العدد 2232 - الأربعاء 15 أكتوبر 2008م الموافق 14 شوال 1429هـ

«حسن ومرقص»... معالجة رمزية لأكثر القضايا حساسية

كثيرة هي الآراء التي تم تداولها بين عموم النقاد السينمائيين بشأن العمل السينمائي الأخير الذي قام ببطولته الفنانان الكبيران عادل إمام وعمر الشريف والذي حمل عنوان «حسن ومرقص» الذي يعالج قضية العداوة الدينية بين المسيحيين والمسلمين، إذ رجح العديدون كفة كون الفيلم سطحيا وساذجا في أسلوب طرحه المعتمد على المصادفات التي ارتكز عليها سيناريو الفيلم، أما من جهتي فأعتقد أن إثارة مثل هذه القضية في الطرح هو في حد ذاته إنجاز متقدم وعظيم من حيث حساسية هذه القضية على الشارع.

الفيلم الذي قام بإخراجه رامي إمام هو نص للمؤلف يوسف معاطي، الذي ينزع كما ذكرنا إلى طرح قضية التسامح الديني من خلال سيناريو محترف في إخفاء ظواهر النوايا ضمن رمزية الحوار، التي دعمتها الرؤية الإخراجية عبر تحديد آليات أداء الممثلين ضمن المشاهد المكتوبة، وذلك لكي تتضح الصورة بما التقطته عدسة معتمة.

يبدأ الفيلم بمشاهد روحانية، تصور بطلي الفيلم عادل إمام «القسيس بولص» وهو يؤدي صلواتٍ داخل الكنيسة مع ابنه محمد إمام (جرجس)، لتنتقل المشاهد إلى ذلك الجامع، حيث يؤم عمر الشريف «الشيخ محمود» جموع المصلين في سكينة ورهبة، وفق المخرج من خلالها أن يبرز تساوي الروحانية ونمط العبادة لدى الديانتين.

بذلك، عرف الفيلم نفسه مبكرا، إذ مع تواصل المشاهد التالية، يكتشف المشاهد أن الأقدار جعلت من الشخصيتين الرئيسيتين في الفيلم هما مثالي التسامح والاعتدال في الديانتين، إذ يشارك «بولص» في مؤتمر سنوي، حدد له الكتاب التسلسل الواحد والخمسين للتسامح والتآخي الديني، يشارك فيه المسيح والمسلمون لتعزيز الوحدة بينهم، فيما كان لـ «بولص» حضوره البارز في هذا المؤتمر وتوجهاته الواضحة وغير المبطنة لتحقيق الإخاء بين الجماعتين.

في كوميديا الفيلم خلال هذا المشهد، وبينما كانت الجموع تتوافد على قاعة المؤتمر، كان شيخان مسلمان ينبس كل منهما للآخر أن الوحدة غير ممكنة مع هؤلاء المسيح، وذلك لأنهم غير متساوين بهم، وذلك لسيطرتهم على الاقتصاد والتجارة، فيما كان هناك راهبان مسيحيان يتنابسان أيضا بشأن استحالة التآخي لأن التمييز بين الديانتين يصل إلى حد عدم توزير أو تنصيب مسئول حكومي من ديانتهم، وأن الحصول على خدمات الصيانة للكنائس يستغرق شهورا، لترى هؤلاء الأربعة يجلسون معا في قاعة المؤتمر وهم الأكثر حماسا في الهتاف بشعار «يحيا الهلال مع الصليب»، أي ما يوحي أن من يطبل على أوتار الوحدة هم في قرارة أنفسهم من المنافقين ومكني الحقد للديانة الأخرى.

«بولص» ولتسامحه وتوجهه نحو الوحدة والإخاء، يتعرض لمحاولة اغتيال من متطرفي مذهبه عبر تفجير السيارة التي يركبها، فينجوا، أما المصادفات فتعرض الشيخ «محمود» لمواجهة جماعة من المتطرفين الدينيين المسلمين خلال عزاء أخيه الشيخ «أسامة» الذي كان يرأس تلك الجماعة، والذي أوصى بعد مماته بانتقال إمارة الجماعة إلى أخيه، فيرفض الشيخ «محمود» ذلك بحجة أن ذلك لا يعجبه، فيؤدي ذلك بجماعة المتطرفين إلى حرق محله ومحاولة إثارة الرعب في نفسه وأسرته، ومن هنا، يقود الفيلم الاثنين إلى تدخل الحكومة لإخفاء كلى الشخصيتين المعروفتين فيما عبر عنه الكاتب حكم البابا «في دين الآخر» لتبدأ مرحلة جديدة من الأحداث.

بولص في الصعيد

يخفي رجال المخابرات القس بولص وعائلته لدى عائلة مسلمة في الصعيد، فيحمل عادل إمام اسم «الشيخ حسن العطار»، والذي يتفاجأ أن هذا الاسم هو لشخصية إسلامية بارزة في الصعيد، لم تدركه الحكومة حينما قامت بتغيير هويته، وهو ما قاد الجموع للاصطفاف حوله بحب كونه ذلك الشيخ الذي حل بقريتهم وبيده مفاتيح البركة.

هذا المشهد، وفي معادلة المخرج والكاتب كان الجانب المضحك في شريط الفيلم، إذ إن «الشيخ حسن» الذي هو في الأصل قسيس مسيحي يطلب منه أن يجيب أسئلة الناس في المسجد، فيما ابنه «عماد» الذي هو في الأصل «جرجس» المسيحي يعيش حالة رعب ونفور من المسلمين الذين يتوقع منهم أن يقتلوهم لو اكتشفوا حقيقة ديانتهم، فيطرق الفيلم خلال هذه المرحلة بعض السطحية في رؤية الناس لشيخ الدين، الذي يطلب منه المعالجة وفك السحر.

يسخر الفيلم في هذه المرحلة أيضا من النظام السياسي في البلد، إذ يأتي مرشح لانتخابات مجلس الشعب يطلب من «الشيخ حسن» حجابا يجعله يفوز في الانتخابات، وذلك خوفا من منافسه ذي الشعبية الشديدة، فيسأله «حسن» عن الحزب الذي ينتمي إليه، ليجيبه بعد أن ذكر أنه من الحزب الوطني الحاكم أنه لا يحتاج حجابا ولا شيء، فهو فائز لا محال.

«حسن» وبعد أن يذيع صيته في المنطقة، تقبض عليه المخابرات لتشابه اسمه مع شيخ صعيدي مشهور، وينتمي لجماعة إرهابية، ويكون خلاصه من هذا الموقف عبر التعريف بهويته الحقيقية، إلا أن موقفا مثل هذا أثار الجماهير التي تعلقت بشخصية الشيخ «حسن» فصاروا على باب مركز الأمن يتجمعون بالمئات، وبذلك يقرر الخروج من تلك القرية بهدوء، والسكن لدى صديق له في المدينة، وهو لا يزال متخفيا تحت اسم الشيخ حسن بعد أن قام بحلاقة ذقنه.

حسن ومرقص

يخطو حسن خطواته في ذلك المبنى الذي يملكه صاحبه المسيحي، وهو يحذره من مغبة إفشاء كونه مسيحيا، ليتصادف مع دخوله للشقة بـ «مرقص» الذي ما هو إلا شخصية مختلقة لإخفاء الشيخ «محمود» من أعين مريدي قتله في صورة شخص مسيحي، فيتفاءل كلاهما بأن جاره من ديانته، إذ يتوهم «مرقص» أن من أمامه هو الشيخ «حسن العطار» الشهير بكراماته وحسن سيرته، فيما يتوهم «حسن» أن مرقص هو مسيحي طيب وكريم الخلق في تعامله معه، فتبدأ بذلك أواصر صداقة خجلة بين الاثنين.

تتعزز هذه الصداقة بالشراكة التي تقوم بينهما حينما يفتحان محلا مشتركا لبيع الخبز، فيما تكمن الأقدار لابنيهما أن يرتبطا بعلاقة حب، يشعر معها الاثنان بالاطمئنان لأن كليهما من دين الآخر ويخفي ذلك في دين مخالف، فتقوم القيامة حينما يقوم أحد أبناء المنطقة المتعصبين للديانة المسيحية بتصويرهما معا، ويثور عراك بين المسلمين والمسيح بسبب ذلك، إذ تقرر كلى العائلتين بسرية مغادرة المنطقة، لتقود المصادفة كليهما للخروج في آن واحد، ويستقلون سيارة واحدة، والاستقرار في بيت واحد.

تحين اللحظة التي يصرح فيها «عماد» - في الاسم المستعار لمحمد إمام في شخصية الإبن المسيحي- بذلك لـ «مريم» - في الاسم المستعار للفنانة شرين عادل البنت المسلمة - إنه مسيحي مثلها، لتصدمه بأنها مسلمة واسمها «فاطمة»، وذلك يكون مفترق العلاقة الإنسانية الجميلة التي دأب الفيلم على تصويرها بين مسلم ومسيحي متخفيين في دين غير دينيهما، فتنقطع العلاقة، وتنكفئ كل أسرة على ذاتها بعد أن تعود العداوة للظهور بعد أن تبث الزوجات في شرعية هذا البقاء مع من هم من دين آخر.

الدراما الرمزية التي تجلت في أروع صورها خلال المشاهد الأخيرة صورت خطيب كنيسة، وخطيب مسلم وهما يملآن ويعبئان الجماهير حقدا في الآخر، فيثور كلى الجمعين على الآخر، ويلتحمون في مشهد قتال عنيف، كان معه «الشيخ محمود» خارجا من المنزل لتوفير وسيلة نقل تبعدهما عن العيش مع تلك العائلة المسيحية بعد أن أقفل على زوجته وابنته الباب بالمفتاح، فيرمي أحد المتعاركين زجاجة حارقة داخل المنزل الذي يسكنه الجميع ويحرقه، فتخرج زوجة «بولص» التي تؤدي دورها الفنانة لبلبة وهي بملابس النوم الخفيفة، فيهب الشيخ «محمود» لسترها بمعطفه عن أعين الناس، فيما يخرج «بولص» ومعه ابنة الشيخ وزوجته بعد أن حررهما من الحريق الذي شب في المنزل الواحد الذي يسكنه الجميع.

العدد 2232 - الأربعاء 15 أكتوبر 2008م الموافق 14 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً