معلوم أن دستور الإمارات وقوانين التعليم والعمل فيها لا تميز بين الرجال والنساء، بل إن القوانين قد خصت الإماراتيات بالعديد من المزايا، وهي -أي القوانين- قد جاءت في بعض جوانبها استجابة لتنفيذ التزامات الدولة بالاتفاقيات العربية والدولية المعنية بالاهتمام بالمرأة، هذا جانب. الجانب الآخر، لا ريب في أن هناك تباينات تتعلق بتكوين الأنظمة السياسية لدول المنطقة ودساتيرها وآلياتها السائدة وطبيعة حراكها السياسي عما هو قائم في دولة الإمارات، فضلا عن طبيعة تكوين المؤسسات الأهلية التي تنشط الإماراتيات في أطرها، حيث يقوم الاتحاد النسائي العام الذي تترأسه «قرينة رئيس الدولة» مثلا بتمثيل الإماراتيات وجمعياتهن النسائية على مستوى الدَّاخل والخارج، فضلا عن تنفيذ إستراتيجية الدَّولة للنهوض بهن وتمكينهن. فهل لكل ذلك تأثير مغاير على واقع الإماراتيات مقارنة بأقرانهن في المجتمعات الخليجية الأخرى؟
تشير التقارير إلى أن الإماراتيات يشغلن ما نسبته (30 في المئة) من الوظائف العليا ذات الارتباط بالقرارات الاتحادية في الدولة، يضاف إليها الكثير من المناصب في السلك الدبلوماسي والقضائي (انظر الملف الوطني عن أوضاع المرأة الإماراتية في موقع الأمم المتحدة)، وهناك أربع (4) وزيرات عينَّ من بين (22 وزيرا) وبما يعادل (16 في المئة) من نسبة السلطة التنفيذية (راجع صحيفة «الاتحاد»، عدد 11915، 18 فبراير/ شباط 2008)، كما عينت (9 نساء) دفعة واحدة في المجلس الاتحادي الوطني مباشرة بعد ظهور نتائج الانتخابات في العام 2006 وفوز واحدة فقط من بين (65 مترشحة) ممن ترشحن من الإمارات السبع، إذ قدرت نسبة وجودهن في السلطة التشريعية بـ (22.5 في المئة) من إجمالي الأعضاء، (راجع تقرير عن الانتخابات في موقع المجلس الوطني الاتحادي، 10 مايو/ أيار 2007»، كما عينت أول قاضية في مطلع 2008، ومؤخرا في 20 سبتمبر/ أيلول 2008 سميت سفيرتان إماراتيتان. وعليه نضيف سؤالا آخر لما سبق: هل يمكن الجزم بأن هذا الوضع يؤشر إلى تحقق المساواة المدنية والحقوقية للإماراتيات؟!
التمكين ليس مطلبا مجتمعيّا ملحّا
للإجابة على كل ذلك، لا بد من إعادة قراءة ما أفاد به الباحث الإماراتي عبدالخالق عبدالله في مقال له بعنوان: «على أعتاب العصر الذهبي للمرأة في الإمارات، الخليج 7 أكتوبر / تشرين الأول 2008»، إذ قال: «إن تعيين أول قاضية ليس قرارا إداريّا محضا، إنما هو قرار اجتماعي من الوزن الثقيل الذي يتحدى المسلمات والقناعات التقليدية المتوارثة عن المرأة ومكانتها وحضورها في الحياة العامة»، مضيفا أن «التعيينات الأخيرة ليست ديكورية ولأغراض التجميل والتجمل والدعاية، إنما تؤكد أن المجتمع الإماراتي تغيَّر في الجوهر وليس في المظهر، وأن الإنسان الإماراتي سريع التكيف والمجتمع سريع التعولم والتحول».
إلا إنه استدرك نظرته الإيجابية حتى كاد أن يناقضها حين ذكر: أن «تعيين المرأة في السلطة القضائية أو وجودها بكثافة في السلطتين التشريعية والتنفيذية لم يكن في الأصل مطلبا مجتمعيّا ملحّا»، وسأل عما إذا حققت الإماراتية كل غاياتها وحصلت على حقوقها؟ وهل هذه المكتسبات جاءت نتيجة نضالات المرأة وحيوية الحركة النسائية، أم هي مجرد منحة وفقاعة ستختفي بحسب تعبيره فجأة كما برزت فجأة؟.
وعلى رغم ما يراه من أن هذا العصر يمثل عصرا ذهبيّا للإماراتيات على مستوى التمكين السياسي، بيدَ أنه ليس كذلك على مستوى التمكين الاجتماعي، فخوض المعركة الحقيقية من وجهة نظره لايزال صعبا وطويلا على الرجل والمرأة، وخصوصا أن الأعراف والتقاليد والقيم وأطنان القيود الحديد والحريرية تكبل النساء وتحيلهن إلى كيانات من الدرجة الثانية.
تمكين في أضيق الحدود
وإذ نتفق معه في مجمل الخلاصة التي توصل إليها، إلا أنه في الواقع لم يلامس إحدى الإشكاليات الفاقعة في مقاربته التي تكاد تشترك فيها غالبية مجتمعات الخليج حتى لا يقتصر القول على المجتمع الإماراتي فقط، وهي الإشكالية التي لخصتها بوضوح الإماراتية «مريم لوتاه» في سياق دراسة لها بعنوان: «المرأة والمشاركة السياسية في دولة الإمارات العربية المتحدة، صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (اليونيفم)، 2007» إذ نوهت إلى أن «دائرة صنع القرار في دولة الإمارات تعد دائرة ضيقة محصورة في النخبة الحاكمة، وهي مفتوحة في أضيق الحدود أمام شرائح مجتمعية بعينها يمكن أن تؤثر بدرجة أو أخرى في عملية صنع القرار، كما أنها خاضعة لدوائر النخبة الحاكمة وكبار القبائل وإلى تأثير فئة التجار ورجال الأعمال ومثلهم المثقفون والمتعلمون بما يتوافرون عليه من قدرات وفرص للظهور الإعلامي وما يطرحونه من تصورات وإلى تأثير رجال الدين»، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن «المواطن الإماراتي، رجلا كان أم امرأة لايزال بعيدا عن ممارسة دوره الفعلي في صنع القرار مادام لا ينتمي إلى الدوائر الرسمية ومحيطها».
إلى هنا ثمة أمر مهم لا يمكن التغاضي عنه إضافة إلى ما سبق، ألا وهو غياب الأحزاب والتجمعات السياسية ومؤسسات المجتمع الأهلي الفاعلة، ولاسيما إن أدركنا فرضية أنها تشكل البيئة الحاضنة لأي نمط من أنماط أنشطة المجال العام، وما قد يساعد النساء على الحضور في الجو العام ومراكمة الخبرات وتطوير المهارات في إطار النشاط السياسي.
لقد لاحظ المراقبون للعملية الانتخابية الإماراتية التي جرت في 2006، أن غالبية شعارات المترشحات وبرامجهن تركزت على الأبعاد الاجتماعية والخدماتية فقط، وافتقدت أية صلة لها بالقضايا السياسية أو الحقوقية، حتى في حدها الأدنى بمطالبة الدولة بتوقيع اتفاقية التمييز ضد المرأة (السيداو) وغيرها من الاتفاقيات الدولية، ما يجعل من شعار التمكين السياسي والعملية الانتخابية برأي البعض عملية شكلية ليس إلا!
في نهاية الأمر، لا يبدو أن ما تحقق للإماراتيات من تقدم على مستويات التعليم والعمل أو حتى ما قامت به الدولة من مبادرات بزيادة نسب النساء في مراكز صنع القرار، وآخرها تعيين سفيرتين لدولتين أجنبيتين، لا تبدو عناصر كافية لتحقيق تمكين سياسي حقيقي فاعل للنساء، كما أنها لا تعبر عن مؤشرات نوعية لتحقق المساواة المدنية والحقوقية التي تؤهلهن للعب دور فاعل ومشارك في تقرير مصير المجتمع الإماراتي، وخصوصا أن هذه التعيينات محدودة ومقتصرة على فئات منتقاة وشرائح ضئيلة تخدم أطر النِّظام السياسي وتستند إلى منظومة علاقات القرابة والأواصر القبلية والولاءات، والأهم من هذا وذاك أنها جاءت بتدخل من «فوق» ولم تولد من رحم المجتمع والحاجات الملحة لأفراده، وبناء عليه فإن تحقق مكانة متميزة للنساء في مجتمعاتنا سيبقى رهن آليات خاصة تنبع من المجتمع ذاته ومن قناعاته بتعدد أدوار المرأة في الشأن العام، بل ومن قبل النساء أنفسهن باتجاه تجاوز التقليدي والسائد.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 2231 - الثلثاء 14 أكتوبر 2008م الموافق 13 شوال 1429هـ