمية لم تتردد أي منهما في اتخاذها.

فعلى المستوى التنطيمي الداخلي في صفوف فتح، وبحسب ما جاء في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية فإن «أبناء فتح يشعرون بأن هناك تهميشا متعمدا للقطاع، ونية لإقصائه».

ونقلت الصحيفة عن عضو المجلس التشريعي في فتح، وعضو المؤتمر فيصل أبو شهلا قوله بأن «النصاب السياسي، وليس العددي» يكتمل «بمشاركة غزة». وتمضي الصحيفة في نقل المزيد من خفايا موجة التلوث السياسي، مشيرة إلى مساندة قياديين من فتح، «أبرزهم نبيل شعث، ومحمد دحلان، وأبو علي شاهين، موقف القطاع، وجميعهم من غزة، وأعلنوا أنهم سيقاطعون المؤتمر من دون حضور غزة. وتأخذ الخلافات شكلا مناطقيا، إذ يدفع فتحاويو الضفة لعقد المؤتمر حتى بدون حضور أعضاء غزة».

على نحو مواز، لم تتردد شخصية قيادية مرموقة لها كلمتها المسموعة بين كوادر فتح، بل وتعتبر من الأرقام الصعبة في معادلة موازين القوى الفتحاوية مثل فاروق القدومي، أن تشترط، وهي على أبواب مدينة بيت لحم، حيث يعقد المؤتمر، أن «المصالحة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مربوطة باستعداد هذا الأخير التخلي عن وزير الأمن السابق محمد دحلان». مصدر الخطورة التي تكتسبها مثل هذه الصراعات «الفتحاوية»، كونها تفتح المجال أمام القوى الانتهازية، داخل فتح وخارجها كي تصطاد في الماء العكر، فبتنا نقرأ، كما نقلت صحيفة «الغد» الأردنية على موقعها على الإنترنت، عن «اتفاق بين «فتح» و«حماس» لمنع أعضاء فتح في غزة من المشاركة في المؤتمر السادس»، القصد منه الحيلولة دون وصول محمد دحلان إلى عضوية اللجنة المركزية القادمة.

لا نريد أن نقع أسرى القبول بنظرية المؤامرة، لكن تأكيد عضو القيادة السياسية لحركة حماس محمود الزهار، خلال لقاء له مع عدد من كوادر الأجهزة الأمنية التابعة لـ»حماس» في غزة وقوله: «إننا إذا سمحنا لأعضاء فتح بالخروج فإننا نسمح بفوز محمد دحلان في عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح، وهذا يتعارض مع سياسة «حماس» واستراتيجيتها الأمنية والمستقبلية»، مشيرا إلى أن «عدة اتصالات جرت بينه وبين عدد من قيادات «فتح» في غزة والضفة الغربية، أكدوا على ضرورة إفشال دحلان حتى لو وصل الثمن بمنع أعضاء غزة من الوصول للمؤتمر»، يجعل من احتمال تقاطع مصالح بعض أطراف في فتح في فشل دحلان مع «حماس» مسألة تستحق المراجعة.

هذا التقاطع لا ينبغي أن يخفي من الصورة السبب الرئيس الكامن وراء إقدام «حماس» على «حجز» أعضاء المؤتمر السادس ومنعهم من مغادرة غزة، والتي أفصحت عنها تصريحات الزهار نفسه حين قال «إن حركته لن تسمح بخروج إطارات فتح للمشاركة في أعمال المؤتمر بالضفة الغربية، قبل تنفيذ الشروط التي وضعتها «حماس» والمتمثلة في الإفراج عن جميع المعتقلين من قيادات وعناصر في سجون السلطة بالضفة الغربية وإرسال دفاتر جوازات السفر لوزارة الداخلية بغزة».

بل وصل الأمر بحركة حماس، وكما جاء على لسان الناطق باسم وزارة الداخلية المقالة إيهاب القصير، إلى اعترافها بأنها قد «اتخذت قرارا برفض خروج أي من أعضاء «فتح» للمشاركة في مؤتمر الحركة السادس»، وبأنها لن تتردد في الإقدام على اعتقال «الذين خرجوا مؤخرا من القطاع فور عودتهم وسيتم تحويلهم إلى المحاكمة».

يجري كل ذلك وشواطئ غزة لا تزال تغمرها موجات المياه الملوثة، ولكن وما هو أسوأ من كل ذلك، أنه في هذا الوقت، وكما نقل الصحفي البريطاني أيان بلاك بعض مما تطرقت إليه الصحافة، حيث «تقوم السلطات الإسرائيلية بإزالة كلمة النكبة «ليس من كتب الدراسة الإسرائيلية، وإنما من الكتب المدرسية في المناطق العربية»، لأنها كما تراها الدوائر الصهيونية «تشوه الإشارة التاريخية إلى ولادة الدولة العبرانية».

أنظار المواطن الفلسطيني ليست معلقة بنتائج المؤتمر السادس لـ «فتح»، وحسب، بل بما سيتمخض عنه هذا التلوث السياسي بين الفرقاء الفلسطينيين الذي يلوث بيئة النضال الوطني الفلسطيني، من ذيول تتجاوز في خطورتها تلك التي يتركها وراءه أي شكل من أشكال التلوث البيئي، بما فيها ذلك الذي يضرب شواطئ غزة هذه الأيام.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2524 - الإثنين 03 أغسطس 2009م الموافق 11 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً