العدد 2515 - السبت 25 يوليو 2009م الموافق 02 شعبان 1430هـ

هجمة دبلوماسية على «الشرق الأوسط»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تستعد تل أبيب لاستقبال ثلاثة مبعوثين أميركيين: الأول مندوب عن الخارجية. الثاني عن الدفاع. والثالث عن الأمن.

المندوب عن وزارة الخارجية جورج ميتشل بدأ مهمته منذ فترة وتم تكليفه بمتابعة ملف التسوية في «الشرق الأوسط» على المسارات الثلاثة الفلسطينية والسورية والإسرائيلية ولكنه اصطدم بعقبة حكومة الثنائي نتنياهو - ليبرمان. فالحكومة الإسرائيلية وضعت مجموعة شروط مستحيلة لمعاودة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية (الاعتراف بيهودية الدولة مثلا) وأرفقتها بالإصرار على اعتبار الملف النووي الإيراني يحتل رأس قائمة الأولويات مضافا إليها رفض وقف توسيع المستوطنات وبناء الوحدات السكنية.

المندوب العسكري يتمثل بزيارة وزير الدفاع روبرت غيتس الذي سيتوقف لمدة ساعات في تل أبيب في إطار جولة على المنطقة تحاول استقراء إمكانات تطوير مظلة تعاون إقليمية تعطي أولوية للمسألة الدفاعية وتحد من المخاطر الأمنية المتأتية عن احتمال حصول سباق على التسلح.

المندوب الأمني المستشار جيمس جونز يحمل في جعبته مجموعة ملفات تشتمل موضوع الاستيطان وتأثيره على العلاقات مع إدارة باراك أوباما وموضوع الضمانات الأمنية الأميركية بشأن الملف النووي وتلك التهديدات التي تصدر من بعض الجهات الإقليمية والتعاون الميداني لاحتواء تداعياتها.

هناك هجمة دبلوماسية على منطقة «الشرق الأوسط». والهجمة التي بدأت منذ مطلع عهد أوباما لاتزال حتى الآن من دون محصول ولكنها لم تتوقف عن تكرارها تحت عناوين مختلفة. وإصرار إدارة واشنطن على مواصلة الاتصال والضغط وإعادة فتح الملفات وتدوير أوراق القضايا وخلطها يؤكد التزام البيت الأبيض بتلك الأولويات التي وعد بالتحرك نحو تحقيقها حتى لو ظهرت مخالفات وعقبات تعترض التوجه الأميركي.

ميتشل بدأ جولته الجديدة منذ الخميس الماضي وأخذ يتحرك على المسار السوري - الإسرائيلي من دون تردد. ويؤشر هذا الحراك الأميركي من خلال البوابة الدمشقية على مسألة مهمة وهي استعداد واشنطن لفتح ملف الجولان من دون تحفظات حتى لو اقتضى الأمر تغليب المسار السوري على حساب المسار الفلسطيني الذي يبدو أنه دخل في منطقة وعرة يصعب تجاوزها من دون ثمن سياسي. وتحريك ملف الجولان يحتاج إلى ضوء أخضر من حكومة تل أبيب يشير إلى استعداداها للانسحاب إلى خط الرابع من يونيو/ حزيران 1967. فهل حكومة نتنياهو - ليبرمان جاهزة لهذا الاحتمال؟ الكلام الإسرائيلي لايزال في طور الغموض ولكنه يرسل إشارات تبدي الاستعداد للتفاوض المباشر من دون شروط مسبقة. الإشارات الإسرائيلية ليست جديدة ولكنها كافية لتطمين الإدارة الأميركية بوجود بدائل في حال وصل المسار الفلسطيني إلى حائط مسدود.

بعد ميتشل سيبدأ وزير الدفاع غيتس زيارته غدا (الإثنين) وهي لا تقل أهمية عن جولات الخارجية المكوكية لأنها ستتطرق إلى تطوير منظومة الدفاع وشبكة الصواريخ المضادة للصواريخ وما تقتضيه من تمويل وتدريبات وتجارب لتأمين مظلة تضمن الأمن الحدودي في حال قررت تل أبيب الانسحاب من بعض المناطق في الجولان، وإعادة التموضع في مناطق أخرى في الضفة الغربية.

بعد غيتس يبدأ جونز زيارته على رأس وفد من أجهزة الاستخبارات يوم الأربعاء المقبل برفقة المسئول عن قضايا منطقة «الشرق الأوسط» في مجلس الأمن القومي دنيس روس. وزيارة مستشار الأمن القومي تعتبر الأهم لأنها تأتي بعد انتهاء ميتشل وغيتس من اتصالاتهما بشأن مصير التفاوض والمسارات وتطوير منظومة الدفاع وامتدادتها الإقليمية. وبهذا المعنى تشكل زيارة جونز الأمنية (الاستخباراتية) بمعية روس خطوة باتجاه إعادة ترتيب العلاقات الثنائية بين أميركا و»إسرائيل» في ضوء التوتر المحدود الذي نشأ بين الطرفين في الشهور الأخيرة.

إيران والملف النووي

هناك ملف كبير من الأوراق سيطرحه جونز خلال زيارته لتل أبيب التي تستمر لمدة يومين. والملف يشمل ضبط العلاقات الثنائية، مسألة الاستيطان والمستوطنات (التجميد أو التوسيع)، إطلاق مسار التفاوض مع دمشق على خط مواز للمسار الفلسطيني، أحياء «مؤتمر مدريد» تمهيدا لفتح قنوات التطبيع مع الدول العربية، تعزيز التعاون الأمني في نطاق إقليمي، وأخيرا توضيح طبيعة السياسة الأميركية بشأن ملفات المنطقة وتحديدا غموض مواقف واشنطن من موضوع البرنامج النووي الإيراني والأسلوب المناسب للتعامل معه.

