العدد 2232 - الأربعاء 15 أكتوبر 2008م الموافق 14 شوال 1429هـ

لابدّ من أنْ نقول للآخر تاريخنا و تراثنا

من المتوقع صدورُ الطبعة الإنجليزية لكتاب «مدينة المنامة خلال خمسة قرون» للفنان البحريني عبد الكريم العريّض قريبـا،بعد ترجمته من قبل ابنة الفنان لونا العريّض في حلّة منقحة و (مزيدة)؛ لذلك حرصنا على مقابلة مترجمة الكتاب و الإطلاع على نسخة من المخطوط، و حرصنا، أيضا، على السعي نحو ديناميكية قرائية و حوارية فاعلة من شأنها اقتراح فكرة عامّة عن الكتاب و عن مترجمته كذلك.

كتاب «البحرين الثقافية» الصادرُ قبل نحو عامين من الآنَ عن قطاع الثقافة و التراث الوطني بوزارة الإعلام، المنشور لدى المؤسسة العربية للدراسات و النشر، السّارد لتاريخ المنامة و للبلاد القديم بصورة أقلّ وفق ذاكرة و بحث الفنان العريض، سيكون متاحا عمَّا قريب للآخر (القريب) و (البعيد) في اللغة الرسمية عالميّا. حدث هذا بعـد تصدّي ابنته لونا لترجمته خلال ستة أشهر من العمل الدؤوب، كما أخبرتنا، في ترجمة إبداعية.

هذا هو الحدث المهم، و لكن سؤالا ملحّا ينوي حوارا و اطلاعا عن ماهية و منهجية هذه الترجمة و في الصيغة التي سترفل بها الترجمة و أهميتها. من هنا فلا مناصَ من عمليْن متوازييْن ينحو الأوّل إلى الحوار، فيما الآخر يستنطق النسخة المخطوطة و يقارنها بالنسخة الأصل. و إذا كنّا قد وصّفنا الترجمة بأنها إبداعية فذلك؛ لأنَّ المترجمة (ماجستير في الاقتصاد من جامعة لندن 2003م، بكالوريوس مُحاسبة من جامعة البحرين) لم تكتفِ بالترجمة الحرفية للكتاب، و إنما راحتْ تضيفُ إليه وفق توجهها و منظورها الرؤيوي. فالكتاب في نسخته العربية يصطبغُ بحسِّ و ذاكرة فنان أحبَّ مدينته فكتبَ عنها و درسها، و رغـب في أنْ يكون عمله «بداية لأولئك الذين يستشرفون المستقبل»(1) و للباحثين في هذا المجال التاريخي.على أنَّ لونا العريّض صاحبة التوجّه الديني، كما يظهر من حوارهـا و إضافاتها إلى الكتاب، تضيفُ ما تراه ضروريّا من جهتها، تاريخيّا و دينيّا، و لهذا فإنَّ النسخة الإنجليزية تشتمل على مسح تاريخي لتاريخ البحرين و الإتيان على ذكر بعض من حكّامها و زوّارها،مثل: الفينيقيون، البابليون، قصة إسلام أهل البحرين، الخوارج، القرامطة،...إلخ. وذلك في التمهيد.

ثم في الفصل الأوّل نجدُ إضافة كاملة لا توجد في الكتاب العربي الأصل، حيث أضافت المترجمة فصلا كاملا يتعلّق بالأديان بالترتيب الآتي:» أديان العرب قبل الإسلام، الأديان في المنامة، دخول البحرين في الإسلام، مقدّمة في الإسلام ( الشيعة: الاثنا عشرية، الإسماعيلية و الزيدية، و السنة: الحنفية، المالكية، الشافعية و الحنبلية، و الخوارج)، و اليهودية، و المسيحية، و الهندوسية، و البراهمة و البهائية. تساءلنا عن سبب هذه الإضافة فكان من لونا إجابتنا:» أعتقد أنّ هذا أمر مهم، ذلك لأنّه يعطي الآخر فكرة عن تصوّرنا الديني و كيف نفهم الأديان». و عن حساسية الأمر فيما يختص بموضوع اليهود و البهائية و المسيحية و الهندوسية تحدّثنا لونا مطمئنة بأنها عرضتْ ما كتبته فيما يتعلّق بكلّ طائفة، و تمضي في ذلك لتؤكّد:» عرضتُ ما يخصّ اليهود على صديقتي نانسي خضوري، و ما يتعلّق بالبهائية على الرسّامة نغمة محسني، و بشأن المسيحية فعلى أليس سمعان العراقية، وعلى قسٍّ مصري، أمّا الهنود فعلى شريحة لا بأس بها، و كلّهم قرأوا الفصول المتعلّقة بهم و أعجبوا بها». انتهى حديثُ لونا بشأن تعليلها لهذه الإضافة، و اطمئنانها إلى أنّ ما ذكرته لن يثير استنكارا أو ضجة، لكن حديثها يتواصلُ عن إضافاتها إلى الكتاب فتحدّثنا بأنها أضافت ما يأتي: النذور، مسجد الصبور، مسجد أم البنين، السحر و الشعوذة، الموروثات الاجتماعية و العادات و التقاليد بصورة أكبر، نهضة البترول، قصة الطيران في البحرين، القضاء و كيفية تأسيسه، بعض العوائل التي تم تداركها فيما بعدُ، بيت القرآن، المآتم و خصوصا مآتم النساء، مراسم عاشوراء.

