المعادلة الكيماوية الوزارية اللبنانية التي توقع رئيس مجلس النواب نبيه بري أن تخرج سالمة من المختبر قبل نهاية شهر يوليو/ تموز الجاري تحتاج إلى مزيد من الوقت لطبخها وإخراجها إلى مائدة الفطور.
المعادلة تبدو صعبة وتحتاج إلى خبراء في علوم الكيمياء والفيزياء حتى تستقر على قاعدة تمزج بين 14 و8 آذار وموقع الرئاسة اللبنانية الذي استرد دوره بعد غياب قسري في عهد أميل لحود الثاني. فالمعادلة الوزارية رقمية هندسية (رياضيات) من جانب وكيماوية (مزيج من مراكز القوى) من جانب آخر. وبسبب هذه التركيبة العجيبة التي تشبه الكوكتيل (الفسيفساء) اللبناني الطوائفي - المذهبي تأخر إعلان الحكومة نظرا للمتغيرات التي هبت على المنطقة بعد الانتهاء من الانتخابات وفوز فريق 14 آذار بغالبية نسبية في الكثير من الدوائر.
التأخير يعود إلى عاملين داخلي وخارجي. فالأول ينتظر الانتهاء من التركيبة الكيماوية (توزيع الحقائب) والمزيج الذي ستخرج به التشكيلية الوزارية. والثاني ينتظر تلك التحولات التي يمكن أن تطرأ على التوازن الإقليمي في حال واصل «تيار المحافظين الجدد» في طهران صعوده السياسي - العسكري وفرض هيمنته على مفاصل السلطة الإيرانية.
العامل الإقليمي مهم للغاية لأن ساحة بلاد الأرز التي انكشفت بعد عدوان صيف 2006 لا تزال مفتوحة على احتمالات تتأرجح بين السلم البارد والحرب الساخنة. والتأرجح يضع لبنان في كفة ميزان غير مستقر يرتفع تارة إلى درجة الانفجار ويتراجع طورا إلى درجة انعدام الحياة. وفي الحالين تبدو الصورة غامضة إقليميا وهذا ما يمكن ملاحظته من فوضى التحالفات السياسية المحلية التي بدأت تشهد حركة من الاتصالات تخلط أوراق 14 آذار بأوراق 8 آذار وتعيد ترتيبها وفق ائتلافات حزبية ومناطقية وطائفية لا تنسجم كثيرا مع المشاهد (المظاهرات، الاحتجاجات، الاعتصامات) التي ارتسمت في الساحات خلال السنوات الخمس الماضية. وليد جنبلاط مثلا بدأ يتحرك خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الوراء وأحيانا واحدة باتجاه اليمين وأخرى باتجاه اليسار في محاولة منه للبحث عن مخرج يتناسب مع تصوراته الإقليمية المستحدثة وذكرياته «العروبية» و«الاشتراكية». سليمان فرنجية أيضا بدأ يتحرك من الشمال هبوطا إلى الجبل للتلاقي مع زعامة ال الجميل الأساسية في منطقة المتن التي تحركت بدورها صعودا إلى الشمال لإعادة توحيد «الصوت المسيحي» ردا على محاولات جنبلاط - بري إعادة توحيد «الصوت المسلم».
حتى الآن لم تستقر التحركات اللبنانية المحلية على صورة واضحة ويرجح أن تأخذ فترة زمنية لتأتي ألوانها منسجمة مع خريطة التجاذبات الإقليمية في المنطقة التي تنتظر بدورها استقرار المتغيرات الدولية في ظل إدارة أميركية تطمح إلى توليد حلول للأزمات في أقصى سرعة ومن دون أخطاء وخسائر.
العامل الإقليمي يلعب دوره في تأخير إعلان التشكيلة الوزارية اللبنانية ولكنه ليس السبب الوحيد في تجميد إخراج المعادلة الكيماوية - الرياضية من المختبر. فهناك مجموعة عناصر تساهم في تعطيل عملية المزج منها محاولة كل فريق تحقيق القدر المناسب من الكسب حتى لا تأتي الصيغة غير متوافقة مع التقديرات النسبية والطموحات الخاصة.
