العدد 2230 - الإثنين 13 أكتوبر 2008م الموافق 12 شوال 1429هـ

إسكان النويدرات ومحاولة العبث في الذاكرة التاريخية

يوسف ربيع comments [at] alwasatnews.com

.

استفزني التساؤل الذي طرحه النائب البرلماني بكتلة الوفاق عبد علي محمد حسن حول المصدر التاريخي والجغرافي لإطلاق تسمية (هورة سند) على المشروع الإسكاني بالنويدرات محل نزاع بين نواب الدائرة الخامسة ونواب الدائرة الثامنة بالمحافظة الوسطى.

وأود أن أنبه الى أن أية إجابة على تساؤل النائب الكريم يجب عليها أن تبتعد عن أتون السياسة ومتطلبات الحسبة الانتخابية.

سؤال النائب يمثل في حد ذاته معرفة لأنه يختص بمعرفة البعد التاريخي والجغرافي لهذا المسمى الجديد (هورة سند) كما يطرح إشكالية مهمة تتعلق بالدواعي وراء تغيير هوية المناطق والأحياء وصلة ذلك بالأمانة في تسجيل تاريخ هذا البلد.

وحتى لا تكون تسمية (هورة سند) الذي أطلقه نواب الدائرة الثامنة بالمحافظة الوسطى على المشروع الإسكاني بالنويدرات معرفة ناجزة ونهائية وجدت أنه من المناسب الرجوع إلى المصادر التي تناولت هذا التاريخ بشيء من الدقة والموضوعية إضافة إلى عدد من الشواهد الحية التي يمكن أن تضيف معرفة في هذا الاتجاه سواء ما يتعلق بالموقع الجغرافي أو بالذاكرة الجماعية لهذه المنطقة.

وقد دلني البحث الرجوع إلى كتاب «دليل الخليج» لمؤلفه الإنجليزي لوريمر والذي يعتبر من أضخم المؤلفات وأهمها عن تاريخ المنطقة وجغرافيتها وما صاحبها من أحداث سياسية وقد كتبه صاحبه في العام 1908 وقام الديوان الأميري بدولة قطر بإعادة ترجمة هذا الكتاب الذي يتكون من 14 جزءا، الأجزاء السبعة الأولى تؤلف القسم التاريخي والأجزاء السبعة الأخرى للقسم الجغرافي.

ربما من المناسب أيضا أن نذكر أن المنطقة المتنازع عليها لها تسميتها التاريخية (بربورة) وقد عدها المتابعون العاصمة الزراعية لأهالي النويدرات وقد ارتبطت طفولتنا بهذا الاسم واعتبرت مكونا من المكونات الثقافية لنا في تلك الفترة.

منطقة (بربورة) أو ما يحلو لنواب الثامنة اليوم تسميتها بـ(هورة سند) تقع في الشمال الغربي لقرية النويدرات وهي أشبه بحزام أخضر لكثرة الحقول والبساتين والعيون ويمكن وصفها بأنها أرض منخفضة وقد شهدت حراكا من أهالي النويدرات في الزراعة وتربية الماشية والحيوانات.

كتاب دليل الخليج في تعريفه لجزيرة البحرين في الجزء الأول من القسم الجغرافي يقدم رصدا مهما للمدن والقرى والأماكن الزراعية أو المأهولة في هذه الجزيرة.

وقد اشار إلى منطقة (بربورة) وقال إن بها 20 مسكنا صغيرا من الحجر للبحارنة الذين يعملون بالزراعة وبها ينبوع في شمال القرية تروى منه المزروعات وعدد الحمير 15 والماشية 2 والنخيل 1760 نخلة تقريبا كما قدم تعريفا لقرية النويدرات وقال إنها تقع على بعد ميلين شمال شرقي قلعة العجاج ومنازلها 60 كوخا من البوص للبحارنة الذين يعملون بالزراعة وصيد اللؤلؤ وصناعة الحصر وبها 12 حمارا وماشيتين وعدد النخيل 1430 نخلة كما أورد في جداوله تعريفا لقرى سند والعكر والمعامير ولم يشر الكتاب إلى مسمى هورة سند حتى في تعريفه لقرية سند.