النقطة الأخيرة تعتبر أساسية في العقل الإسرائيلي واستراتيجية الثنائي نتنياهو - ليبرمان. وتل أبيب التي تشرط كل تحركاتها بالملف النووي الإيراني تطالب واشنطن بأن تضع هذا الموضوع على رأس قائمة أولوياتها حتى تستطيع التحرك بوضوح على المسارات الأخرى. عملية الربط هذه تعترض عليها إدارة أوباما التي تعطي الملف الفلسطيني الأولوية لأن حله برأيها يساعد على التطبيع ويقدم ضمانات أمنية متبادلة ويعطي فرصة لواشنطن للتفرغ ومعالجة الملف النووي الإيراني. وبسبب الاختلاف على الأولويات سارعت تل أبيب إلى تسخين مسألة المستوطنات واستخدمتها ذريعة للتفاوض بشأنها مع واشنطن مقابل توضيح الغموض الذي يكتنف الاستراتيجية الأميركية من ناحيتي مخاطبة طهران والتعامل مع ملفها النووي.

حتى الآن أطلق البيت الأبيض أربع أشارات متعارضة باتجاه إيران. الأولى من الرئيس أوباما وتحدثت عن «اليد الممدودة» و«مفاوضات وجها لوجه» والقبول بالنظام والاعتراف به وإبداء الاستعداد لتطوير الحوار الدبلوماسي لمعالجة الملف النووي.

الثانية من نائب الرئيس جون بايدن الذي أعطى الضوء الأصفر لتل أبيب بشأن تهديدها بتوجيه ضربة عسكرية للمواقع النووية. وأرفق بايدن أشارته بتنبيه تل أبيب إلى أنها ستتحمل وحدها مسئولية تصرفاتها وعليها ألا تعتمد على واشنطن في حال اتخذت مثل هذا القرار.

الثالثة جاءت من وزارة الدفاع وشبكات المخابرات المركزية والقيادة الإقليمية للقوات الأميركية العاملة في المنطقة وحذرت فيها تل أبيب من اتخاذ قرار منفرد والتصرف بمعزل عن أخذ مصالح القوى الأخرى في الاعتبار. وجاء التحذير ليشير إلى رفض وزير الدفاع لذاك «الضوء الأصفر» الذي أعطاه نائب الرئيس بسبب الأعباء العسكرية الناجمة عن تداعيات الضربة وما ستنتجه من ردود فعل قد تعرض أمن الجيش الأميركي لمخاطر غير محسوبة.

الرابعة جاءت من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون خلال خطاب ألقته في تايلند إذ أعطت الانطباع بأن واشنطن لا تمانع من توصل إيران إلى إنتاج أسلحة نووية إذا أرادات استفزاز العالم وتحدي دول المنطقة. وأوضحت كلينتون فكرتها حين عبرت عن استعداد الولايات المتحدة لتأمين مظلة نووية دفاعية لحماية الحلفاء ودول الجوار من المخاطر الأمنية الإقليمية. ودفع تصريح كلينتون إلى رد إسرائيلي رفض إقرار أو اعتراف أميركا بحق إيران في تطوير مشروع التخصيب وإنتاج سلاح نووي.

أشارات أربع متعارضة صدرت عن إدارة واشنطن في أقل من نصف سنة بشأن التعامل مع طهران والتعاطي مع ملفها النووي. وشكلت هذه التعارضات في المواقف بلبلة بسبب الغموض الذي يحيط بتوجهات البيت الأبيض. واستدعت تلك الفوضى السياسية مجموعة ردود وتكهنات وتسريبات صحافية وتقارير مشتته لم تستقر نهائيا حتى الآن. فماذا تريد واشنطن؟ القبول بالأمر الواقع والتفاوض من دون شروط. الموافقة على ضربة عسكرية إسرائيلية من دون أوهام أو اعتماد على القوة الأميركية. رفض الضربة بسبب تداعياتها ومخاطرها. وأخيرا عدم الممانعة في إنتاج إيران للقنبلة النووية مقابل مظلة إقليمية للحماية والردع.

التعارضات الأميركية هذه تشكل محاور أساسية في محاضر جلسات الوفود الثلاثة التي أخذت تحط تباعا في تل أبيب. فهناك مندوب عن الخارجية، وبعده عن الدفاع، وأخيرا عن الأمن والمخابرات. والمجموع العام يشكل في النهاية معادلة تفترض من جانب «إسرائيل» التراجع عن برنامج الاستيطان واستئناف التفاوض على المسارين الفلسطيني والسوري مقابل تقدم أميركا من جانبها بشأن التعامل الواضح ومن دون مواربة مع موضوع الملف النووي الإيراني. المجموع العام يحتاج إلى نتيجة صلبة يعتمد عليها للإعلان عن الاستراتيجية الأميركية المنتظرة، فهل تسمع المنطقة بها في الأسبوع المقبل أم يعاد تأجيلها؟ الأمر مرهون بمدى نجاح الوفود الثلاثة في مهماتها الخارجية والدفاعية والأمنية في تل أبيب

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2515 - السبت 25 يوليو 2009م الموافق 02 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً