أذكر أنني عندما كنت طفلا كنت كغيري تستهويني وترعبني قصص وأفلام وأحاديث الجان والعفاريت والمسوخ والأشباح والشياطين وعتاة اللصوص والمجرمين والقراصنة والممسوسين سواء أكانت تلك المستقاة من الموروث الحكائي الشعبي مثل «أم الخضر والليف» أو «أبو دريا» أو «أبو خيشة» أو «أم حمار» وغيرها، أو حتى من خلال الاطلاع على روايات الرعب الكلاسيكي التقليدية لبرام ستوكر أو لويس ستيفنسون وادغار ألان بو، أو تلك الروايات المجلية بامتياز للوحشية والشيطانية الكامنة في كوابت الشخصية البشرية كما هي أعمال الروائي الأميركي المرموق ستيفن كينغ، ناهيك من كوني كغيري من المجايلين قد قدر لنا أن نولد في زمن التألق والفوران الإبداعي الأميركي في عالم سينما الرعب والخيال العلمي والإثارة، وحتى الوقت الراهن لا أعلم ما هو سر تلك اللذة الغريبة التي تنتابنا نحو ما هو غريب ومرعب وغامض وغير اعتيادي؟!
ولكن بما أنني قد بلغت سن الرشد، وقدر لي أن اعتنق الهم السياسي والاجتماعي، وأن أصيب بحمى صحافية مزمنة، فأشهد أنني لا زلت مأسورا ومهجوسا ومشغوفا بمنظومة لذة الرعب الشيطاني والخيالي الساحر تلك، ولكنني وإن كانت مثل تلك الرموز السالفة الذكر لا تعني لي شيئا أكثر من ذكريات وخيالات طفولية ثرية وخصبة ومغرية أسفي عليها وعلى هذه الطفولة التي كانت متاحة فقط للأطفال كما هي المقولة الشهيرة للأديب الايرلندي الراحل جورج برنارد شو، فما هو أكثر ما يخيفني في هذه المرحلة؟!
وهل لا زلت خائفا في «عالم مسطح» وفي عالم مائج بالانفتاح والشفافية والحوار بشتى عذاباته؟!
لأعترف بصراحة أن أشد ما يخيفني حاليا هو ذلك الشخص أو قل الظاهرة الصحافية الرائجة في مشهدنا الصحافي المحلي، وهي المكناة والملثمة وربما المختبئة تارة خلف اسم ومعنى وحائط وكنية «محرر الشئون المحلية» أو «محرر الشئون السياسية» ويجوز «محرر الشئون الاستراتيجية»، فهذا الشخص أو الفريق أو الحزب والجماعة أو العصابة التي يستطيب لها أن تستخدم ذلك الاسم الحرفي والمهني بامتياز في أكثر من مؤسسة إعلامية وفي سياقات متعددة لطالما عرفها واستشف منها كثير من القراء الأعزاء في حالات كثيرة عناوين وموضوعات و «ثيمات» صحافية مثيرة ومبلبلة ومشوشة لأي رزانة ونضج واستقرار ذهني وعاطفي، وارتبطت في أحايين عديدة بأغراض غير حميدة البتة ومنها كأنما هو الملثم أو المختطف مكلف بأن يلقي عن عواهنه ما يستهدف السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي والوحدة الوطنية وغيرها من مصطلحات وأشياء بحرينية لم نعد نعرفها منذ سنين بامتياز، فهو قد يكون مخربا همجيا (Vandals) للميدان والمشهد العام أو في كثير من الأحيان مشعلا للحرائق (Fire starter)!
فيخالجني ويخالج غيري أحاسيس شكوكية شائكة حالما أبصر «محرر الشئون المحلية» أو «محرر الشئون السياسية» ويجوز «محرر الشئون الاستراتيجية» وذلك من دون ان يذكر اسمه الخاص بعد كلمة «كتب»، فهي قد تبدو لي ولغيري نتاج تجربة «المؤامرة» أو «ما بعد المؤامرة» المستمرة أكثر ما تكون كمسميات وهويات مستأجرة يقطنها أصحاب مشروعات منظمة مدفوعة الأجر والأجل تستهدف تعزيز واستثمار التشطير الطائفي والإثني للمجتمع، وقذف بالونات اختبار انفجارية، وخلق قضايا وملفات وهمية مضللة تتوالد وتتناسل لمرامٍ وقتية، أو ربما يكون أصحاب تلك الهويات الاحترافية «محرر الشئون المحلية» أو «محرر الشئون السياسية» ويجوز «محرر الشئون الاستراتيجية» هم الممثلون الشرعيون الحقيقيون لمشروع آخر وأجندة مدلهمة تطبخ على نار هادئة، فيكون أشبه بحوار الذات مع ذاتها أو حوار أمام المرآة أو في «بانيو الدوش» بعيدا عن الشعارات والخطوط الطنانة العامة التي قد تتفاخر بها كل صحيفة ومؤسسة إعلامية في أعلى الصفحة الأولى وفي المحافل العامة!
فهل «محرر الشئون المحلية» أو «محرر الشئون السياسية» ويجوز «محرر الشئون الاستراتيجية» الملثم بلثام الحرفية والمهنية والموضوعية هو شخص شرير وحانق وناقم ينفس عن ضغائنه وعقده العصابية بجحيم الحبر، وينشر الشائعات ضد خصومه وأعدائه، ويتفاخر بأنه «متطرف» و «حاقد» وهو يستعرض لهيب الانتقاد والسباب والشتائم عبر بريده الإلكتروني أو في المنتديات؟!
هل هو بالضرورة طائفي حرون يحاصر الوزارات ومؤسسات الدولة المهيمن عليها بأفراد وجماعات وفئات من الطائفة الأخرى ويمطرها بوابل من النقودات المصفاة حبرا وورقا ومستندا والمبطنة غلا وحقدا؟!
هل لديه مخططات وأجندة تعيقه عن كشف لثامه الهادئ الذي لا يمكن أن ينسجم مع عناوينه الحامية تلك؟!
وماذا عن تلك التقارير والقراءات والتحليلات المثيرة للجدل والتي قد يبدعها «محرر الشئون المحلية» أو «محرر الشئون السياسية» ويجوز «محرر الشئون الاستراتيجية» هل هي صنو العمل التعاوني والجماعي المؤسسي أم حصاد العصابات والشبكات واللوبيات في عصر تستقوي فيه الشبكة والشركة على المجتمع والدولة؟!
ولكن أليس قمينا بنا أن نأخذ بقوة الآية الكريمة «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم» (الحجرات: 12) فلربما يكون «محرر الشئون المحلية» أو «محرر الشئون السياسية» ويجوز «محرر الشئون الاستراتيجية» هو نموذج لإنسان لطيف وهادئ وخائف يعكس واقع الصحافة البائس ووضعيتها التشريعية الكافكاوية (نسبة إلى الروائي التشيكي فرانز كافكا) وواقع غياب قانون أو تشريع ملزم بحماية «قارعي الأجراس» أو هو «محطم للتابوهات»؟!
فقد يختلف «محرر الشئون المحلية» أو «محرر الشئون السياسية» ويجوز «محرر الشئون الاستراتيجية» عن انعكاساتهم ونظائرهم وأقرانهم باختلاف النوايا والله أعلم، فمنهم الجناة ومنهم الضحايا ومنهم المتكتمون والمتكومون
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 2227 - الجمعة 10 أكتوبر 2008م الموافق 09 شوال 1429هـ