يمكن الاستعانة أيضا ببعض الشواهد الحية التي تثبت تبعية هذه المنطقة لقرية النويدرات ويتضح ذلك في أن الأراضي المتبقية مازالت تؤول ملكيتها لعوائل معروفة بالنويدرات كآل إسماعيل وآل العجوز كما أن أرض المشروع الإسكاني محل النزاع تم استملاك جزء منها من عوائل تسكن النويدرات مثل عائلة جمعة بن مهدي وعائلة آل إسماعيل.

يمكن الإشارة أيضا إلى أن منطقة (بربورة) بها مساجد ومزارات وعيون معروفة لدى أهالي النويدرات مثل «عين العودة» إضافة إلى أن المشروع الإسكاني يقع على جزء من أرض تدعى (النصيرية) كما تقع بجانب المشروع مقبرة النويدرات وكانت تفصل سند عن (بربورة) غابة من النخيل على مقربة من منخفض يسمى «بديعة الشيخ حسن» يقدرها صاحب كتاب «دليل الخليج» 525 نخلة.

الإشكالية المهمة في إثارة التسمية الجديدة هي محاولة العبث بالذاكرة الجماعية للمناطق والأحياء، فليس من السهل أن يأتي شخص أو جماعة حتى لو كان نائبا ويتلاعب بتاريخ منطقة من المناطق لأن الأمر يتصل أساسا بذاكرة جماعية تتعلق بتاريخ الآباء والأجداد منذ مئات السنين فالقضية أبعد من كونها مشروعا إسكانيا وإذا كان توزيع الدوائر الانتخابية قد قسّم النويدرات إلى قسمين وصيّر (بربورة) إلى الدائرة الثامنة في الرفاع فهذا لا يُعد مسوغا لتزييف تاريخ المنطقة والعبث به وطمس هويتها الأصلية ما يمكن الانتهاء إليه أن المسميات السابقة تختزن في ذاتها مكونات تاريخية لا يمكن القفز عليها لدواعٍ انتخابية، فهذا حق للناس، وأعتقد أن رجالات الرفاع الشرقي الكبار يعرفون هذه المسميات ويدركون وجودها التاريخي لأنهم تعاملوا معها ومع أصحابها من الأهالي.

في السياق ذاته يمكن الإشارة إلى أن تسمية (الهورات) تم توليده حديثا وقد تم إطلاقه على العديد من الأماكن ومنها هورة عالي وهورة بوري وأتصور اننا بحاجة إلى جهد تاريخي آخر لإثبات المسميات الأصلية لهذه المناطق.

من المهم أيضا أن نشير إلى أن أي محاولة لتغيير مسمى منطقة من المناطق يستدعي بحثا تاريخيا ويتطلب توافقا بين أهالي هذه المناطق دون الإضرار بثقافة الناس وذاكرتهم التاريخية التي تتصل اتصالا مباشرا بذاكرة الوطن، ونعتقد أن أشد الناس حرصا على هذا الجانب هم النواب لكونهم ممثلين عن الشعب.

يبقى أن ننبه إلى أن توجيهات جلالة الملك قد فاقت أفق بعض النواب حين أكد على الحفاظ على هوية المناطق والاهتمام بالنسيج الاجتماعي للقرى والمناطق، وقد أرسى بذلك أعرافا مهمة تمخض عنها مشاريع تطوير امتدادات القرى التي أسهمت في إبراز الأبعاد التاريخية والجغرافية للمناطق والأحياء. وفتحت آفاقا جديدة للتطوير العمراني.

نشير ختاما إلى أن الدعوات التي تلبس لبوسات سياسية أو فئوية يمكن أن تتسبب في تجزئة الوطن. من هنا ينبغي العمل على صيانة الوحدة الوطنية والمحافظة عليها لأنها أغلى من الأصوات الانتخابية التي لا تتجاوز حدود مداها الدائرة الضيفة.

إقرأ أيضا لـ "يوسف ربيع"

العدد 2230 - الإثنين 13 أكتوبر 2008م الموافق 12 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً