العدد 2230 - الإثنين 13 أكتوبر 2008م الموافق 12 شوال 1429هـ

لا تعرف عملية مساعدة المحتاجين حدودا

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

انضممت في شهر رمضان الماضي إلى مجموعة من المتطوعين من كنيسة بيرك المنهجية المتحدة قرب منزلي في مقاطعة فيرفاكس، وهي إحدى ضواحي مدينة واشنطن العاصمة، لتوفير وجبة إفطار ساخنة لبعض من لا مأوى لهم في المقاطعة.

لم أكن مستعدا لما سأراه.

شعرت بالحزن والخوف.

شعرت بالحزن لأنني أعيش في واحدة من أغنى مقاطعات الولايات المتحدة الأميركية، وفي الوقت نفسه يوجد في مقاطعة فيرفاكس، بحسب مؤسسة خدمات الطوارئ المسيحية والانتقالية لمنطقة فيرفاكس، 1800 شخص هم «من دون مأوى» عمليّا، في مقاطعتنا التي يسكنها مليون نسمة. أربعون في المائة من هؤلاء من الراشدين «لديهم وظيفة كاملة أو بدوام جزئي».

وشعرت بالخوف لأن أي إنسان يمكن أن يفقد بيته، بمن فيهم أنا شخصيا.

ظننت في البداية أننا سنذهب إلى ملاجئ ومواقف السيارات في المتاجر أو مساكن جماعية، حيث يتوقع المرء أن يجد تجمعات لمن لا مأوى لهم. ذهبنا في الواقع إلى فنادق محترمة نسبيّا، بل وحتى تجمع جميل من البيوت المبنية حديثا.

كان من المريح معرفة أن مقاطعة فيرفاكس تقوم بجهد مصمم لمساعدة من لا مأوى لهم. علمت أن لدى قيام المقاطعة بتحديد أن شخصا ما لا مأوى له، تقوم المقاطعة ببذل الجهود في أي مكان ممكن، ولهذا السبب ذهبنا إلى فنادق بدلا من ملاجئ. تعمل مقاطعة فيرفاكس بعد ذلك مع مجموعات كنسية لإطعام هؤلاء الناس على أسس مستمرة، حتى يتمكنوا من الوقوف على أرجلهم.

في الساعة السادسة والنصف من صباح ذلك اليوم، دخلنا أنا وابنتي الطالبة في المدرسة الثانوية التي تطوعت للعمل معي، إلى مطبخ الكنيسة الضخم وبدأنا عملية الطبخ، جنبا إلى جنب مع حوالي ثمانية أشخاص آخرين. كانت تلك واحدة من أكبر الوجبات التي شاركت في إعدادها. قمنا بلفّ الخبز الطري بورق القصدير، وكتبنا عليها «بيض، جبنة وسجق» أو «بيض وجبنة» أو بيض فقط». قمنا بعد ذلك بتصفيف صناديق من الحليب وعصير البرتقال وتعبئة أكياس الورق البنية بالحلويات والشوكولاتة والنعناع.

ملأنا سيارة مؤسسة الخدمات بالطعام ووزعنا أنفسنا في مجموعات بحيث يعطى كل مستفيد كيسا بلاستيكيّا مليئا بالطعام والحليب أو العصير وكيسا من الحلويات. استغربت من كون بعض الناس طيبي المعشر ودمثي الخلق وهم يختارون وجباتهم. حدثونا عن الطقس والانفجار الغريب الذي وقع في الحي الذي يسكنونه الليلة الماضية وآخر مباريات كرة القدم. كان يمكن أن يكونوا جيرانا لي يتجاذبون معي أطراف الحيدث على رصيف الشارع، بل إن بعضهم تحدثوا معنا عن كيف أصبحوا بلا مأوى. «لم أتمكن من تسديد إيجار مسكني، فقمت باستئجار مخزن لأثاث منزلي وجئت لأسكن هنا»، قال لنا رجل أبيض. وقالت امرأة مكسيكية بلغة إنجليزية مكسرة: «أجبرونا على الخروج، أجبرونا على مغادرة منزلنا».

كان حوالي نصف الذين قدمنا لهم المعونة ذلك الصباح من البيض. البعض كانوا من أصول إفريقية والعديد منهم من أصول مكسيكية ومن جنوب شرق آسيا ومن دول شرق أوسطية، يتكلمون الإسبانية والأردية والعربية وغيرها من اللغات التي لم أعرفها.

إلا أن من حطم قلبي هم الأسر والأطفال. كانت الأمهات، بالدرجة الأولى، يخرجن لطلب وجبات لأربعة أو خمسة أشخاص. واحدة منهن طلبت طعاما لسبعة أشخاص. بعض النساء من أميركا اللاتينية أحضرن معهن أطفالا يجيدون الإنجليزية، للمساعدة على ما يبدو في عملية الترجمة (هل قلت «بيض وسجق» أم بيض فقط؟). ساعدت نساء يقمن بأعمال التنظيف صباحا على الترجمة.

خرج رجل آخر يلبس القميص الذي يلبسه عادة الرجال في الباكستان وأفغانستان، ونظر إلينا ثم أغلق باب الدار. بعد أقل من دقيقة خرجت امرأة تلبس رداء مماثلا وبصحبتها طفل صغير، وطلبت من الطفل على ما يبدو أن يترجم لها. قالوا إنهم لا يريدون شيئا يحتوي على لحم الخنزير، فأعطيتهم خبزا مع البيض والجبنة، حسبما كان مكتوبا على الغلاف.

عندما قلت «السلام عليكم» ردت المرأة التحية ثم قالت شيئا، باللغة الأردية على الأرجح أو البشتونية، إلى الطفل الذي كرر «قالت إنها لم تتوقع من مسلم أن يكون جزءا من المجموعة المسيحية».

بعد هذا التفاعل، سأل أحد المتطوعين بطريقة غير مباشرة ما إذا كنت مسلما. بعد حديث قصير كأصدقاء، اتفقنا أن كون الإنسان من دون مأوى ومساعدته لمن لا مأوى لهم في الوقت نفسه أمر لا علاقة له بالحدود الدينية أو العرقية أو الوطنية.

*مراسل في واشنطن العاصمة لصحيفة «الشرق الأوسط» ومركزها لندن، وهي صحيفة يومية عالمية، وكذلك غيرها من المنشورات العربية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2230 - الإثنين 13 أكتوبر 2008م الموافق 12 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً