مهما كنت ومهما كان موقعك فبإمكانك استخدام العنف لمعالجة الأمور والقضايا التي تعترض طريقك، والتي ربما تراها عراقيل حقيقية، لكن ما تستخدمه من عنف للمعالجة سيفجر الأمور، وسيخرجها عن السيطرة.
فكر عدة مرات وضمن موقعك في ردة الفعل للطرف الآخر، فكر في ما تختزله حالة الذل والإهانة في الناس من بارود قابل للانفجار، فكر في الناس الذين سيستفيدون من التعامل العنيف مع هذا أو ذاك ليدفعوا الأمور بعيدا عن سيطرتك.
صدمنا وصدم الجميع وهو يقرأ تفاصيل العنف الذي مارسه أحد الآباء ضد ولده الذي كان عاقّا ومعاندا ومستهترا بتوجيهاته، فحبسه لأكثر من خمس سنوات في إحدى غرف المنزل، حرمه خلالها من الدراسة، ومن الحياة بشكل طبيعي، وكان يقدم له الطعام عبر فتحة بباب الغرفة، كما نقلت ذلك صحيفة «اليوم» السعودية بتاريخ 10 مارس/ آذار الماضي، والتي قالت على لسان الناطق الإعلامي لشرطة القطيف، إن غرفة الشاب لها باب حديد وبداخلها دورة مياه، وقد بقي فيها من سن 17 عاما حتى جاوز الآن الـ 22 عاما.
لكن ماذا كانت النتيجة هل صلح الابن؟ هل عاد إلى رشده؟ هل تمكن الأسلوب العنيف من إعادة الأمور إلى مجاريها؟
فور خروج الابن إلى النور حاول إحراق سيارة والده، وامتلأ قلبه بالحقد عليه، وتطايرت إلى أسماعنا الكثير من التهديدات والتصرفات الانتقامية التي ينوي القيام بها.
الزوج والأب والمدرس والمدير والرئيس والحاكم والكل دون استثناء معني بالتفكير الجاد في أية حالة يعتبرها خارجة عن القانون، وفي كل حادثة تحكمها روح التمرد والعناد، ومعني بالتساؤل لماذا وكيف يجب أن تصلح الأمور؟
لقد كان الاعتقاد السائد لدى الكثير من الآباء أن الرجولة في الضرب والإهانة والحرمان، لكننا اليوم أمام جيل جديد يجب أن نتحسب لردود أفعاله، واندفاعاته التي قد لا تكون عاقلة ومحسوبة.
لقد ولّد العنف في فلسطين المغتصبة إنسانا جديدا يختلف عن إنسان العام 1948م، فإنسان ذلك العام هرب وترك أرضه لاجئا هنا وهناك، إلا القليل ممن قاوم وصمد، لكننا اليوم أمام جيل جديد، كشفت حرب غزة 2009، أنهم ولدوا من رحم العنف، وقرروا أن يتعاملوا معه بعنفوان وحيوية ومقاومة أكبر، وكانت خسارة عدوهم أنه غفل عن فهم نوعية هذا الجيل.
كذلك لم تعالج عنتريات جورج بوش أيام رئاسته حين قسم العالم إلى فسطاطين، وأسرف في استخدام البطش والقوة في كل أرجاء المعمورة، قضية أفغانستان، فهي إلى الآن رمال متحركة ومقبرة تنتظر المزيد من الجيوش المغتصبة لأرضها لتقبرهم وتنهي أحلام قادتهم.
وإذا تعاملنا بحسن الظن مع ما يروجه الإعلام، فإن دارفور أصبحت موطئا للتدخل الأجنبي، جراء ما جرته ويلات العنف والقهر على أهلها وسكانها من المآسي والمصائب، فالتجأ قسم من أهلها إلى خارج السور، ليلتقي بسوق المصالح المفتوحة والأجندات المعدة.
وستبقى البلدان المجاورة لنا كالعراق ولبنان تضج بالصرخة والصوت العالي أن العنف لا يولد إلا مزيدا من العنف، وأنه مصيبة ومشكلة قبل أن يكون حلا مثمرا.
إن العنف الأسري والاجتماعي الذي لا يولد إلا المزيد من الانفلات والخراب والتمزق، لا يقتصر على الضرب والسجن كما حصل ذلك للشاب الذي أشارت إليه صحيفة «اليوم»، بل يشمل كل انتقاص من الحقوق، فالتمييز بين ابن وآخر هو عنف اتجاه أحدهما وهو محرض للمميَّز منهما على أخيه، وإهمال أحدهما أو تهميشه هو عنف في حقه، ومساعد لجرأة بقية أفراد الأسرة عليه، ومركزية الإمكانات بيد بعض الأبناء هو استضعاف للبقية.
آن الأوان لنلتزم حلول العقل والحكمة، ونبتعد في كل مواقعنا المسئولة عن حالة التشنج والعنف لنضع لمشاكلنا حلولا تمنع تفجر الأزمات في المستقبل، وتحول دون تكررها بين الحين والآخر، وألا ننطلق في معالجاتنا من منطق القوة والقدرة والشعور بالتفوق والسيطرة، بل من حالة التفهم للطرف الآخر، لتعيش الأسر والأوطان في أمان، ليكون الرخاء والهدوء علامة على نضج أهلها وحكمة أصحاب القرار فيها.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 2523 - الأحد 02 أغسطس 2009م الموافق 10 شعبان 1430هـ