و هذه الإضافات يرجع بعضها إلى تدارك ربما من الفنان نفسه فيما البقية، ولاسيما في الطابع الديني العام، ينتسب إلى لونا؛ لأنها ما فتئت طيلة الحديث تؤكّد أهمية الدين، و أهمية تعرّف الآخر إلى المعتقدات الدينية، و كان هذا منفذا لحوار جانبي عن عدم اطلاع كافٍ و جهل ربما من قبل شريحة كبيرة من الناس بحقيقة المعتقدات، و بالتلقين المقنن الموجَّه من قبل رجال الدين حول معتقدات (الآخر). من هنا بوسعنا تدشين مساءلة نقد ثقافي توجِّـهه لونا عبر إضافتها، كما تريد، و كذلك فإننا نستشفُّ نقدا توجِّهه المترجمة عبر التعريف المختزل الذي يبدو للوهلة الأولى في غير مكانه، و بأنه مجرد إضافة زائدة عن خطاب الكتاب الرئيس.

إذا كان ذلك على هذه الشاكلة من التوجيه الأيديولوجي و الفكري للمترجمة لدى ترجمتها للكتاب، فإنّ الأمر هنا يستدعي سؤالا آخر عن فكرة الترجمة بالأساس؛ و لذا فقد سألناها السؤال الآتي:

« بعيدا عن كونكِ ابنة الفنان عبد الكريم العريّض ما هو رأيكِ في الكتاب؟ بصيغة أخرى: كيف ترينَ الكتابَ الذي تتصدّينَ لترجمته من حيث موقعكِ مترجمة الآن؟»

أجابتنا: «الكتاب جيّد، و هو نقطة بداية لما لم يكتبْ عنه أو ما كتبَ ببساطة، و هو مكتوب برؤية فنان يُعلي من الشأن الإنساني و التاريخي لمدينته، و حسّ الفنان حاضر مثل بلجريف الذي كان رسّاما أيضا.

أمّا عن كوني مترجمة فأنا أجدُ الكتاب مؤهلا لترجمته؛ لأنه مهم من جهة حكاية تاريخـا لا نراه اليوم ولاسيما بعد تغير شبه جذري في البحرين، و هو أيضا مصدر من المصادر الغنية التي تفيد الباحث و القارئ، و لكنني عند ترجمته وددتُ إضافة فصل كامل عن الأديان و عن بعض المساجد و الفعاليات الدينية، لأقول للناس، للقريبين والبعيدين، بأنّ هذه هي المنامة و هذه هي البحرين في كونها حضنا للتعايش بين الأديان على أساس الاحترام و الإنسانية،

و لتعريف الجميع بالمعتقدات الدينية، و إني أجد أهمية متزايدة لهذا الموضوع.امتلاك اللغة الإنجليزية فرصة لتعريف الآخر بنا و كذلك هي فرصة؛ لأنْ نقول للآخرين بأننا نحن». صدقتْ لونا، فالكتاب من دون الفصل المضاف؛ أي في نسخته العربية الأصلية يقول خارج نصه، و حتى بمجرد تصفح صوره و لوحاته، يقول إنّ البحرين منذ البدء كانت مثالا للتعايش و احترام الأديان، وما المنامة، و هي عاصمتها، إلاّ التمثيل الأبرز لخصوصية بلد صغير المساحة واسع الصدر.

أما إذا قرَّبنا المجهر من حديثها بشأن امتلاك اللغة الإنجليزية من طرفها أو بالأحرى تمكنها منها، فإنّ ذلك قادنا إلى سؤالها الذي أعددناه سلفا و أصبحَ الآن ضروريّا:» الترجمة شرفة نفتحها للآخر؛ ليطلَّ منها علينا.أليس كذلك؟

و لكنها في الوقت ذاته رهان على صيرورة المحلي إلى الخارجي أو العالمي، إنْ صح التعبير، فما رهانكِ و رأيكِ في هذا الصدد؟»

تجيب بالموافقة على الشق الأوّل و تمعن في إجابة الشق الآخر من السؤال:

« نحن، للأسف، لا نعرف قيمة ما لدينا، و لذلك فنحن نعيش في قوقعة. لابدّ من أن نقول للآخر تاريخنا و تراثنا، و لأننا اليوم في عصر القرية الإلكترونية الواحدة فالترجمة ضرورية بقصد التواصل، و بقصد التعريف و التوثيق لما كنا و ما نزال عليه.رأيي يستند إلى هذه الرؤية فالترجمة قامت عندي على محبة في البدء، و لكنها أصبحت مشروعـا مهمّا إنْ نظرنا بعمق في المسألة».

الكتاب و إنْ حقق لدى ترجمته مبدئيّا، شرفة تواصل مع هذا (الآخر) بتعريفه و تعميمه،إلاّ أنّ عليه التريّث و التخفف من حماسة المترجمة لصالح معرفة تفاعل هذا (الآخر) فعليّا مع الكتاب، و مع هذا المحلي التاريخي المنظور له من وجهة نظر ذاكرة فنية أساسا.على أنّ هذا لا يحول دون القول إن خطوة كبيرة تم خطوها تحسب لصالح النتاج المحلي البحريني عامة الذي هو بأمسّ الحاجة إلى فعل الترجمة القليل حتى لا نقول(النادر).

و لأننا استشعرنا من حماسة المترجمة و حديثها عن الترجمة و همومها، و لأنّ بواكير الأعمال تطرح السؤال عن الآتي مشروعا و ممارسة، قمنا بسؤال المترجمة عن خطوتها القادمة، و عمّا إذا كانت النية موجودة لترجمة بعض من هذا المحلي الذي لدينا باتجاه العالمي؛ لنقول ما لدينا بحسب رؤيتها،أجابتنا:

« نعم، و لكن الأمر صعب لأنّ لغتي العربية لاتزال بحاجة إلى التطوير، و لكن النية موجودة.قرأتُ كتاب نادر كاظم «استعمالات الذاكرة» و اجتهدتُ في قراءته و فهم لغته و المصطلحات و فهمه، و ربما يكون الوجهة القادمة لترجمته».

بالعودة إلى المخطوط المترجم الذي وقعَ فيما وقع فيه الكتاب الأصل من حيث منهجية التوثيق، فهو لمْ يعنَ بمنهجية البحث لدى التوثيق، و ما كان مجرّد ملحوظات توضيحية بسيطة، أو إشارات إلى المصدر أحيانا قليلة من غير الإتيان بالتوثيق الصحيح، فلا شيء، إنْ وجد، سوى ذكر اسم الكتاب و اسم المؤلّف. و هذه نقطة نقدية نخالها كبيرة و ينبغي التنبه لها لتلافيها، و ربما يكون للمترجمة عذر في أنها تترجم الكتاب، و لكن كان الأحرى بالفنان المؤلّف عبد الكريم العريض الحرص على مصداقية التوثيق؛ لئلا يكون العمل عامّا و مختلطا.

صواب أن نقول إنّ الكتاب مادة خام لمشاريع و أبحاث منتظرة، و هذا ما يؤكّده المؤلف و المترجمة، و صواب أكثر القول إنّ الصورة البانورامية التي يعرضها الكتاب بلغة بصرية فضلا عن اللغة المكتوبة تختزل الكثير من عصارات البحوث الأكاديمية لا من جهة منهجيتها، و إنما من جهة ما تمنحه هذه البانورامية من دلالة عميقة على ذاكرة مكان و شعب. نتأكد من هذا لأن صور الأماكن و صور اللوحات تؤرّخ و تنطق بما يدفع بنا دوما نحو هذا الاتجاه. اللغة في الطبعتين العربية و الإنجليزية بسيطة، إلاّ أنّ الأولى ظفرت بأبيات من شعر أبي البحر الخطي، فيما الأخرى لم تفلح في ذلك، لأنّ المترجمة أخبرتنا بأنها واجهت صعوبة كبيرة في ترجمة الشعر، و هنا توقفنا عند مسألة كبيرة مطروحة منذ القدم، و هي مسألة ترجمة الشعر، إلاّ أن لونا آثرت إغفال الأبيات الشعرية على أهميتها و دلالتها لعدم تمكنها بعدُ من ترجمتها.

وما دام الحديث ههنا قد تطرّق إلى الصعوبة، فلا مناص من القول إنّ الكتاب لايزال يبحث عن دار نشر (جيّدة) تؤمِّـن النشر الجيّد للكتاب وفق أهميته و وفق المادة التي يحويها، ولا سيما في الكمّ الهائل من الصور التي تستلزم، طبعا، تكلفة عالية. غير أن هذا لا يبدو مهمّـا عند المترجمة و عند الفنان المؤلّف ذاته من قبلها، كما تؤكّد، و لكن المهم حقا هو أن يظهر الكتاب بمظهره اللائق، و بالتصميم الأنيق الذي صممته شقيقة المترجمة التي توجّه إليها والدها بالشكر في النسخة العربية، نعني: نهارين.

على هذا فإن الكتاب المنتظر صدوره بعد الانتهاء من عملية ترجمته سيظل منتظرا الفرصة الملائمة لحضوره، و سيكون فاتحة جيدة لمترجمة طموحة، و ربما لمشروع قادم عبر الترجمة.و حتى صدور الكتاب وددنا في ختام حوارنا مع لونا أن تؤثث النهاية بكلمة أخيرة فقالت:» إنها فرصة جيدة، و الأمل في ترجمة أعمال قادمة قائم.إحساس العالم واحد، أنا مؤمنة بهذا، و لذلك فبالإمكان الإفادة من بعضنا البعض. أتمنى أنْ يقرأه البحرينيون والعرب أيضا لأنه مفيد و باق ويحكي موروثاتنا و تاريخنا».

العدد 2232 - الأربعاء 15 أكتوبر 2008م الموافق 14 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً