من المصادفات الحسنة أنْ تنشر المقابلة مع رئيس الأوقاف الجديد أمس، في العدد نفسه الذي كتبتُ فيه عن «الأوقاف في تشكيلتها الجديدة»، وهو تغييرٌ انتظرنا حدوثه منذ عدّة أعوام.
القراءة المُحايدة للمقابلة تقودُكَ إلى استنتاج واحد: إنّها جاءت خالية من النقاط والحروف. كنّا ننتظر أنْ نقرأ برنامج عمل، وخطّة طريق، وكلاما صريحا واضحا عن الإصلاح. ولكنك لن تجد شيئا من ذلك في حديث الرئيس الجديد للأسف الشديد، وهو كلامٌ أقوله بكلّ مسئوليةٍ وشعورٍ بالواجب تجاه هذه المؤسسة الدينية العريقة التي يُعوّل على إصلاحها وتنشيط دورها؛ لتقوم بالتزاماتها الاجتماعية الكبرى على أكمل وجه.
المؤسف أنّ الرئيس الجديد يقول إنّه «وبناء على كلّ مجريات الأمور التي تم نشرها عبر وسائل الإعلام، فإنّ الصورة العامّة المأخوذة عن الأوقاف لحد الآنَ غير واضحة بالنسبة لي»، رغم أنّها كانت قضية رأي عام أثارت الكثير من الجدل خلال الأعوام الأربعة الماضية، وكان خلال نصف هذه الفترة نائبا عن الشعب في مجلس النوّاب.
الرئيس الجديد، وليسمح لنا إنْ خالفناه في رأيه، يدّعي أنّ التعيين ضمن تعددية الأطياف في التشكيلة الجديدة، وهو أمرٌ غير صحيح على الإطلاق، وهو أعلم منّا بلعبة التوازنات والولاءات في السياسة المحلية، التي يدفع المجتمع والوطن ثمنها في كلّ مكان. وهي إشكالية بحرينية مزمنة، مازالت التيارات السياسية تطالب بتصحيحها بإلحاح دون أنْ تلقى أذُنا صاغية.
الرئيس الجديد في أوّل تصريح صحافي له، حين سُئِل عن موقفه من قرار وزير العدل بشأن تراخيص بناء المساجد والمآتم، اكتشفنا أنّه لا يملك رأيا في الموضوع، وإنّما سيكوّن رأيه بعد لقائه الوزير! علما بأنه قرارٌ رفضه مجلس الأوقاف السابق بالإجماع، وأثار احتجاجا واسعا لدى الرأي العام، واعتبره كثيرون - سياسيين وحقوقيين- تعدّيا على حرية ممارسة العبادة التي يضمنها الدستور، مما تفخر به البحرين كأحد مظاهر التسامح الحضاري في مجتمعها الوادع.
نرجو أنْ لا يعتبر الرئيس الجديد ذلك تصيّدا عليه في أسبوعه الأوّل في الأوقاف الجعفرية، فنحن نتابع هذا الملف منذ سنوات، وسنبقى نتابعه أملا بتحقيق الإصلاح المنشود، مقدّرينَ أيّ جهد مُخلِص من أيٍّ كان، للنهوض بالأوقاف من مأزقها، والسعي للوصول إلى حلول لمشاكلها. وفي مقدّمة هذه الملفات المعلّقة الأراضي غير المسجّلة، التي تحتاج إلى قرار سياسي. وهو أمرٌ يتطلب من المجلس الجديد أنْ يسعى بكلّ جَهْدٍ لطرحه على القيادة السياسية العليا، فمثل هذا الملف لا ينتظر المماطلة والتأجيل؛لأنّ فيه حقوقا شرعية وأوقافا معطّلة منذ عقود.
إجرائيا، كثيرا ما كانت تُثار قضايا استنفاع بعض الإداريين من الأوقاف، والمجلس الجديد بيده أنْ يضع عرفا جديدا يمنع هذه الآفة، منعا للفساد الإداري والمالي، واستغلال المنصب، والخطوة الأولى التأكّد من عدم «تورّط» أيّ عضو في قضايا المناقصات والمعاملات المالية بأيّ شكل من الأشكال، حتى لو كان من الباطن. والأمر يسري أيضا على الأوقاف السنية من ناحية المبدأ، ويمنعنا عن الاسترسال عدم توافر المعلومات عن «الغرفة» الأخرى من الأوقاف، فالوطن واحد وقضاياه مُتشابهة إلى حد كبير.
الحمل ثقيل ومهمّة إصلاح الأوقاف صعبة، وعلى أعضاء المجلس الجديد أنْ يبدأوا بالخطوات الأولى، فإنهم موقوفون ومسئولون غدا وبعد غدٍ. نسأل الله لهم التوفيق، ونظافة اليد، ونزاهة القصد... وحسن المثوبة.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2229 - الأحد 12 أكتوبر 2008م الموافق 11 شوال 1429هـ