بقدر ما تتطور ساحة سياسية ما، وتتأطر القوى السياسية الفاعلة فيها، بقدر ما تزداد الحاجة إلى الارتقاء بأشكال وأساليب ومقومات النضالات المصاحبة لهذا التطور. وغالبا ما تبرز ظاهرة التحالفات المطلوب نسجها بين مختلف القوى السياسية، متنافرة كانت أم متحالفة تلبية احتياجات ذلك التطور، كي تتحول بشكل تطوري إلى معلم من معالمه السياسية. وأول الخطوات على طريق تلك العلاقات هي تحديد معالم وأطر التحالفات التي ينبغي نسجها بين تلك القوى المؤمنة بأهمية تلك التحالفات وضرورتها، والأسس السليمة التي بوسعها تقوية أواصرها في حال استمرارها، أو سلمية انفراطها عندما تنتفي مبررات حالة الاستمرار.
ومن المسلمات السائدة هي أنه ليست هناك وصفات جاهزة يمكن تقديمها لتلك القوى. كما أن النوايا المخلصة، على أهميتها وضرورة توافرها، لكنها ليست وحدها الكافية لإنجاح برامج التحالفات، إذ لابد لها وأن تقترن تلك النوايا، بمجموعة من الخطط المترجمة إلى عدد من البرامج التي تشكل الأرضية السليمة لبناء أي إطار من إطارات التحالفات القادرة على الفعل والاستمرار والنمو.
وشأنها شأن أي برنامج سياسي آخر، تحتاج التحالفات إلى الساحة السياسية الصحية التي يمكنها أن تتنفس من خلالها وتنمو فوق تربتها، والتي يمكن تلخيص أهم معالمها في النقاط الآتية:
1 - وجود نظام سياسي متفتح يؤمن بالتعددية السياسية وقابل للتعايش معها، إذ يتعذر على الأنظمة غير الديمقراطية أن تفهم معنى التحالفات، دع عنك القبول بها. فوجود مثل هذه الأنظمة غير المتفتحة، وضمان بقائها، والعقلية التي تسير سلوك الممسكين بزمام الأمور فيها، جميعها قائمة على تقديس الذات، ونفي الآخر في آن، وعلى قدم المساواة.
مثل هذه البيئة المقفرة غير المتفتحة، المصادرة (بكسر الدال وفتح الراء) لحريات الآخرين، والنافية لحقهم في ممارسة أي شكل من أشكال العمل السياسي، يشكل عنصر وأد لمفهوم التحالفات السياسية، ومن ثم فمن الصعوبة بمكان الحديث عن قيام تحالفات تحت مظلة تلك الأنظمة.
2 - اقتناع القوى الداخلية العاملة فوق الساحة السياسية بالحاجة لنسج التحالفات فيما بينها، من دون أن تكون ضحية لأية ضغوط خارجية تمارس عليها، كما شاهدنا حالات كثيرة منها أثناء مرحلة الحرب الباردة، والتي آلت جميعها إلى الفشل، حيث كانت القوى المحلية تخضع سلوكها السياسي المحلي، لصالح التحالفات الدولية التي تنتمي هي لأحد قواها.
الأمر المؤكد هنا هو فشل نموذج التحالفات القائمة على التضحية بالمحلي لصالح الدولي أوالإقليمي. هذا لا يعني إلغاء البعد العالمي أو الإقليمي، لكن، المطلوب فقط، تقليص الحيز الذي يحتله لصالح المحلي.
3 - بروز الحاجة الموضوعية لقيام أي شكل من أشكال التحالفات البعيدة كل البعد عن التمنيات الذاتية، بالمعنى السياسي للتعبير، ففي غياب تمظهر تلك الحاجة، ولأي سبب من الأسباب، يصعب التكهن ببروز بيئة تحالفية سليمة، وفي حال قيامها، غالبا ما تكون مشوهة، ويصبح عمرها السياسي قصيرا نظرا لافتقادها لأي من عناصر الاستمرار، ناهيك عن النمو والازدهار.
والقصد من الحديث عن الحاجة الموضوعية، مبررة لفت النظر إلى نجاح مشروعات التحالفات السياسية ليست مرتبطة بالنوايا الحسنة لهذه الفئة السياسية أو تلك، بقدر ما هي استجابة لشروط الظروف الموضوعية التي تحم ساحة سياسية معينة.
4 - تحديد البرنامج السياسي الصحيح القادر على استقطاب أكبر عدد من القوى التي تنسجم برامجها السياسية، أو كحد أدنى لا تتناقض، مع برنامج التحالف المطلوب منها النضال تحت مظلته.
هذا يقودنا إلى ضرورة انتباه القوة، أو القوى السياسية التي تتصدى، أو تقع على عاتقها مسئولية صياغة برنامج التحالف أن تراعي قدرته على أن يشكل، الحد الأدنى الذي يمكن أن يشكل نقطة استقطاب لأكبر عدد من القوى السياسية، وليس الحد الأقصى الذي يختار حفنة محدودة منها، والذي يمكن أن يتحول، في مرحلة معينة، إلى قوة طاردة لها.
5 - القوى السياسية المتشربة بمفهوم التحالف الصحيح، والرافضة في الوقت ذاته لكل أشكال الاستعلاء، أو سلوكيات رفض الآخر، أو إقصائه، أو التقليل من حجمه، بغض النظر عن كبر حجم حصتها هي، وضآلة حجم القوى الأخرى.
هنا لابد من التأكيد، على أن لا يكون فهم القوى للتحالفات السياسية نابع من نزعة انتهازية داخلية أنانية تحاول، من خلال الاتشاح بعباءة الدعوة للتحالفات تغطية عوراتها، أو إخفاء مقاصد أخرى ليست لها أية علاقة مع مفهوم التحالفات أو أخلاقياتها.
6 - وضوح شديد للمرحلية في برنامج التحالفات، سواء على المستوى الزمني أو الأهداف، فأخطر وأول مسمار يمكن أن يدق في نعش مشروعات التحالف هو الأخذ بسياسة حرق المراحل، سواء من أجل اختصار المسافة الزمنية، أو اختزال الأهداف المرجوة. فعلى من يقود مشروعات التحالف أن يعي أن أي تحقيق الهدف المناسب، ينبغي أن يتم في الوقت المناسب، ومن خلال تحالف القوى المناسبة، وأن يستغرق الفترة الزمنية الضرورية لإنجازه.
هذه هي الأعمدة الراسخة التي تضمن استمرار بقاء صرح التحالف وصموده في وجه الأعاصير التي تحاول هدمه.
ولربما، والساحة السياسية البحرينية، وفوقها القوى السياسية الفاعلة، تقف اليوم على أهبة الاستعداد لولوج مرحلة الاستعداد لانتخابات العام 2010، فهي مطالبة بأن تعيد النظر في برامجها السياسية كي ترى الحيز الذي تحتله مشروعات التحالفات في تلك البرامج، التي ستفقد الكثير من بريقها المؤقت، وشموخها الآني، إن هي لم تفكر في الغد وما يحمله من تطورات. فالمثل الإغريقي ينصحنا بالقول بأننا «لا يمكن أن نسبح في الماء ذاته أكثر من مرة»، ومقولات التاريخ تثبت أن المجتمعات البشرية في تطور دائم، وليس هناك ما هو ثابت فيها بشكل سرمدي. ومن لا يعي ذلك فهو يحكم على قواه السياسية بالإعدام، طال الزمان أم قصر.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2517 - الإثنين 27 يوليو 2009م الموافق 04 شعبان 1430هـ