العدد 2516 - الأحد 26 يوليو 2009م الموافق 03 شعبان 1430هـ

التقدير والمهانة في المكان والمكانة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ظروف الرّخاء والشّدّة في السياسة تختلف إلاّ عند أحمدي نجاد فهي سَيّان. يقول ويفعل في الصباح كما المساء، وفي الضجيج كما الهدوء. لا فُصول أربعة لديه، ولا الزّمان ولا المكان يفعلان بفعلهما لديه أيّ شيء. وهو ما يجعله خارج الجادّة في أحيان كثيرة.

في غرّة الأسبوع المنصرف، عيّن أحمدي نجاد نائبا أولّ له هو اسفنديار رحيم مشائي. وهو والد زوجة ابنه (أي نجاد) الذي تناقلت وسائل الإعلام مراسم زفاف ابن الرئيس على كريمة نائبه (المعزول) في مدينة مشهد قبل عام ونصف العام.

الغريب أن الضّجّة التي أحدثها التعيين لم تمنعه من التراجع على مدى أربعة أيام. بل إنه مارس أقسى أنواع الرّد على خصومه على طريقتين، كلتاهما لا تُعطيان مؤشرا لعدم التراجع وحسب وإنما العض على نواجذ القرار.

الأولى حين شبّه أحمدي نجاد نائبه المعزول رحيم مشائي «بنبع مياه نقية»، مُردفا «البعض يسألني لماذا أكنّ له كل هذه العاطفة، فأجيبهم: لألف سبب؛ أحدها أنه حين يجلس المرء ويتناقش معه فليس هناك مسافة، إنه أشبه بمرآة شفافة، نعم إنه شرف كبير لي أن أكون عرفت مشائي، هذا الرجل الكبير».

والثانية عندما نَشَرَ الموقع الإعلامي لرئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية (بعد أيّام من الاعتراضات الأصولية الواسعة على تعيين مشائي) القرارات الصادرة عن أحمدي نجاد بشأن أسماء مساعديه ونوّابه من بينها اسم اسفنديار رحيم مشائي كنائب أوّل للرئيس.

باعتقادي المشكلة لا تكمن في التصريح البائس لمشائي في يوليو/ تموز من العام الماضي عن صداقة إيران للشعب الصهيوني. فمشائي قال ما قال في مورد توضيح تصريحات سابقة لأحمدي نجاد حول الهولوكوست. وقد عقّب بعدها (مشائي) بتوضيحات مُسهَبة لإزالة اللبس عن ما قاله.

الإشكال اليوم يكمن في موضع أُذُن الرئيس مما يُقال له من حلفائه داخل التيار المحافظ. فهو لا يستمع إليهم، بل ويُسمعهم حديثا يُعْلِي من شأن خياره النّقيض معهم، وبالتالي فهو يرفع من سقف أيّ تفاوض قد يجري بينه وبينهم مستقبلا، ويُميت لديهم أصل الاعتراض.

لم يُحسِن أحمدي نجاد تعامله مع الفصيل الذي ينتمي إليه وهو التيار المحافظ. وهو يُكرّر ذات الخطأ الذي ارتكبه منذ تشكيل مجلس تنسيق قوى الثورة كإطار جامع للتيار الأصولي قُبَيْل الانتخابات الرئاسية في العام 2005 والتشريعية في العام 2008 وتسريحه لتسعة من كوادر المحافظين من حكومته التاسعة.

اليوم يجدر بأحمدي نجاد أن يجعل رهانه على ورقة بحجم «تيار» وليس بحجم «آحاد». فالهجمة التي تعرّض لها ومازال من التيار الإصلاحي تتطلّب منه التخندق والاحتماء بتيار قادر على النّدّيّة والمواجهة وليس على شخوص قد يتبخّرون في بداية المعركة.

كان بإمكانه الاستجابة منذ البداية لمطالب حلفائه والتضحية بما هو أقلّ فداء من الجزء إلى الكل. وربما كان انتظاره أن يتدخّل المرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي لإقالة مشائي بمثابة الرسالة للجميع بما فيهم حلفاؤه بأنه ما من قوّة سياسية قادرة على كسر إرادته في الداخل سوى رأس الهرم.

هذه الرسالة فيها استهجان بحلفائه من المحافظين. وإذا ما أصرّ نجاد على هكذا منوال فإن دائرة المريدين سيتقلّصون وقد ينحسرون عتبة بعد أخرى إذا ما اشتغل القضم المنهجي على مصالحهم معه، وقلّة ما يجمعهم بخياراته.

السيناريو الذي كان سيحصل لو لم يتدخّل المرشد الأعلى هو التالي: تمرير لائحة تشريعية داخل مجلس النواب تنصّ على ضرورة اجتياز نيابة الرئيس للتصويت البرلماني المباشر حاله حال بقيّة أعضاء الحكومة من الوزراء، وهو ما يعني مخالفة دستورية قد تُجاز بمذكرة تفسيرية.

