إن ثاني قسم من أقسام الصحة هو الصحة النفسية، ومما لا شك فيه فإن صحة الإنسان النفسية هي من أهم الأمور التي يجب على الإنسان أن يهتم بها ليتمتع بلذائذ الحياة المختلفة، فالإنسان السوي الذي يتمتع بصحة كاملة نفسية وغير نفسية قادر طبعا على رؤية مباهج الحياة ولذائذها والتمتع بثمرها.

ويشمل الاهتمام بصحة الإنسان النفسية سلامته من المجالات الذهنية وحالة العصاب والمشكلات الجنسية الخلقية غير السوية والتي لا تتماشى مع المجتمع والدِّين وتشمل أيضا حال تدني الثقة بالنفس ومحاولة رفعها لتتجدد الروح المعنوية لديه وإعادة بناء شخصية الإنسان وتشمل كذلك الاهتمام بحالات الاكتئاب إلى غير ذلك من الحالات النفسية التي يتعرض لها الإنسان في حياته.

وما هو واضح أن الأضطرابات والأمراض والمشاكل النفسية لا يمكن حصرها بالجنون أو التوتر، فالنفس عظيمة واضطراباتها كثيرة ومتشعبة، منها المرض العصابي الذي قد يكون على شكل قلق (خوف ووسواس) واكتئاب أو هستيريا ومنها المرض الذهاني كالفصام والهوس ولكل من هذه الأمراض أسبابة النفسية والاجتماعية والبيولوجية وما لا شك فيه أيضا أن للعوامل النفسية كالقلق والتوتر والخوف والطموح والحاجة تأثيرها في نشأة بعض الأمراض الجسمية المصحوبة باضطراب وظيفي أو بتلف عضوي وتصيب الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي والبولي التناسلي وجهاز الغدد الصماء والدورة الدموية والقلب كما تشمل بعض الأمراض الجلدية... ومن الأمراض السيكوسوماتية، قرحة المعدة والاثني عشر والتهاب المصران الغليظ والربو وارتفاع ضفط الدم الأساس، ومن أهم العوامل التي تزيد القلق والتوتر هو سرعة إيقاع الحياة الحديثة وكثرة المتطلبات الحياتية مع محدودية الإمكانات وازدياد معدل المتغيرات في المجتمعات وما يستلزمه ذلك من تقبل للقيم الجديدة وضرورة التأقلم على الأوضاع المتجددة والشعور بالفجوة بين الأجيال ومفاهيمها المتناقضة والمعيشة في بيئة قلقة كأنها بوتقة من الأحداث التي لا تهدأ ولا تسمح لأحد باستقرار أو هدوء... كل هذه العوامل تشكل فيما بينها محصلة من الضغوط تعمل عملها في إنسان العصر ما يثير عنده الإحساس بالاغتراب ويدفعه إلى الهجرة الذاتية داخل النفس أو يثقل عليه شعوره بواقعه فيحاول التخفيف من وطأته باستعمال المهدئات أو المنومات أو المنشطات أو المخدرات التي سرعان ما يقع فريسة الإدمان لها.

جعفر عبدالكريم صالح