لماذا تنشئون صحيفة أسبوعية؟! وما المغزى من ذلك؟!
وما هو الفرق بين الصحيفة اليومية والصحيفة الأسبوعية؟!
هل هي فروقات شكلية أم ضمنية أم صنمية؟!
كيف يمكن أن تحقق الصحيفة الأسبوعية التميز وسط تعدد صحافي مرضي للصحف اليومية المحلية كأنما هو مسبب لتصلب وانسداد الشرايين؟!
لا بد من الإجابة على تلك الأسئلة المحورية التي قد تطرح خلال العزم على تأسيس «صحيفة أسبوعية» ومن أجل الخروج بتميز معنوي وحقيقي في إطار واقع التعددية الصحافية المرضية في مشهدنا المحلي التي إنما جاءت لتعكس تناحرات سياسية طائفية وصراعات قوى النفوذ المهيمنة، ويبدو أنها لم تنفع إلا في خلق منافسة ملموسة لتحسين «أرزاق» الصحافيين والعاملين في الصحافة ونزوحهم من مؤسسة إلى أخرى، وفي زيادة هامش العرض والطلب في سوق الصحافة والإعلام والإعلان، وذلك أكثر من كونها قد خلقت مجالا صحافيا أكثر احترافية ومنبرا فكريا أكثر تنورا، وبالتالي ما الذي ستضيف إليه معنويا صحيفة أو عدة صحف أسبوعية إلى تلك التعددية؟!
يتطلب ذلك إيمانا حقيقيا بالتركيز أولا على فهم الجدوى الغائية التي ستحققها هذه الصحافة، بالإضافة إلى جمالياتها الضمنية المختلفة عن الصحيفة اليومية التي تشغل القارئ بما هو رئيسي وفرعي وعابر ومتراكم من غث وسمين بالعناوين والأخبار، وللأسف قد يحلو للبعض أو الأدهى أنه يتخيل له أن يعتبر «الصحيفة الأسبوعية» خيارا ميسرا ومربحا فوظيفتها ووضعيتها ستكون مثل الفتحة في حوض غسيل الأواني المنزلية والصحون «السنك» حينما تتراكم فيها بقايا الرغوة الصابونية المتكومة وفتات الأطعمة والمشروبات وربما الغبار من بعد عملية غسيل وتنظيف مضنية، فتكون بالتالي «الصحيفة الأسبوعية» وعلى غرار تلك الصورة الروتينية المملة الخارجة عن أي ذوق إبداعي ومتميز سطحا أملسا أو صندوقا فارغا وقد حشي بخلاصة أو موجز لأخبار أسبوع واحد أكانت أخبار فعاليات ومناسبات وتصريحات يومية عابرة أم أخبار وعناوين العلاقات العامة!
أو ربما وعلى حد تعبير أحد كبار الكتاب الصحافيين المخضرمين قد تحفل بـ «بكشة» الأخبار المحلية بغثها وسمينها المهداة أساسا للصحف المحلية من وكالة الأنباء فتنقذها وتثريها، ولو اعتمدت «الصحيفة الأسبوعية» على ذلك فإنها لن تصلح في حينها إلا للأرشفة الفضفاضة وستواجه حتما فشلا وهاوية لا مناص منها!
وفي حالات شبيهة ينظر البعض إلى «الصحيفة الأسبوعية» على اعتبار أنها مشروع «صحيفة يومية» في المحصلة، وهي بالتالي مختبر يعكف على تطوير نماذج اختبارية (Prototypes) لأجل تلك الغاية التي تستوعب «الصحيفة الأسبوعية» كمرحلة تطورية سيكولوجيا وفسيولوجيا شبيهة بالانتقال من الطفولة فالمراهقة إلى سن الرشد، أو قد يقام الفرق بينها وبين نظيرتها الصحيفة اليومية على اعتبار الفرق الشكلي ما بين الرواية والقصة القصيرة باعتبار الرواية قصة طويلة في النهاية، وذلك من دون إدراك الفرق الجوهري والضمني بين هذين الصنفين الأدبيين من ناحية فلسفة الجنس الأدبي، وخيارات الحبكة والموضوع والهندسة والمعمار السردي التي يتداولها النقاد الأدبيون بمختلف انتماءاتهم الفكرية والأيديولوجية كأطر ومعايير مرجعية لا خلاف عليها!
