جاء في الأثر أن سبب طرد إبليس من رحمة الله ولعنه إلى يوم الدين كان التكبر والحسد الذي أبداه تجاه أبونا آدم (عليه السلام)، فعندما أمره الله عز وجل بالسجود لأبي البشرية رفض ورد بأنه مخلوق من نار بينما آدم خلق من طين. وهكذا سيظل التكبر والاستعلاء مجافيا للمقاصد والأهداف. وفي هذا السياق لوحظ خلال المناظرة التي أجريت صباح أمس بين المرشحين للرئاسة الأميركية الديمقراطي والجمهوري باراك أوباما وجون ماكين أن هذا الأخير كان محتدا في حين بدا الأول بارد الأعصاب. وكان واضحا الازدراء والتكبر الذي يتعامل به المرشح الجمهوري مع منافسه الديمقراطي إذ استخدم عبارة ذاك الشخص للإشارة إلى أوباما، وهي ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها ماكين ضمير الغائب وحتى الضمير المستتر لمنافسه وهو حاضر بين يديه فقد أكثر من هذه الإيماءات في المناظرة الأولى الشهر الماضي.
لقد استخدمت حملة ماكين كثيرا من الأساليب والعبارات العنصرية في سعيها للتقليل من شأن المرشح ذي الأصول الإفريقية. فقد أطلقت دعاية أن صورة أوباما لا تشبه الرؤساء السابقين المطبوعة على العملة (الدولار) وذهبوا إلى أبعد من ذلك حينما اتهموا المرشح الأسود بالارتباط بالإرهاب «أي التشدد الإسلامي» فنشروا صورة له وهو يكرم من قبل زعيم قبلي إفريقي وقد وضع الأخير العمامة على رأس أوباما ولف بها خصره، فقال أنصار ماكين إن غريمهم اعتنق الإسلام في الماضي.
لقد حاول ماكين وجماعته صرف أنظار الأميركيين عن التحديات الحقيقية التي تواجها أميركا والعالم الذي يدور في فلكها ألا وهي الطامة المالية الكونية التي كان سببها ضعف سياسة الجمهوريين تجاه ضمانات الائتمان. ولذلك كان أوباما واضحا ومنطقيا في رده أثناء المناظرة حينما قال إن سنوات إدارة بوش الثماني العجاف شهدت زيادة كبيرة جدا في الإنفاق والدين القومي وهي الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة منذ الكساد العظيم في الثلاثينيات. ورأى سناتور ألينوي أن العاملين من الطبقة المتوسطة وليس فقط المؤسسات المالية بحاجة إلى خطة إنقاذ أيضا تشمل على الأقل تخفيضات ضريبية. وأضاف «يجب على الحكومة الأميركية أن تضمن ألا يستفيد كبار مديري المؤسسات المالية من مكافآت سخية من الشركات المتعثرة».
وفي نهاية المناظرة أظهرت استطلاعات الرأي أن سياسة أوباما الاقتصادية تزيد حظوظه للفوز بالرئاسة الأميركية. فقد أصبح 64 في المئة من مشاهدي المناظرة لديهم صورة إيجابية عن أوباما فيما لم تتغير صورة ماكين قبل وبعد المناظرة وظلت 51 في المئة.
وهكذا سيذهب الزبد جفاء وأما ما ينفع الناس سيمكث في الأرض. فإذا كان ماكين يزدري أوباما ويعتز ربما بلونه فإنه مجرد محارب قديم شارك في إبادة فيتنام بينما منافسه أكاديمي ومحامٍ محنك يعرف من أين تؤكل الكتف وهو مقبول تقريبا في خارج أميركا أيضا. وقديما قال الشاعر:
إن الفتى من يقول هاأنذا وليس الفتى من يقول كان أبي
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 2225 - الأربعاء 08 أكتوبر 2008م الموافق 07 شوال 1429هـ