من حقنا في غمرة الأحداث الجارية أن نتساءل إلى متى تستمر حالة غير صحية في التعامل السياسي على مستويات عدة. فالمحكمة الجنائية التي انعقدت أمس الأول للنظر في الدعوى ضد عدد من شباب الوطن بتهمة التسبب في مقتل أحد رجال الشرطة فيها الكثير من الزوايا غير الواضحة، والتي تشير إلى وضع مربك.
من حقنا أيضا أن نطالب بحياة سياسية تعتمد نبذ العنف والتصالح بين مختلف الأطراف، ولسنا بحاجة إلى وقوع ضحايا أو بقاء أحد في السجن. فالنفس الإنسانية عزيزة وكريمة ولا يجوز بأي حال من الأحوال التهاون في الحفاظ عليها وفي منع أي انتهاك أو تعذيب أو إهانات تحط من الكرامة.
ربما ان هناك حلقة مفقودة تمنع اكتمال فرحتنا بعودة الأجواء التصالحية، ولربما أن هناك من يشوش على الأجواء للاستفادة الشخصية، أو بسبب تصور ما يجنح نحو التوتير باستمرار. إننا كبحرينيين نستحق أن نفرح بإنجازات وطنية شارك فيها الجميع، ومن حقنا أن نبدي رأينا بصورة سلمية من دون الخشية من الملاحقة السياسية، ومن أجل ذلك يلزمنا أن نوجه جهودنا نحو نبذ جميع أشكال العنف من أي مصدر كان.
ولو تتبعنا الأحداث التي صاحبها عنف سنجد أن هناك من يمارس العنف في خطابه السياسي عبر تحريض السلطة على فئة من المجتمع، أو العكس، وسنجد أن هناك من يساند أصحاب الخطاب المتطرف. ومع الأسف، فإن الأصابع تتوجه لبعض الجهات المحسوبة على السلطة بالقدر الذي تتوجه إلى بعض الأوساط المعارضة التي تستخدم لغة حماسية لا تخلو من مبالغات وأحقاد وإشاعات.
مع الأسف أيضا، إن بعض من يجلس في البرلمان وبعض من يعتلي المنابر وبعض من يكتب في المواقع الالكترونية لا يهمه ماذا يحدث نتيجة لما يقول أو يكتب، والنتيجة أن قوات الأمن تحتشد بين الفترة والأخرى في المناطق السكنية لأن هناك إطارا يحترق أو كتابات جدارية أو شيئا من هذا القبيل.
يمكننا أن ندخل في جدال مستمر حول المفترض حدوثه في النظم الديمقراطية، ويمكننا أن نثبت أمورا كثيرة وندحض أخرى ونوجه الحديث نحو التوتير... ولكن: ماذا بعد؟
إننا مهما قلنا ومهما عملنا ومهما عارضنا أو أيّدنا هذا الطرف أو ذاك، فإن البحرين ستبقى لأهل البحرين بمختلف ألوانهم، والخير المتوافر في بلادنا يكفينا جميعا، وما نحتاجه هو توسيع صدورنا وإصلاح ذات بيننا، مع نبذ العنف وتأسيس مبدأ المصالحة والابتعاد عن خطابات التخوين والتشكيك وبث الكراهية. لا بأس بالتنافس السياسي، ولكن، لا نريد أحدا أن يموت، ولا نريد أن يسجن أحد، ولا نريد أحدا أن يتعذب، ولا نريد أن تفقد أية أسرة عزيزا لها في المقابر أو السجون... ولا سبيل سوى تأسيس مبادئ المصالحة السياسية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2224 - الثلثاء 07 أكتوبر 2008م الموافق 06 شوال 1429هـ