العدد 2519 - الخميس 30 يوليو 2009م الموافق 08 شعبان 1430هـ

وزارة «الفقراء» في المرفأ «المالي»!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

واحد من استفزازات وزارة التنمية الاجتماعية، واستفزازاتها كثيرة، هو انتقالها إلى المرفأ المالي!

استفزاز للفقراء الذين يعانون من مشكلات في فقرات العنق وهم يحاولون النظر بعيدا إلى ناطحات سحاب، فيما هم في صميم «الوأد» وهم أحياء!

لا أريد استفزاز الفقراء من جهتي، بذكر رقم الايجار السنوي لمقر وزارة «الفقراء» المؤقت، فيما الرقم كفيل، وخلال أربع سنوات، ببناء مقر «معتبر»، ولنمعن في أنانيتنا وانحيازنا للفقراء. الايجار السنوي كفيل بدعم المبالغ الهزيلة جدا، تلك التي تدفع كصدقات للمعدمين، وفي تخريجة حديثة تم إطلاق صفة «ذوي الدخل المحدود» عليهم. أي دخل؟ هل هناك دخل أساسا؟

وزارة «الفقراء»، بعد أن استقر بها المقام في المرفأ المالي، وفي تضامن مع «ذوي الدخل المحدود» أو «المعدمين»، اهتدت إلى فكرة تجفيف المنابع التي منها يتم غوثهم، بعيدا عن روتين الوزارة، وأحيانا إهاناتها! قررت الحجز على صدقات الناس من خلال صناديق التبرع في المحلات التجارية. هل وصلنا إلى درجة أن المعدمين أصبحوا عبئا على الحياة، فصار لزاما أن نصادر حق الناس في التكافل والتعاطف معهم؟

يبدو أننا وصلنا إلى رؤية غاية في السوداوية مؤدَّاها: على الدولة - أي دولة - إذا شعرت أن معدميها وفقراءها عالة، وإهانة لها أن تشحنهم في بواخر وتلقي بهم في عرض البحر!

***

مثلما أنه لا يمكن لأي مطرب أن يكون «محترما» باستسلامه والتواطؤ مع بدعة «الجمهور عاوز كده»، لا يمكن لأي سياسي أن يكون «محترما» باستسلامه والتواطؤ مع تلك البدعة!

خطورة الأثر باستسلام السياسي لـ «الشارع/ الجمهور - عاوز كده»، أكثر من أثر استسلام المطرب لتلك اللازمة «السخيفة» أساسا!

***

عن أي جمهور نتحدث؟ ما هي طبيعة الوعي الذي يسيِّر ذلك الجمهور؟ هل هو جمهور احتفالي بالحياة أم ناقم عليها؟

عربيا، لا يوجد جمهور، ضمن شرائحه الكبرى محتفل بالحياة. على العكس، هو ناقم عليها. ناقم عليها لاعتبارات الإرث والتكوين السياسي المزمن، والذي لايزال قائما. مثل ذلك الجمهور لا يصنع سياسيين بقدر ما يصنع منفذي برامج أو تجَّار برامج. والذين يريدون التعاطي مع السياسة بصدق و«حرفنة» وسط جمهور بهذه النوعية، لن يستطيعوا تحقيق شيء يذكر، سوى الخروج على ذلك الجمهور، ليجدوا أنفسهم ضمن «الخونة»!

****

في فترات الانحطاط السياسي، يتراجع كل شيء. الاقتصاد، الآداب، المعارف، وحتى الأخلاق. بمعنى آخر، تدخل الحياة في مرحلة غيبوبة شبه كاملة. أية حقنة عملاقة تلك التي باستطاعتها أن تعيد الحياة إلى وعيها؟

سؤال يبدو كارثيا أمام استفحال تلك الغيبوبة من جهة، والإمعان في تكريسها من جهة أخرى!

***

أظل مصرَّا على المراهنة على الأصوات الشعرية الشبابية الملفتة والعميقة في المشهد الإبداعي البحريني، على رغم ما صرَّح به كبيرنا قاسم حداد، أخيرا لإحدى الصحف العربية. أظل مصرَّا وبقناعة تامة على قوة وجاذبية: حسين فخر، مهدي سلمان، سوسن دهنيم، علي الجلاوي، أحمد رضي وآخرين.

***

أمين صالح في إصداره الأخير «عالم ثيو أنجيلوبولوس السينمائي... براءة التحديقة الأولى»، يشتغل ويبحث عن أولئك الذين لا جماهيرية لهم، لكنهم في الصميم من تناول قضايا وموضوعات في العمق من الفكر والفلسفة. أمين صالح واحد من أجمل الذين نصحو على رؤيتهم ورؤاهم!

كتاب رشيد يحياوي «السارد شاعرا»، قراءة عميقة لأعمال أمين صالح.

قراءة تضعنا في مهب حرج كبير، في ضياعنا وتفريطنا في الوقت نفسه في هذه القارة متعددة الدهشة. من المحرج أن يلتقط كاتب في القصي من المكان، تجربة نتنفس خروجها على العادي والمألوف، فيما نركن إلى التسبيح باسم تفاهات وأوثان تكاد تسد عين الأفق!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 2519 - الخميس 30 يوليو 2009م الموافق 08 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً