لعل التركيز الحالي على تنمية القطاعات الاقتصادية لا يعطي اهتماما لتنمية القطاع الزراعي (ومعه بالطبع قطاع الثروة الحيوانية والسمكية)، وذلك لأن الزراعة تمثل أقل من 1 في المئة من الناتج القومي، كما أن هناك شحّا في الماء والأراضي الزراعية. ولكن مثل هذا التصور «قديم» لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار التطورات التكنولوجية التي يمكن إدخالها في هذا القطاع بحيث يمكن تكثير الإنتاج الزراعي عشرات المرات من خلال ما هو متوافر حاليا من إمكانات.

الحديث ليس خياليا، وهناك تجارب عملية حاليا في البحرين أثبتت هذا الموضوع، ولكن ولكي تتحول هذه التجارب المحدودة إلى استراتيجية فإن الحكومة بحاجة إلى أن تدخل على الخط، من خلال توفير تسهيلات لمن يشتغلون (أو يودون الدخول) في هذا القطاع الحيوي، ويمكن للحاضنات الصناعية أن تستخدم كأنموذج لخلق «حاضنات زراعية».

هناك حاليا حديث عن تحويل نصف «هورة بوري» (مساحتها نحو مليون متر مربع) وهي من أخصب الأراضي الزراعية وأعلاف البحرين حاليا تعتمد عليها، بحسب مصادر نيابية، إلى أرض جرداء تقام عليها «جامعة خاصة»، هذا في الوقت الذي لا نحتاج إلى مزيد من الجامعات مع المصائب المتتالية علينا بسببها حاليا. والسؤال ماذا سيضر الحكومة لو تبنت حاضنات زراعية في هذه المنطقة بدلا من اقتلاع أرضها الخصبة لإنشاء مشروعات لا تغنينا فيما نحتاج إليه شيئا؟

لقد أشارت وثيقة صادرة عن وزارة الزراعة الأميركية مؤخرا إلى أن «الأمن الغذائي جزء من الأمن القومي»، واعتبر الخبراء أن هذا التحول في التفكير الاستراتيجي لدى الدول يعتبر مهما لأنه يعالج قضية الأمن الغذائي من خلال اعتماد سياسات طويلة الأمد، ولاسيما أنها تأتي بعد أزمة ارتفاع أسعار الغذاء التي حدثت في العام الماضي، وحدت بمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إلى الدعوة إلى إدارة أفضل للأمن الغذائي.

إن تنمية القطاع الزراعي تحتاج إلى إرادة قوية، ورؤية واضحة، وسيتوجب إيقاف المشروعات التي تجلب لنا السمعة السيئة (مثل تدمير أرض زراعية وإقامة جامعة خاصة مكانها في هورة بوري)، وأن نتوجه نحو المردودات بعيدة المدى، بدلا من الركض وراء الربح السريع والتضحية بمستقبل بلادنا... ذلك لأن الأمن الغذائي أصبح جزءا من الأمن الوطني.