العدد 2225 - الأربعاء 08 أكتوبر 2008م الموافق 07 شوال 1429هـ

أوباما بين ماكين... وبايدن

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

المناظرة الثانية قبل الأخيرة التي حصلت بين المترشحين الديمقراطي باراك أوباما والجمهوري جون ماكين أمس الأول كشفت الكثير من الاختلافات بشأن القضايا الداخلية وأظهرت علنا بعض التوجهات المتصلة بالسياسة الأميركية الخارجية وخصوصا في الملفين العراقي والأفغاني وما بعدهما.

الاختلافات على الداخل الأميركي تبدو كبيرة من حيث رؤية الهيكل العام للاقتصاد وتراتب قطاعاته المنتجة ومسألة الضريبة والسيولة النقدية والحقول التي يجب أن تتوجه نحوها الاستثمارات. أوباما يركز على الخدمات (الصحية والاجتماعية والتربوية) التي ترعى حاجات الطبقات الوسطى وأصحاب الدخل المحدود. ولكن هذه الخدمات تحتاج إلى سيولة لتغطية نفقاتها وهذا لا يتوافر للخزينة في حال استمرت سياسة خفض الضرائب على مؤسسات التصنيع الحربي وشركات الطاقة (النفط) وأصحاب الدخل المرتفع. حتى تستطيع تلك القطاعات (الصناعات الحربية والكيماوية) تأمين الوفر المالي للخزينة لابد لها أن تستمر في توسيع أنشطتها وهذا لا يتم من دون ضمانه سياسية ترعاها إدارة البيت الأبيض. والضمانة مشروطة بمدى استعداد واشنطن على مواصلة ذاك النهج الذي اتبعه جورج بوش طوال عهده الرئاسي.

هناك مشكلة تواجه أوباما في حال قرر تغيير سلوك سلفه لأنه سيضطر إلى تعديل الهيكل الاقتصادي للدولة ما يؤدي إلى تصادم بينه وبين «اللوبيات» التي تحتكر سلطة المال وتطالب بتأمين مصالحها حتى تستمر في توفير النقد لتغطية حاجات السوق الداخلية.

ماكين ليس بعيدا عن المشكلة، فهو بدوره يواجه أزمة إقناع الناخب الأميركي بأن السياسة التي اتبعها بوش مكلفة ولكنها في المقابل توفر للخزينة ما هو مطلوب من سيولة لتغطية النفقات التي تصرف على القطاعات المدنية (الصحية والتربوية والضمانات الاجتماعية وغيرها). ومشكلة ماكين أنه لا يستطيع المغامرة برصيده الانتخابي لأن الجمهور الأميركي بات على قناعة بأن سياسة بوش خاسرة في كل المجالات سواء على مستوى «مكافحة الإرهاب» أو على مستوى السيطرة على التضخم وارتفاع الأسعار وتراجع المداخيل وتقلص السيولة النقدية. وبسبب موقع ماكين الصعب بات المترشح الجمهوري في مكان يضغط عليه انتخابيا من جانب وسياسيا من جانب. فمن جهة الجمهور لا يستطيع إلا أن يؤكد اعتراضه على سياسة بوش وتداعياتها السلبية على سمعة أميركا الدولية وأزمة أسواقها المالية. ومن جهة السياسة يحاول ماكين تمييز منهجه عن بوش من دون أن يقدم الدليل القاطع الذي يقنع الشارع بأن فترته لن تكون متطابقة مع سلفه. ومشكلة ماكين أنه جمهوري وينتمي إلى حزب بوش وهذا ما يرفع من درجات الضغط النفسي على الناخب (دافع الضرائب) ما يجعله يتردد في تصديق الكلام الذي يصدر خلال المناظرات.

الاختلاف بين المترشحين لا يقتصر على مسألة التعامل مع الهيكل الاقتصادي وتراتب قطاعاته المنتجة والتوظيفات المتوقع أن تشهدها الحقول المدنية والاجتماعية وإنما يمتد إلى خارج السوق المحلية ليطاول ذاك السلوك المتوقع بشأن الملفات الساخنة في العالم وتحديدا قضايا «الشرق الأوسط الكبير».

باكستان ونموذج العراق

الاختلاف على السياسة الخارجية يشهد الكثير من الغموض إلى درجة يمكن ملاحظة ذاك التقاطع في وجهات النظر بين الطرفين وتحديدا في الموضوع الفلسطيني والانحياز لـ «إسرائيل» والعداء للعرب والعالم الإسلامي. ماكين في هذا الموقع أقوى من أوباما لأنه يتمتع بخبرة في متابعة الملفات الخارجية ويستند إلى سيرته الشخصية التي يحاول استغلالها ايديولوجيا لإعادة توظيفها في معركته الداخلية. ولكن أوباما الذي استفاد من تراجع الملف العراقي بعد صعود أزمة الأسواق المالية إلى الصدارة يحاول تعويض موقفه من خلال اتباع سياسة متشددة في الموضوع الأفغاني وامتداده الجغرافي إلى باكستان.

في الملف العراقي يبدو أوباما متساهلا قياسا بماكين، فهو يطالب بتحديد فترة زمنية للانسحاب والتموضع مستفيدا من تراجع موجة العنف وما رافقها من حملات تطهير طائفية ومذهبية ومناطقية في بلاد الرافدين. وهذا ما يرفض ماكين تقبله بذريعة أن التوافق على جدول زمني للانسحاب والتموضع يمكن أن يشجع شبكات «الإرهاب» على إعادة تنشيط قواعدها في العراق ما يدفع العلاقات الأهلية إلى الانهيار والانقسام وصولا إلى تقسيم البلاد إلى دويلات ثلاث.

