رطوبة صيف البحرين وارتفاع درجة حرارته غير العادية (أفادت مصادر الأرصاد الجوية بأن شهر يونيو/ حزيران هذا العام كان الأكثر حرارة خلال المئة سنة المنصرمة) هذا العام، تخللها عنصر جديد هو برنامج «صيف البحرين»، الذي ربما كان للحوارات التي أثارتها بعض أنشطة، وحالة الجدل التي ولدها البعض الآخر، عامل من عوامل ارتفاع درجة الحرارة.
كلمة حق لابد أن تقال هنا، وهي أنه كانت هناك محاولات سابقة لمثل هذا الصيف، كانت ناجحة لكنها لم تنصف جراء تدخل عوامل أخرى، لا علاقة لها بالبرنامج أو الأنشطة التي نفذتها، وإنما لظروف سياسية معقدة أحاطت بالبرنامج حينها وأدت إلى وأده، وهو لم يزل في المهد.
في البدء لابد من التأكيد على أن حالة الجدل المتواصل التي أثارها «صيف البحرين»، مهما بلغت حدتها وشدة تطرف بعض المنخرطين فيها، هي في حد ذاتها عنصر إيجابي، إن دل على شيء، فإنما يدل على ظاهرة صحية تمخضت عنها أنشطة «صيف البحرين»، ويؤكد بالقدر ذاته على نجاح هذا «الصيف». فلو لم يكن البرنامج ناجحا لما تجشم الناس عبء وضعه على طاولة حواراتهم. هذا لا يعني أن هذا الصيف يخلو من بعض الشوائب والأخطاء التي لا يمكن إلا أن تكون مرافقة لأي مشروع ناجح، بمستوى النجاح الذي حققته، حتى الآن، فعاليات صيف البحرين.
وقبل الانتقال للإدلاء بدلونا وإصدار أي حكم على «صيف البحرين»، لابد لنا من تقسيم الطبقات في البحرين، خلال أشهر الصيف، من حيث التركيبة السكانية والاجتماعية إلى ثلاث فئات رئيسية هي:
1. فئة الموسرين، التي أصبحت لا تكترث لما يدور في البحرين خلال الصيف من أحداث وأنشطة، فهي بحكم إمكانياتها المالية قادرة على قضاء تلك الفترة في الخارج، إما في مساكن تمتلكها، أو بالدخول في أحد عروض الصيف المغرية في أحدى البلدان السياحية.
هذه الفئة قادرة ماليا، واجتماعيا، على تحمل تلك الكُلف دون أية تبعات مصدرها الاقتراض من بعض المصارف، أو الاستدانة من بعض الصناديق.
2. الفئة الوسطى، وهي التي يفرض عليها سلوكها الاجتماعي بعض الممارسات التي تفوق قدراتها المالية الذاتية، وبالتالي، فهي تلجأ للاقتراض من أجل قضاء جزء من فصل الصيف خارج البحرين.
جزء من اضطرار هذه الفئة إلى الخارج، خلو الساحة البحرينية من أية فعاليات تغريها في عدم التفكير في السفر. وهذه هي الأخرى لا يعنيها كثيرا ما يمكن أن تشهده البحرين من أنشطة وفعاليات خلال أشهر الصيف، لأنها ستقضي معظمه في الخارج، بغض النظر عن التبعات المالية والاجتماعية التي تتولد عن رحلة الصيف هذه.
3. الفئة المسحوقة، وهي التي تشكل نسبة عالية من عدد السكان، والتي لا تسمح لها ظروفها المالية بمغادرة البحرين، ومن ثم فهي معنية بتلك الفعاليات، بل ويهمها كثيرا، أن لا ترهق فعاليات صيف البحرين موازناتها المحدودة، والمثقلة بأقساط: السيارة، والتعليم، والإسكان.
هذه الفئة، بحاجة، ليس إلى ما يشغل وقتها فحسب، بل أيضا إلى متابعة التطورات الفنية والثقافية التي تشهدها المجتمعات الأخرى، دون أن يثقل ذلك موازناتها المحدودة، والمثقلة أحيانا بالديون.
هذه الفئة إن لم يأت من ينقل لها تلك التطورات، فمن الطبيعي أن تبقى محرومة من الاحتكاك بتلك التطورات، الأمر الذي يعني جمود مستوى تطورها الفني والثقافي.
لذا وقبل إصدار أي تقويم للحكم على مدى نجاح برامج «صيف البحرين» لا بد من تحديد الهدف الرئيسي، وليس كل الأهداف، الذي انطلقت من أجله أنشطة صيف البحرين، والذي يمكن تشخيصه، كما يمكن لنا استقراءه من البرنامج وكلفة الاشتراك فيه، في «توفير مجموعة من الفعاليات والأنشطة التي تفسح في المجال أمام الفئات المسحوقة وتلك المحيطة بها على قضاء صيف ممتع ومفيد في ربوع البحرين، دون الحاجة إلى السفر، مع ما يعنيه ذلك من كُلف مادية واجتماعية، على أن يتم ذلك دون التفريط باهتمامات ومتطلبات الفئتين الأخريين». لذا فمن يريد أن يقوم برنامج صيف البحرين، عليه أن يراعي أول ما يراعي مدى قدرة تلك البرامج على مخاطبة الفئة الثالثة وتلبية احتياجاتها.
ولكي يكون الجدل صحيا وبناء في آن، لابد له من أن يسير في اتجاهين سمحين ومتكاملين: على من يكتشف أية أخطاء في البرنامج أن يضع ملاحظاته في إطار بناء بعيد كل البعد عن أية تشنجات لا تخدم أهداف صيف البحرين، ولا تصب في إناء تطوير برامجه، وبالقدر ذاته على القائمين على تلك البرامج أن يتمتعوا بالنظرة المستقبلية، وصدارة الرحب التي تأخذ بأية ملاحظات مهمة وجدية، كي تتحاشى الوقوع فيها في برامج «الأصياف» المقبلة.
ولربما من المفيد هنا التذكير، بأنه من المستحيل أن يولد صيف البحرين مكتملا، فهو برنامج حي يمتلك الدينامية التي تضمن له النمو والتطور، وكل ما يحتاج له اليوم، جمهور متعطش لقضاء صيف بحريني ممتع ومفيد، وجهة تنفيذية قادرة على تلمس احتياجات هذا الجمهور وتلبيتها وتحاشي الوقوع في أخطاء يمكن أن تشوه أهدافها.
وبعيدا عن كل ذلك تبقى البحرين بحاجة ماسة إلى صيف، ومسئولية إنجاحه تقع على عاتقنا جميعا.
وباختصار كان صيف هذا العام ناجحا، ونتطلع إلى ما هو أفضل
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2515 - السبت 25 يوليو 2009م الموافق 02 شعبان 1430هـ