دخلت أزمة الانتخابات الرئاسية في إيران أسبوعها السابع. وكل أسبوع يمضي تنكشف الأزمة على معطيات جديدة ترسم ميدانيا تلك الخريطة السياسية من الاختلافات في وجهات النظر.
المشكلة الآن تجاوزت مربع «التزوير» وتلك التقنيات الفنية التي اعتمدها وزير الداخلية (محصولي) في فرز صناديق الاقتراع وأعطت محصلة تصويتية أدت إلى تدوير النتائج ورفع الثالث إلى المرتبة الأولى والأول إلى المرتبة الثانية والثاني إلى المرتبة الرابعة والرابع إلى المرتبة الثالثة. كذلك بدأت المشكلة تتجاوز ذاك الانقسام بين السلطة والشارع وانقلاب الدولة على أهلها. الانقلاب حصل وجسور الثقة لم تعد قائمة بعد أن أفرطت الأجهزة في استخدام القوة لمنع قوى الاعتراض من الاحتجاج السلمي كما تنص عليه المادة 27 من الدستور.
المخاوف المتبادلة بين السلطة والشارع انتقلت إلى أجنحة النظام وبدأت تظهر انكسارات بنيوية بين أهل الثورة بسبب بروز قوة «تيار المحافظين الجدد» التي تعتمد على دعم شريحة من «الطفيليات» المستفيدة من «اقتصاد الحرب» وعسكرة التوظيفات المالية في قطاعات الإنتاج الحربي.
قوة «تيار المحافظين الجدد» تأكدت من خلال إصرار رئيس الأمر الواقع محمود أحمدي نجاد على تعيين صهره (مشائي) نائبا للرئيس ضاربا بعرض الحائط كل الاحتجاجات التي صدرت ضد القرار من جناح «تيار المحافظين التقليديين». فالجناح التقليدي وجد في ذاك التعيين تجاوزا للقانون وخطوة استفزازية تحرج المراجع ومراكز القوى. إلا أن «تيار المحافظين الجدد» رفض الاستجابة وأصر على قراره لاعتبارات مجهولة لخصها أحمدي نجاد بألف سبب من دون أن يذكر أو يوضح سببا واحدا. وإصرار رئيس الأمر الواقع على تعيين صهره في موقع «نائب الرئيس» يعطي فكرة عن تلك الضمانات التي يعتمد عليها لحمايته من المراجع العليا وقوى الاعتراض التقليدية.
مشائي يشكل بالنسبة لأحمدي نجاد ذاك الوجه المطلوب لتوجيه رسالة صداقة للغرب وأميركا و «إسرائيل». فهو عمليا يمثل الوجه الآخر أو الحقيقي لسياسة رئيس الأمر الواقع في اعتبار أن الكلام عن «المحرقة» و«الحرق» و«المسح من الخريطة» مجرد بالونات حرارية وقنابل دخانية لشراء الوقت والتغطية على تداعيات ذاك الانقلاب (عسكرة النظام) الذي تدحرجت نحوه الثورة منذ أكثر من أربع سنوات.
ثنائية أحمدي نجاد - مشائي نقطة مهمة تساعد على التقاط تلك الإشارات السياسية التي يتوقع أن تنكشف بوضوح في الولاية الثانية. فالثنائية عضوية تبدأ من قاعدة المصاهرة «الكيماوية» ولكنها تنتشر وتمتد لإعادة فرز الألوان في بنية النظام والضغط باتجاه إخراج «تيار المحافظين التقليديين» من صورة الجمهورية. والتحدي الذي أظهره أحمدي نجاد من خلال تعيينه لصهره في منصب مهم وإصراره على عدم التراجع وتمسكه بالموضوع لألف «سبب» يشير في النهاية إلى معادلة سياسية أخذت تتشكل في بنية النظام ولم يعد بالإمكان كسرها أو تطويعها. وهذا الأمر يرجح وجود كتلة عضوية تدعم من خلف الستار الثنائي «الكيماوي المزدوج» وأخذت تمارس سياسة مستقلة حتى عن المرجعية التقليدية بما فيها مرشد الثورة (تدخل أمس وأمر بإقالته).
