تحرك سلسلة من الاجتماعات بين الولايات المتحدة ودبلوماسيين سوريين، بمن فيهم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ونظيرها وزير الخارجية السوري وليد المعلم في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، تحرك تكهنات من أن واشنطن ستتحرك على الأقل باتجاه إشراك دمشق، بدلا من التركيز على قضايا محددة ذات اهتمام خاص للولايات المتحدة، وخصوصا مطالب واشنطن بأن تسيطر سورية بشدة على تسلل المتطرفين السنة عبر حدودها إلى العراق، وإيقاف تسليح حزب الله في لبنان، غطت المحادثات كذلك، بحسب التقارير، مواضيع أخرى، وبالذات مناشدة دمشق لواشنطن أن تنخرط مباشرة في عملية سلام متصاعدة بين سورية و»إسرائيل».
ناشدت كل من دمشق وتل أبيب الولايات المتحدة أن تنخرط كأسلوب لاستمرار محادثات غير مباشرة مستمرة منذ سنة توسطت بها الحكومة التركية.
وفي الوقت الذي باركت فيه رايس العملية، فإن الصقور داخل إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، وبالذات مكتب نائب الرئيس ديك تشيني، ونائب مستشار الأمن القومي المسئول عن الشرق الأوسط إليوت أدامز، عارضوا أية مشاركة إضافية.
«ليست هناك حالة اختراق، ولست متأكدة من أن تكون هناك حالة كهذه» حسبما صرحت رايس التي التقت مع المعلم على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك يوم الجمعة قبل الماضي، لمحطة تلفزيون «بلومبرغ» يوم الإثنين في الاسبوع الماضي. «إلا أن الوقت قد حان للحديث عن بعض التغييرات التي بدأت تحصل في الشرق الأوسط».
وفي الوقت الذي استمرت فيه اتصالات رايس - المعلم بحسب التقارير لمدة 10 دقائق فقط، فإن نائبها الإقليمي الرئيسي، نائب وزيرة الخارجية لشئون الشرق الأدنى ديفيد ويلش التقى مع المسئول السوري في جلسة أطول يوم الإثنين بحسب صحيفة «الوول ستريت غورنال»، الأمر الذي يقترح أن المحادثات تبشّر بجمود محتمل بين وشنطن ودمشق.
«أعتبر هذا تقدما جيدا في الموقف الأميركي»، صرح المعلم لـ «الوول ستريت غورنال» بإشارة إلى اجتماعه مع رايس. «كان الجو إيجابيّا وقد قررنا الاستمرار في الحوار». على رغم ذلك عبر بعض المراقبين عن تشاؤمهم من أن اللقاء يشكل تحولا رئيسيّا في استعداد واشنطن إشراك دمشق بجدية في الشهور الأربعة المقبلة تقريبا قبل مغادرة بوش البيت الأبيض.
«من الواضح أن الوقت قد حان لإعادة التذكير بسياسة سورية، وأنا أعتقد أن رايس وغيرها في الإدارة يحاول رعايتها قدما، يقول الخبير في الشئون السورية بجامعة أوكلاهوما، جوشوا لانديس الذي ينشر مدونة واسعة الانتشار. لا شك أن رايس منفتحة حيال الموضوع، ووزارة الدفاع بكاملها حاولت ركل الموضوع منذ فترة بعيدة. إلا أنها لا تستطيع تمرير الأمر عبر البيت الأبيض».
وكما هو الأمر مع إيران وكوريا الجنوبية، يعتبر الخلاف بين صقور الإدارة والواقعيين فيها حول سورية أمرا شائعا. ففي الوقت الذي ناقش فيه وزير الخارجية السابق كولن باول لصالح المشاركة في حوار مع دمشق قبل غزو مارس/ آذار 2003 الأميركي للعراق وبعده، فضل الصقور، بقيادة تشيني ودونالد رامسفيلد زعيم البنتاغون وقتها، سياسة «تغيير النظام» ضد حكومة الرئيس بشار الأسد.
إلا أن استقالة رامسفيلد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 وباستبداله بروبرت غيتس الأكثر واقعية، ناهيك عن التداعي المذهل في موقف واشنطن الإقليمي الناتج عن نتائج الحرب، وإخراج فتح من قبل حماس التي تدعمها سورية، من غزة والعنف العقائدي العنصري المتنامي والمتصاعد في العراق، أدت جميعها إلى تحويل ميزان القوى داخل الإدارة.
قامت رايس على رغم معارضات شديدة من قبل المحافظين الجدد وغيرهم من الصقور، بدعوة سورية إلى المشاركة في قمة أنا بوليس في نوفمبر الماضي، والتي أطلقت الاستئناف الرسمي للمحادثات المباشرة بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية.
بعد ذلك الاجتماع بفترة قصيرة بدأت تركيا التوسط في محادثات سلام غير مباشرة بين دمشق وحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، تركزت بحسب التقارير على عودة مرتفعات الجولان المحتلة من قبل «إسرائيل» مقابل موافقة سورية على تطبيع العلاقات وقطع علاقاتها بحزب الله وحماس وإيران.
وفي الوقت الذي حققت فيه هذه المحادثات تقدما ملموسا بحسب جميع الروايات تقريبا، إلا أنه جرى تعليقها منذ بداية سبتمبر/ أيلول بانتظار تشكيل أو انتخاب حكومة إسرائيلية جديدة. ويقوم أولمرت الذي استقال مؤخرا كرئيس حزب كاديما بسبب فضيحة فساد بإدارة الحكومة بشكل مؤقت انتقالي.
إضافة إلى ذلك، تصر دمشق منذ مدة طويلة على أنه يمكن التوصل إلى معاهدة سلام نهائية إذا وافقت واشنطن وبقوة على الصفقة والروابط التي تم تطبيعها، وهو أمر لم يستبعده البيت الأبيض، على رغم الحث من طرف وزارة الخارجية والكثير من الدبلوماسيين الأميركيين، بمن فيهم الرئيس السابق للجنة الشئون الإسرائيلية الأميركية السابق.
إذا كانت اجتماعات الأسبوع الماضي تقترح أن ميزان القوى داخل الإدارة قد تحول، يجب أن يتضح خلال الأسابيع المقبلة، وخصوصا إذا أرسلت واشنطن سفيرا أو مسئولا رفيع المستوى إلى دمشق، كما حثت عليه سورية منذ مدة طويلة.
بحسب رأي لانديس فإن رئيس الأركان الأميركي في العراق الجنرال ديفيد بتريوس ضغط على البيت الأبيض في ديسمبر/ كانون الأول الماضي لأن يذهب هناك بنفسه، ولكن طلبه رفض. ويستطيع بتريوس الآن، وهو رئيس الأركان المركزية ومفضل لدى البيت الأبيض، أن يكرر تجديد طلبه، الذي سينظر إليه على الأرجح، إذا تم قبوله على أنه إثبات على التحول الجاد.
«نتيجة لتداعي سياستها في لبنان وتحدي سياساتها بعزل سورية من قبل فرنسا وتركيا بل و»إسرائيل» نفسها، ليس من المنطق أبدا للبيت الأبيض أن يستمر في خنق السوريين»، يقول لانديس. «إنه في الواقع مجرد عناد خالص في هذه المرحلة».
* مدير مكتب واشنطن لخدمة إنتر برس، وكالة الأنباء العالمية، وهو معروف بتغطية السياسة الأميركية الخارجية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2232 - الأربعاء 15 أكتوبر 2008م الموافق 14 شوال 1429هـ