البرلمان العراقي حاله حال معظم البرلمانات في العالم، مؤسسة ديمقراطية لكنه في العراق يمثل تشكيلا صعبا ومعقدا، بسبب ما نادى به السياسيون في هذا البلد منذ انتخابات العام 2005 وحتى الآن بضرورة توافق الكتل البرلمانية الرئيسية (الشيعية، السنية، الكردية) على القرارات الصادرة من البرلمان؛ الأمر الذي يعاكس عمل البرلمانات الأخرى التي تصدر قراراتها حسب الاستحقاق الانتخابي.
والتوافق على القرارات يعني معاملة جبهة المعارضة بطريقة لا تختلف عن جبهة السلطة، والاستماع إلى آرائها والحصول على موافقتها في كل القوانين التي تسعى السلطة لإصدارها؛ ما يؤدي ذلك إلى عراقيل واسعة تؤخر صدور هذه القوانين، واذا ما صدر قانون فإنه غالبا ما يكون غريبا ومليئا بالثغرات الإجرائية.
نعم، قد يكون البرلمان قد أصدر عددا من القوانين دون الاهتمام برأي المعارضة كإقرار قانون الأقاليم وتغيير العلم العراقي، إلا أن ذلك لم يمنع السلطة من محاولة الحصول على موافقة المعارضة قبل إصدار قوانين أخرى.
في سلسلة المقالات السابقة عن علاقة رئيس الوزراء نوري المالكي بالكتل السياسية تحدثنا عن أحزاب السلطة، واليوم نحاول أن نتناول كتلة عراقية لها في الحكومة حصة وفي المعارضة حصص، وهي كتلة التوافق (الممثل الرئيسي لأهل السنة في العراق).
كتلة التوافق أو الأحزاب ذات الطبيعة المذهبية السنية بشكل عام في العراق عارضت العملية السياسية منذ احتلال هذا البلد عام 2003 وحتى الآن، ولكن في إطار مبدأ سياسات إرضاء جميع المكونات السياسية الرئيسية كانت لجبهة التوافق حصة في التشكيلة الحكومية، وأصبحت عند تشكيل الوزارة الحالية عنصرا مكملا للسلطة بعد أن نجح الائتلاف الشيعي والتحالف الكردي في تشكيل الوزارة لمفردهما.
ارتضت كتلة التوافق أن تكون ضمن الحكومة، لكنها وفي إطار إرضاء قواعدها تعاملت باعتبارها حزبا معارضا للسلطة أو العملية السياسية بشكل عام، وقررت في فترة ما إسقاط الحكومة فانسحبت منها، لكن دعم البيت الأبيض اللا محدود للمالكي في ذلك الوقت حال دون تحقيق ذلك.
بالطبع كانت استقالة الكتلة السنية من الحكومة عامل تهديد كبير لوزارة المالكي الذي حاول لمرات عدة إقناع كتلة التوافق بالعودة بالتهميش مرة وبالمباحثات غير المباشرة مرات إخرى، وفي الأخير نجحت بعض مواقفه في التعامل مع الأزمات السياسية في إقناع نسبة كبيرة من أعضاء الكتلة بالعدول عن قرارها في الانسحاب من الحكومة؛ الأمر الذي دفع زعيم أحد أجنحة الكتلة الثلاثة خلف العليان إلى الاجتماع بالمالكي وإعلان تأييده لخطواته في فرض الأمن في العراق والحفاظ على وحدة قراره السياسي والاقتصادي.
عمليا، نجح المالكي في مسألة التعامل مع جبهة التوافق (السنية)، بعد أن ضحى بمواقف أثارت في كثير من الأحيان كتلته الائتلاف (الشيعية) وحليفتها الرئيسية التحالف الكردستاني، مقابل إرضاء نسبة غير قليلة من ممثلي أهل السنة في البرلمان العراقي، فكانت له حصة من النجاح
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2224 - الثلثاء 07 أكتوبر 2008م الموافق 06 شوال 1429هـ