هناك خريطة سياسية إيرانية بدأت تتألف ميدانيا بعد الانتهاء من عملية تدوير نتائج الانتخابات الرئاسية. وهذه الخريطة تؤشر إلى نمو تعارضات داخل تيار المحافظين بين التقليديين والجدد. فالقوى التقليدية محافظة وتفضل حماية مكتسبات الجمهورية من خلال تسوية تصالحية بين أجنحة الدولة تحت ظل المرجعية العليا وسقف القانون. والقوى الجديدة عنيفة في تعاملها مع الجيل الأول (المؤسس) وهي تميل إلى القطع مع ماضي الثورة ولا تتردد في استخدام كل الوسائل لكسر تلك التوازنات التقليدية التي تأسست عليها الجمهورية حتى لو اقتضى الأمر خوض مواجهة مع المعسكر المحافظ الذي يعارض سياسات ما يسمى بالقوى الإصلاحية.
القوى الإصلاحية أيضا تعاني من انقسامات وتعارضات وهي في النهاية ليست موحدة وتعتمد أيديولوجيات متناقضة تجمع ما بين توجهات ترفض الجمهورية من الأساس وتطمح نحو الإطاحة بها وبين توجهات ترغب في ضمان استمرار الدولة في إطار جمهوري منفتح ومتسامح ولا يخاف الشارع ولا يستفز المحيط والعالم. وبسبب اختلاف توجهات شرائح قوى الاعتراض في التعامل مع أزمة انتخابات الرئاسة ظهرت تباينات أيديولوجية عند الإصلاحيين في كيفية إدارة الاحتجاج الشعبي الذي أفرزه الشارع على مدار أسبوعين.
الشارع الآن انكفأ إلى حلقاته الضيقة بانتظار ما ستفرزه تفاعلات السلطة من نتائج سيكون لها تموجاتها السياسية في الأسابيع المقبلة. والسلطة أيضا بدأت تعاني من نمو قوة «تيار المحافظين الجدد» وإصراره على تصعيد الأزمة من دون اكتراث للسمعة وتلك المضار التي يمكن أن تنشأ من صعود الثنائي المزدوج (أحمدي نجاد- مشائي) وعدم تردده في بسط نفوذه على مفاصل الدولة ومصادر الثروة.
مشائي حاجة دولية لأحمدي نجاد ورسالة إقليمية تعكس الوجه الآخر (وربما الحقيقي) لتوجهات رئيس الأمر الواقع في ولايته الثانية. ولأن صهر الرئيس يشكل فعلا ذاك الجواب عن أسئلة أميركية وأوروبية (قناة اتصال وتفاوض) بشأن «التخصيب» و «الملف النووي» و «مسح إسرائيل من الخريطة» أصر أحمدي نجاد على التمسك به حتى لو أثار الأمر غضب كتلة المحافظين التقليديين في مجلس الشورى أو تلك المراجع الدينية في مدينة قم.
المشكلة في أسبوعها السابع وهي الآن تخطت مربع «تدوير الانتخابات» ودخلت في إطار سياسي جديد يرسم خريطة تدل على وجود انكسارات في داخل السلطة تؤشر باتجاه نمو قوة صاعدة تتمثل في شريحة من الطفيليات اكتسبت مواقعها وثرواتها اعتمادا على عسكرة النظام و «اقتصاد الحرب». والثنائي المزدوج (أحمدي نجاد - مشائي) الصاعد يشكل الإطار الخارجي لبداية تموضع «تيار المحافظين الجدد» وتحكمه بمفاصل الدولة ومصادر الثروة بغض النظر عن أراء معسكر المحافظين التقليديين والمراجع العليا للثورة.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2514 - الجمعة 24 يوليو 2009م الموافق 01 شعبان 1430هـ
سلم لي على المهنية
في الانتخابات التي جرت في ايران لست مع هذا الطرف او ذاك , ولكن ان ترد هذه الفقرة في المقال وكانها امر مسلم به
( المشكلة الآن تجاوزت مربع «التزوير» وتلك التقنيات الفنية التي اعتمدها وزير الداخلية (محصولي) في فرز صناديق الاقتراع وأعطت محصلة تصويتية أدت إلى تدوير النتائج ورفع الثالث إلى المرتبة الأولى والأول إلى المرتبة الثانية والثاني إلى المرتبة الرابعة والرابع إلى المرتبة الثالثة )
لا استطيغ سوى ان اقول : سلم لي على المهنية