وفي حالات أسوأ تأتي «الصحيفة الأسبوعية» كما لو أنها فجوة وثقب في جدار من حصار وضع فيه تيار أو حزب أو قوى جهوية معينة بداخله وقد جاءت بالتالي «الصحيفة الأسبوعية» كنوع من الإسناد للظهر الإعلامي والصحافي، كما هو قد يكون في الحالة الأسوأ نوعا من تسجيل العرفان بالجميل لكسب المزيد من ود الحظوة السلطانية ولو كان ذلك بأسوأ شكل ممكن!
وأخذا بالتأمل في الحالات المقارنة البائسة لأوضاع «ألصحيفة الأسبوعية» الحاضرة بشدة في سياقات محلية متفاوتة، فإن «الصحيفة الأسبوعية» وحتى يكتب لها التميز الحقيقي والنوعي وسط واقع تعددية صحافية أيا كانت صحتها النفسية والجسدية فإنه ينبغي لها، وفي رأيي المتواضع وبحسب العرف المعمول به لدى نظيراتها اسما في الدول الغربية، فإنه يجب أن تعيد «الصحيفة الأسبوعية» الاعتبار لذاتها بصفتها تنتظر تحديات أصعب بكثير من ما قد تواجهه «الصحيفة اليومية»، فهي بالتالي ينبغي عليها أن تركز على تقديم خلاصة التحليلات والقراءات المعمقة لما وراء الأخبار والعناوين الرئيسية المتأتية من المشهد المحلي بتنويعاته وفروعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة على وتيرة أسبوعية، فتعتني مجملا بما وراء تلك العناوين والمشهديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أكثر مما قد تعتني به الصحيفة اليومية!
كما على أية صحيفة أسبوعية أن تركز على تقديم التقارير الإخبارية المفصلة وبالتالي تكون نافذة حقيقية للحدث والخبر تساعد القارئ على رؤيته من الأعلى ومن الداخل أكثر من ما هي باب تقود القارئ للتسكع بالهواجس والشكوك على عتباته، ويكون بالتالي لهذا النوع من الصحافة دور أكبر في خلق الاتجاه وصهر الرأي العام وقيادته داخل هياكل القضايا والأخبار الرئيسية، وبذلك تنال تميزها المهني والاحترافي المستحق، وتلعب دورا حقيقيا مكملا للصحافة اليومية، ومثل هذا الحديث يذكرني بشكل أو بآخر بما سطره الكاتب الصحافي المرموق محمد حسنين هيكل ذات يوم عن تجربته الصحافية فكتب في مقدمة إحدى كتبه «وأظن أنني مدين بالفضل في تقليل الاعتماد على الذاكرة لنصيحة أول رئيس تحرير عملت معه، وهو «هارولد أيرل» رئيس تحرير جريدة «الإجيبشيان جازيت»، وكان ملخص نصيحته لي، ولثلاثة زملاء مصريين التحقنا دفعة واحدة للتدريب في جريدته - قوله لنا: «أنتم ستذهبون إلى مهام متواصلة تغطون فيها مسارات الحوادث في وطنكم وأوطان غيره، وعندما تأخذكم المهام التي تكلفون بها إلى أي مكان، خصوصا خارج البلاد، فلا تحاولوا أن ترسلوا بمواد إخبارية عاجلة، لأن وكالات الأنباء سوف تسبقكم، وأما ما تستطيعون التفوق به على غيركم فهو التركيز على خلفية الوقائع والحوادث وحركاتها الداخلية، مستندين إلى المشاركين فيها وشهودها، راسمين باللون والظل وبالصوت والهمس صورا حية للأجواء والظروف والملابسات»
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 2222 - الأحد 05 أكتوبر 2008م الموافق 04 شوال 1429هـ