بسبب هذه النتؤات تبدو المعادلة الرقمية للوزارة المتوقع إعلانها غائمة سواء على مستوى التركيبة أو على مستوى الصيغة. فالمزج التركيبي بين 14 و8 آذار يحتاج إلى إعادة نظر بسبب ذاك الاختلاط الذي أخذ يظهر في التحالفات السياسية والائتلافات الحزبية (الطائفية - المذهبية). والصيغة المراد تجميعها من مختلف الحقائب بدأت تتعرض لمعادلات رقمية هندسية تحتاج إلى خبراء لتفكيك شيفراتها ورموزها. هناك معادلة 10 - 10 - 10، ومعادلة 16 - 10 - 4، ومعادلة 15 - 10 - 5 وغيرها من تنويعات تعتمد على مفردات ومصطلحات تحتاج إلى قاموس لغوي للتعريف بها.
إضافة إلى ذلك دخلت على معادلة «الثلث المعطل» و«الثلث الضامن» و«الثلث المرجح» و«الثلث الناقص» و«الثلث الزائد» أسماء علم من نوع «الوزير الملك» و«الوزير الوديعة» و«الوزير العادل». والأمر يعني في نهاية المطاف حق رئيس الجمهورية في اختيار وزير مقبول من الطرفين 14 و8 آذار. والوزير «الملك» هذا يكون من حصة الرئيس يؤخذ من 8 آذار (الثلث ناقص واحد) ولا يعطى لفريق 14 آذار حتى لا تختل معادلة المزج الكيماوي بين الطوائف والمناطق والمذاهب.
تأخير إعلان تشكيلة الحكومة اللبنانية له أسبابه المحلية وظروفه الإقليمية المعطوفة على تحولات دولية. وهذا التأخير الذي يتوقع أن ينتهي بمعادلة تضمن حصص الطوائف من دون حذف أو تعديل يرجح في النهاية ألا يشمل كل القوى نتيجة حركة التبدلات في المواقع واحتمال تموضع قوى من فريق 8 آذار في مناطق محايدة أو متاخمة لفريق 14 آذار مقابل تموضع قوى من فريق 14 آذار على خطوط تماس تساكن فريق 8 آذار.
الاختلاط هذا في حال تواصل وامتزج يرجح أن تشكل ألوانه «لوحة زيتية» تختلف جزئيا ونسبيا في صورتها عن تلك المشاهد التي تعاقبت على المسرح اللبناني في السنوات الخمس الماضية. واختلاط الأوراق السياسية بين «حلفاء» و«أعداء» أمس يعتبر في اللعبة اللبنانية أهم في تأثيراته البنيوية من تشكيل الوزارة لأنه يعكس تلك الصورة الإقليمية التي يعاد تركيبها أو ترتيبها في المنطقة العربية والمحيط الجواري وامتداداته المحلية المذهبية والطوائفية.
ساحة بلاد الأرز تنتظر ولادة التشكيلة الوزارية قبل نهاية الشهر الجاري أو مطلع الشهر المقبل. ومهما كانت صورة الوليد وتكوينه الكيماوي وتركيبته الهندسية الرقمية فإنها لن تختلف كثيرا في معادلتها عن النتائج التي أفرزها المشهد النيابي الانتخابي. فهذه الصورة مهمة ولكنها لا تعني شيئا أمام تلك الاتصالات والتحركات والتحولات والتموضعات الميدانية التي بدأت ترتسم في معادلات التوازن بين 14 و8 آذار. فما يحصل على صعيد التحالفات والائتلافات السياسية والحزبية هو الأهم لأنه يعطي فكرة عن صيغة مركبة من طوائف ومذاهب ومناطق ليست بعيدة كثيرا عن تكوينات القوى الإقليمية وتأثيراتها على الكيان اللبناني وموقعه في إطار معادلة جديدة يعاد ترتيبها في المحيط الجغرافي برعاية مظلة دولية.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2519 - الخميس 30 يوليو 2009م الموافق 08 شعبان 1430هـ