عندها سيُحال المشروع (حسب الدستور) إلى مجلس صيانة الدستور للبتّ فيه. ولأن اللائحة مخالفة للمادة 124 من الدستور، وإن تضمّنت مذكرة تفسيرية فقد يُعاد المشروع إلى البرلمان.

وإذا ما أصرّ الأخير على رأيه ومجلس الصيانة على رأيه سيحال المشروع (بعد الردود البينية الثلاثة للمجلسين) إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي بالتأكيد سيُجيز اللائحة، وبالتالي سيُسقط مجلس النواب اسم اسفنديار مشائي من نيابة الرئيس حين يُصوّت على أعضاء الحكومة.

بطبيعة الحال فإن هذا السيناريو لو حصل كان سيُراكم جراح أخرى على الأزمة التي أعقبت الانتخابات. وقد تستلزم اصطفافات وانقسامات جديدة داخل المشهد السياسي الإيراني. بل إنها قد تكون فرصة سانحة للتيار الإصلاحي المُتقهقر لأن يركب موجة الهجوم على الرئيس أحمدي نجاد مرة أخرى من بوابة حلفائه.

يعتقد أحمدي نجاد أن دفاع المحافظين عنه خلال أزمة الانتخابات هو دفاع واجب منهم عن النظام والدستور وليس عنه شخصيا. فهم لم يُجمِعوا عليه خلال الانتخابات التاسعة في العام 2005، ولا على كتلته النيابية في هذا المجلس، واختلفوا معه وعليه.

لكن نجاد يغفل أنه وإن كان ذلك صحيحا (وهو كذلك) فإنهم (أي المحافظين) لم يقفوا ضده إلاّ في محطّات محدودة قد لا تزيد على مشروع الموازنة. كما أنهم في خواتيم الأمور أنداد لندّ أكبر وهو التيار الإصلاحي الذي يجتمع ضد المحافظين بكلّهم.

خلال الولاية الثانية لنجاد والتي ستبدأ في أغسطس/ آب المقبل يبدو أنه مُحتاج أكثر من أيّ وقت مضى لمسار داخلي يميني منسجم وهادئ. وهو ما تتطلّبه التشكيلة التنفيذية القادمة لحكومته. فأمامه تجربة خاتمي غير الحصيفة في اختياراته الوزارية والتي خلقت له متاعب جمّة.

ماذا لو استوزر نجاد أحدا من الاتحاد الإسلامي للطلبة كمساعد له ورئيسا للمنظمة الوطنية للشباب بدل مهرداد بذرباش الذي عيّنه مؤخرا، وأحدا من جمعية المؤتلفة الإسلامية كمساعد له ورئيسا لمؤسسة الشهداء والمضحين بدل مسعود زريبافان.

وآخر من تكتّل خط الإمام والقائد كمستشار لشئون الشباب بدل محمد جواد حاج علي أكبري. ورابع من جمعية المهندسين كمساعد للرئيس ورئيسا لمنظمة التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية بدل حميد بقائي. وكلهم مناشط محافظة وليست غريبة على التيار العام لليمين.

قد يكون تعيين أكبر صالحي على رأس منظمة الطاقة الذريّة بداية جيدة لتعيينات أخرى يتقلّدها آخرون. وهي بالتأكيد ستُقلّل من حجم الاختلاف مع الرئيس وستزيد من مساحة الإجماع داخل أطر الدولة، وخصوصا مجلس النواب.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2516 - الأحد 26 يوليو 2009م الموافق 03 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:45 م

      متخصص في الشؤون الإيرانية

      يبدو أن الأخوة الذين يلمزون في حق الأستاذ محمد لا يعرفون مصطلحاً معروفاً في السياسة وهو متخصص في شؤون البلد الفلاني .
      شكراً أستاذ محمد واصل فنحن نتابعك بشغف .

    • زائر 1 | 6:31 ص

      الحبيب ما تملل ؟؟؟؟

      الحبيب ما تملل من كثر ما تابع أخبارهم؟؟؟؟؟

    • نعمان محمد | 5:13 ص

      وجه واحد لنجاد

      اعتقد ان السيد احمدي نجاد بات يتعامل مع (خصومه) في الداخل كما يتعامل مع ملفاته الخارجية ومع الدول الغربية تحديا قول كلمه (لا) على طول الخط دون النظر لعواقب الامور حتى تصل لحافة الهاوية كما وحدث مع تعيين مشائي واذا كان السيد نجاد يملك ظهرا قويا داخليا يستند عليه ليتعامل مع الخارج فان ذلك الظهر لن يكون موجودا بنفس الحماسه والقوة في تعامله مع الداخل ...

اقرأ ايضاً