ربما لم نتابع ما حدث يوم الأربعاء 10سبتمبر/ أيلول 2008 على الحدود السويسرية الفرنسية، ولم نقرأ عما حدث في المركز الأوروبي للأبحاث النووية (سيرن)، ولم نلاحق تجربة الانفجار الكبير، وهي أضخم وأهم تجربة فيزيائية يشهدها العالم لاكتشاف أسرار الكون، حيث تم إطلاق مئات الملايين من (بروتونات) الذرة وجزيئاتها في نفق دائري بطول 27 كيلومترا، وعمق 100 متر تحت الأرض وبسرعة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلم.
وقد نتج عن ذلك ستمئة مليون تصادم بين الجزيئات في الثانية الواحدة. وقد تم تسجيل التصادمات والانشطارات الناتجة عنها ورصدها تمهيدا لدراستها والتعرف عليها.
منذ زمن مديد ومئات الآلاف من العلماء منشغلون بالأسئلة الكبرى، يتفكرون، يتأملون، يحللون، يجربون، فإذا فشلوا انبروا يعاندون السؤال ويشاكسونه ويعيدون طرحه من جديد، كأنهم مصداق لقول الله سبحانه وتعالى «إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآياتٍ لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض» (البقرة:164)، وقوله تعالى «قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ» (العنكبوت:20).
حتى بدايات القرن العشرين كان التصور السائد لدى العلماء أن الكون هكذا بدأ، وكما هو سيبقى، لن يتغير فيه شيء، فمطلع الشمس واحد ومغربها واحد وحجم الكون ثابت من الثوابت.
أمام هذا الثابت لم يخطر ببال العلماء - حتى ذلك الحين - أن الكون يكبر ويتمدد ويتوسع، ولم تبدأ حركة قوية وباحثة حتى لعلماء المسلمين الذين يقرؤون قول الله سبحانه وتعالى «والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون» (الذاريات:47)، حيث يتحدث القرآن الكريم عن توسع مستمر في الفضاء بعد أن تم بناؤه بشكله الذي تراه العيون.
كانت بداية البحوث لما سمي الانفجار العظيم قد بدأت من ملاحظة التوسع في الفضاء، فانكب عدد هائل من العلماء على بحث ودراسة هذه الظاهرة.
ومع بداية منتصف القرن العشرين صدم العلماء بعد أن اخترعوا أجهزة لرصد الضوء القادم من النجوم البعيدة، إذ اكتشفوا أن معظم المجرات تبتعد وتهرب عنا بمعدل «12000» كيلو متر في الثانية، ثم تطور العلم وتطورت الأجهزة والكمبيوترات، لتثبت تلك الحقيقة، حتى أن البحوث والتجارب اليوم تقوم على اعتبار التوسع حقيقة يقينية ثابتة.
هنا عادت العقول تسأل ولسنوات طويلة، إذا كان تمدد الكون بهذا الحجم في الثانية، فكيف كانت بدايته؟ هل كان صغيرا جدا ثم توسع؟ وإذا كان كذلك فهل الخلق كله والتوسع فيه سببه انفجار هائل مازلنا نرى آثاره - بواسطة الأجهزة - متمثلا في هروب معظم المجرات عنا؟ والمعنى أن كل الكون نتج عن ذلك الانفجار الشديد.
«أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ» (الأنبياء:30). هل التمدد الحاصل في الكون بدأ من رتق ثم فتق كما هو مؤدى الآية القرآنية؟ ومعنى ذلك سيادة نظام الهي بين ما كان مرتوقا، لأن الرتق يشير إلى بنية نسيجية للكون، وبقاء النظام حتى مع الفتق لأن الفتق من الخالق الذي أوجد تلك البنية النسيجية كما نعتقد، أي أن الكون لم يوجد في لحظة فوضى (انفجار) بل هو خلق من خالق مدبر، أم أن رتق السماء هو عدم انزالها المطر ففتقت بإنزال المطر، ورتق الأرض بعدم الإنبات ففتقت بالإنبات؟ فالآية بعيدة عن مكان الكلام وهو التوسع، أم أن وجود الكون نتج جراء انفجار هائل وشديد كما تريد هذه التجربة أن تثبت؟
التجربة ليست كفرية ولا إلحادية
غريب جدا أن تواجه تجربة علمية، يعكف على دراسة نتائجها أكثر من عشرة آلاف عالم، بعقليات مغلقة تصفها بالكفر والإلحاد، عجيب من أولئك الذين يعيشون بين الجدران المغلقة إطلاقهم الأحكام المستعجلة على تجارب العلم والمعرفة.
الله سبحانه وتعالى يتحدى الخلق بقوله «قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين» (القصص:75)، ونحن نقف أمام أي تجربة علمية يحاول المخلوق أن يبرهن فيها على صحة رأيه.
اعتقد أن التجربة ستجعل العلماء يرجعون بالحسرة عما أرادوا إثباته «الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئا وَهُوَ حَسِيرٌ» (الملك:3).
وأتأمل في أمرين الأول: أن يثبت للعلماء رسوخ نظرية القرآن الكريم في خلق السماوات والأرض.
والثاني: هو ما ستجنيه البشرية جمعاء من الفوائد الأخرى المترتبة على هذه التجارب العلمية الضخمة
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 2222 - الأحد 05 أكتوبر 2008م الموافق 04 شوال 1429هـ