قلنا في مقال أمس «المالكي يقود العراق بـ7 مقاعد نيابية» إن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي باق في منصبه بسبب اختلاف الكتل البرلمانية لا توافقها عليه، وهو عرف كيف ينجح في استغلال هذه الاختلافات لتساعده في البقاء رئيسا للوزراء.
وإذا كان لابد لنا - كما تحدثنا أمس - أن نبدأ باختيار إحدى الكتل وتحليل مواقفها وإظهار أسباب دعمها للمالكي على الرغم من وجود اختلافات واسعة معه، فإننا سنختار في هذا الجزء الكتلة التي ينتمي لها المالكي وهي الائتلاف العراقي الموحد (شيعية) التي يقودها المجلس الإسلامي الأعلى.
المتابعون للمشهد السياسي العراقي ولا سيما منه الأحزاب الدينية الشيعية يعرفون أن هناك اختلافات عميقة وقديمة بين حزبي الدعوة والمجلس الإسلامي الأعلى يعود تاريخها لأكثر من 20 سنة مضت، وأن هذين الحزبين لم يتمكنا من تجاوز هذه الاختلافات حتى بعد وصولهما للسلطة، لكنهما نجحا في تأجيلها أو عدم تأجيجها أمام الأهداف السياسية التي نادى بها هذان الحزبان ومشتركاتهما الواسعة، فنجح المجلس الأعلى الإسلامي مثلا في تشكيل ائتلاف شيعي كبير ضم كل الكتل الشيعية تحت لوائه وفاز بنحو نصف مقاعد البرلمان العراقي. ومعروف أيضا أن المجلس الأعلى الإسلامي وحزب الدعوة اتفقا منذ البداية على تقسيم السلطة داخل هذا الائتلاف بحيث منحت للأول قيادة الائتلاف وللثاني قيادة الحكومة.
طبعا في حينها لم يكن حزب الدعوة يمثل نفسه فقط كما هو الحال الآن بل كان يمثل دعما غير محدود من الكتلة الصدرية (30 مقعدا) وتأييدا من حزب الفضيلة (15 مقعدا)، أي أنه كان يشكل نحو نصف كتلة الائتلاف لحظة فوزها بالانتخابات البرلمانية السابقة نهاية العام 2005.
وعلى رغم تحول حلفاء الأمس داخل الائتلاف الشيعي (حزب الدعوة – الكتلة الصدرية – حزب الفضيلة) إلى خصوم بعد عملية صولة الفرسان التي أطلقها المالكي نهاية مارس/ آذار الماضي، وبدء الانشقاق داخل حزب الدعوة نفسه، لم يطرح المجلس الأعلى مسألة سحب الثقة من المالكي الذي كما أسلفنا لا يمثل أكثر من سبعة مقاعد برلمانية من أصل 275 مقعدا، على الرغم من شعور «المجلس» أن «الدعوة» بدأ يحصد نجاحات خاصة أضافت لرصيده الحزبي لا الكتلوي، من خلال تحقيق الأمن على مستوى العراق، بالإضافة إلى نجاح الدعوة بخلق قواعد شعبية داخل المحافظات الجنوبية التي يسيطر على معظم حكوماتها المحلية المجلس الأعلى عن طريق تشكيل مجالس الإسناد من عشائر الجنوب والوسط وهي مجالس رديفة بمجالس الصحوات في المحافظات والمناطق ذات الغالبية السنية، ولتبدأ بعدها مرحلة بناء قواعد مساندة للمالكي وحزبه تحت شعار سياسة حكومية اسمها «فرض الأمن» في كل المحافظات العراقية.
وعلى رغم أن المجلس الإسلامي الأعلى الذي مازال يقود الائتلاف العراقي الموحد يعرف أن أية انتخابات محلية أو برلمانية قريبة ستحقق للمالكي ولحزبه (الدعوة) نصرا كبيرا يغطي على معظم الأحزاب الشيعية في العراق، مثلما يعرف أن الحكومات المحلية التابعة لـ «المجلس» في معظم المحافظات في الوسط والجنوب لم تحقق شيئا على صعيد توفير الخدمات للمواطنين وأن هذا الإخفاق أضر كثيرا بصورته الانتخابية، إلا أنه يعرف أيضا أن فسخ التحالف مع المالكي الصاعد شعبيا سيكلف الائتلاف خسارة من المستبعد المغامرة بنتائجها، وخصوصا بعد أن صار من الصعب إعادة كتلتي الصدر والفضيلة إلى حاضنة الائتلاف العراقي الموحد.
تحالف المالكي – المجلس الإسلامي الأعلى باق مادامت البدائل أمام الاثنين غير واضحة، وأن تغيير تحالفهما سيظل مؤجلا لحين تبدل الخرائط السياسية التي ستظهر ملامحها الأولية في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة، وحينها سيكون لهما حديث لكل حادث
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2221 - السبت 04 أكتوبر 2008م الموافق 03 شوال 1429هـ