يستطيع المرء أن يتفهم ويبرر الغضب والهيجان الناتجين عن جريمة قتل مروة الشربيني في محكمة ألمانية على يد متطرف ألماني قبل أسبوعين، ولكن يجب عدم المبالغة في ذلك.
عبّر آلاف المسلمين وغير المسلمين على حد سواء عن قلقهم حول تزايد الجرائم العنصرية والطروحات التي يُنظر إليها على أنها تستهدف المسلمين في الغرب، ويدّعون أن القليل من الإجراءات فقط تم اتخاذها من قبل الحكومات الغربية والإعلام والمجتمع المدني لاستباق هجمات كهذه.
لم يتم توجيه الغضب ضد المجرم فقط، ولأسباب يمكن تفهمها. وقد أشار النقّاد إلى الصمت القاتل للغالبية العظمى من وسائل الإعلام الغربية الذين كانوا، حسب قول هؤلاء النقاد، سيستخدمون الحدث في عناوينهم الرئيسية لو انعكست الأدوار، وكانت المرأة المصرية هي القاتلة وليس الضحية.
أثار هذا التمييز منذ فترة طويلة، إضافة إلى ما أطلقته عدم التغطية الإعلامية مؤخرا، غضب الناشطين حول العالم وتسبب بقيام الكثيرين بإلقاء اللائمة على الإعلام الذي رأوا أنه يقوم بإطلاق الصور النمطية على المسلمين بأنهم إرهابيون.
كذلك يشير الناشطون المسلمون إلى ما يعتبرونه عدم تسامح مزعج في الكثير من الدول الغربية. وكما أشار استطلاع أجرته مؤسسة غالوب العام 2008، يمكن تصنيف حوالي ثلث مجموع سكان ألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا والمملكة المتحدة على أنهم «معزولون» وتعريفهم بأنهم يؤمنون بحقيقة وجهات نظرهم فوق جميع وجهات النظر الأخرى.
وحسب استطلاع غالوب، هم لا يريدون أن يعرفوا أي شيء عن ديانات أخرى.
يشعر أقل من ربع هؤلاء السكان أنهم متكاملون بشكل شامل مع أديان أخرى.
وفي ألمانيا وحدها، يشعر 13 في المئة فقط أنهم مندمجون بينما يعتبر 38 في المئة أنهم معزولون.
وعلى رغم صحة شكاويهم، ارتكب منتقدو تغطية التسامح عبر الأديان تعميمات واسعة.
أرسلت جريمة قتل الشربيني، إلى جانب تعليقات الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي حول النقاب الذي يغطي وجه المرأة، بالإضافة إلى جسدها، مؤشرات خطيرة فيما يتعلق بوضع المسلمين في بعض الدول الأوروبية. على رغم ذلك، فإن هذه الملاحظات لا تجسّد بأي حال من الأحوال «حربا غربية على الإسلام» كما يقترح البعض. فيجدر الذكر هنا أنه، وبعكس النتائج في ألمانيا، يمكن تصنيف 13 في المئة فقط من الأميركيين على أنهم معزولون، بينما يشعر 33 في المئة بالتكامل في نشاطات عبر الأديان، وهذه نتائج تشابه تلك في كندا.
يتوجب أن يكون السؤال الفوري في خضّم موجة الغضب هذه: ما الذي يمكن عمله الآن وخاصة في أوروبا؟
الجواب هو أولا معاقبة المجرم وثانيا خفض فرص واحتمالات تكرار جرائم كهذه.
وبينما يعتبر الجزء الأول بشكل واضح مسئولية الهيئة التشريعية الألمانية بالتنسيق مع نظيرتها المصرية (لأن الشربيني كانت مواطنة مصرية)، إلا أن الجزء الثاني مهمة متعددة الوجوه تخص الكثير من أصحاب المصالح والاهتمامات.
يتوجب على ألمانيا، حتى يتسنى لها التقدم على هذه الجبهة، أن تعيد النظر بالسياسات التي تبنتها، متبعة خطى الفرنسيين، التي ساهمت في خفض معدلات التسامح الديني، فقد قامت بمنع معلمات المدارس والموظفات الحكوميات من لبس الحجاب، الأمر الذي أثّر بشكل سلبي على الأسلوب الذي يُنظَر من خلاله إلى النساء المسلمات اللواتي يلبسن الحجاب من قبل المجتمع، مما جعلهن أكثر عرضة للهجمات اللفظية والجسدية.
سوف يشجّع رفع المنع عن لبس الحجاب في دول مثل ألمانيا وفرنسا النساء المسلمات على مزيد من الانخراط في المجتمعات التي يعشن فيها، وكذلك إغناء هذه الثقافات، وبالتالي المساعدة على حل «مشكلة» الأقلية المسلمة عبر أوروبا.
يتوجب كذلك على المجتمع المدني اتخاذ دور نشط في إيجاد تغيير إيجابي. يمكن من خلال جهوده حل التوترات عبر الثقافات والأديان.
لقد أثبتت برامج التبادل الطلابي مع دول ذات غالبية مسلمة والمؤتمرات والحلقات الدراسية عبر الثقافات والنشاطات عبر الأديان أنها مفتاح تحسين التفاهم والعلاقات بين المسلمين وغير المسلمين.
يتوجب على المجتمع المدني أن يركّز على تشجيع التسامح وتقدير التنوع، وحقوق الإنسان والحريات الدينية.
يتوجب على الحكومات والمانحين على حد سواء دعم النشاطات التي تخدم هذه الأهداف، مثل جائزة دولية للمنظمات أو الأفراد الذين يعملون على دفع عجلة الحريات الدينية، إحياء لذكرى جريمة الشربيني.
وأخيرا، يتوجب على المسلمين الألمان، والمسلمين في دول غريبة أخرى، أن يعملوا على إضفاء الإنسانية على المناخ الثقافي. يتوجب عليهم ألا ينتظروا بشكل سلبي حتى تقبلهم مجتمعاتهم، بل يتوجب عليهم الانخراط بنشاط في مجتمعاتهم والمشاركة في النشاطات الاجتماعية والتعلم عن الأديان والتقاليد والعادات والثقافات الأخرى، وتثقيف جيرانهم حول ثقافاتهم. يتوجب عليهم رفض موقف «أحياء الأقليات»، الذي يضعهم موضع الضحية ويعزلهم عن الشعب الذي يعيشون في وسطه.
بدلا من ذلك فإن تبني «موقف المواطن» الذي يضع كأولويات الحقوق المتساوية والتكامل الشامل، وهو الذي يكرّم الشربيني، التي قامت بالرد على هجوم قاتلها اللفظي عليها بمقاضاته في محكمة ألمانية، حيث كسبت الدعوة قبل أن يقوم بطعنها حتى الموت.
ليس موت الشربيني، في نهاية المطاف، هو الإرث الذي تركته لنا، وإنما نوع المواطَنة الذي وضعته كنموذج لنا.
*كاتب عمود وباحث مستقل يعمل للحصول على شهادة الماجستير في الدراسات الإسلامية في المعهد العالي للدراسات الإسلامية في القاهرة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2517 - الإثنين 27 يوليو 2009م الموافق 04 شعبان 1430هـ