في الملف الأفغاني يبدو ماكين أكثر تساهلا قياسا بمشروع أوباما الخطير. فماكين يرى أن ملف العراق لايزال يحتل الأولوية ما يعني أنه ضد تصعيد المواجهة في أفغانستان ونقلها إلى باكستان تمهيدا لتقويضها على غرار النموذج العراقي. ولهذا السبب اتهم ماكين أوباما في مناظرة أمس الأول بأنه يخطط للحرب على باكستان، وهذا الأمر لم ينفه المترشح الديمقراطي بذريعة مكافحة شبكات «الإرهاب» التي تمولها إسلام آباد من خزانة النقد الأميركية.

خطة أوباما بشأن نقل قوات الاحتلال من بغداد إلى كابول وتوسيع دائرة الحرب إلى إسلام آباد خطيرة جدا وهي تنال تغطية من «إسرائيل» ومؤسسات التصنيع الحربي لكونها تفتح الأبواب أمام مزيد من الأنشطة العسكرية. وهذا ما أشار إليه ماكين وحذر من وقوعه لأنه يفتح الطريق نحو المزيد من الاستنزاف النقدي على مشروع جديد في استراتيجية الحروب.

خطورة فكرة أوباما بشأن أفغانستان والملف النووي الباكستاني تأتي من كونها تلقى الترحيب من «لوبيات» مؤسسات التصنيع الحربي وتلك الأجهزة التي تمتلك خبرة في تأييد «إسرائيل» والدفاع عنها ضد العرب والمسلمين. وفكرة أوباما التي تقوم على مسألة نقل القوات من العراق إلى أفغانستان والجوار الباكستاني تستند إلى نقطتين: الأولى أن الحرب في بلاد الرافدين استنفدت أغراضها ولم يعد بالإمكان البقاء هناك بعد أن انشطر العراق وتوزع مذهبيا ومناطقيا إلى ثلاث دويلات. الثانية أن الخطر الإرهابي انتقل إلى أفغانستان وهذا يتطلب تعزيز القوات هناك وتطوير دفاعاتها حتى لو اقتضى الأمر توسيع دائرة الهجوم واحتلال أراضٍ باكستانية وربما تشطيرها مناطقيا وقبليا على غرار ما حصل ميدانيا في بلاد الرافدين.

نظرية أوباما لا تلقى الاعتراض من صقور الحزبين الديمقراطي والجمهوري على السواء وهي ليست بعيدة في جوهرها عن نهج بوش وسياسة التقويض الهجومية التي مارسها في حروبه الممتدة من أفغانستان والعراق إلى لبنان وفلسطين. وهذه النظرية المتطرفة هي من ابتكار المترشح على مقعد نائب الرئيس جوزيف بادين. بادين صاحب آراء خطيرة بشأن خريطة «الشرق الأوسط» السياسية وهو يعتبر الأكثر تطرفا في التعامل السلبي مع دول المنطقة العربية والمسلمة.

تعتمد استراتيجية بادين على مجموعة أفكار سيئة منها أن دول منطقة «الشرق الأوسط الكبير» موزعة جغرافيا بطريقة لا تسمح لشعوبها بالاستقرار والنمو. وهو يرى أنه لابد من إعادة هيكلة الخرائط السياسية حتى تتناسب مع التضاريس الاجتماعية للشعوب وهي تضاريس تتحكم بها آليات قبلية وطائفية ومذهبية وإقوامية. أي أن بادين يشجع على الاستمرار في مشروع التقويض وإعادة التفكيك ومن ثم دمج الأجزاء المتجانسة في قطاعات تتوحد ثقافيا في «دويلات» تحمل هويات الناس التي تتألف منها. وبهذا المعنى يتهم بادين بأنه قاد مشروع تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث وروج له وصاغه في مذكرة وافق عليها الكونغرس في العام 2007. والمشروع التقسيمي الذي لم يوقع عليه بوش خجلا يرجح أن يأخذ طابعه الرسمي بعد الانتخابات الرئاسية ودخول المترشح الفائز إلى البيت الأبيض. وفي حال فوز أوباما (وهو المرجح وفق استطلاعات الرأي) ينال مشروع تقسيم العراق موافقة رسمية، وتصبح خطة إعادة هيكلة خريطة «الشرق الأوسط» وتوزيعها دويلات على الطوائف والمذاهب والأقوام والقبائل والمناطق من الاحتمالات القوية. وكلام أوباما العنيف بشأن أفغانستان وجارها الباكستاني يؤشر إلى وجود نوع من التكيف مع استراتيجية التقويض التي باشرها بوش ويحتاج إلى من يستكملها بعد خروجه من البيت الأبيض.

سياسة التشطير التي يقول بها بادين تعتبر نقطة سلبية في ملف باراك ورؤيته للعالم العربي - الإسلامي. فهذه السياسة إذا أخذت شرعية قانونية من الكونغرس وتحولت إلى نهج في البراغماتية الأميركية فمعنى ذلك أن المنطقة العربية - الإسلامية مرشحة إلى مزيد من حروب التقويض بذريعة «مكافحة الإرهاب» وبهدف تفكيك الدول القائمة إلى «دويلات» غير متناهية بدأت بالعراق ولا تنتهي في دولة للبلوش (باكستان) وأخرى للبشتون (أفغانستان) وغيرها من ألوان وأجناس وقبائل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2225 - الأربعاء 08 أكتوبر 2008م الموافق 07 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً