العدد 2221 - السبت 04 أكتوبر 2008م الموافق 03 شوال 1429هـ

أميركا - إيران والمسار التفاوضي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إلى أين تتجه الاتصالات الأميركية - الإيرانية؟ هناك أجوبة متعارضة في متابعة مسارها التفاوضي تتراوح بين احتمال توجيه «ضربة» قبل مغادرة جورج بوش البيت الأبيض في مطلع يناير/ كانون الثاني 2009 وبين احتمال إعادة فتح السفارتين في واشنطن وطهران. التعارض المذكور بين مواجهة عسكرية وبين تبادل السفراء وعودة المياه إلى مجاريها الدبلوماسية والسياسية يكشف في النهاية عن وجود ضعف في المعلومات ومدى صحة تلك التسريبات المخابراتية والتقارير الصحافية التي تشير إلى وجود تقدم متسارع في العلاقات الثنائية.

تضارب المعلومات وعدم وضوح الطبيعة السياسية لتلك اللقاءات «الفنية» و «التقنية» بين الطرفين وغموض تلك الرسائل المتبادلة التي تنقلها قنوات ثالثة ألقت بثقلها على الجانبين ومنعت تسرب الأخبار عن مضمون الاتصالات والتوافقات.

هناك الكثير من الإشارات والغمزات والتصريحات أطلقت في الفترة الأخيرة وتحديدا بعد وصول محمود أحمدي نجاد إلى منصب رئاسة الجمهورية بصورة غير متوقعة في العام 2005. وعلى عكس كل القراءات المتسرعة فإن العلاقات الأميركية - الإيرانية قطعت خطوات متقدمة من التحسن بعد وصول أحمدي نجاد إلى السلطة. فالرئيس الإيراني أطلق موجات من الصواريخ الحرارية (البخارية) ضد الولايات المتحدة و«إسرائيل» مرفقة برسائل من تحت الطاولة تبدي الاستعداد للتبادل والتفاهم والتوافق على ملفات إقليمية مشتركة. والكلام الايديولوجي الثقيل العيار الذي كان يطلقه أحمدي نجاد عشوائيا من دون رقابة وانتباه تلقته المراجع الأميركية - الإسرائيلية بطيبة قلب ورحابة صدر إلى درجة اعتبرته تلك الدوائر بمثابة «هبة من السماء» أعطت ذريعة غير مقدرة بثمن للنشاط الدبلوماسي الذي كانت تبذله واشنطن وتل أبيب لإقناع العواصم الأوروبية المترددة في سياستها. فالدوائر تعاملت مع تصريحات الرئيس الإيراني النارية (الحرق والاقتلاع والتدمير والتحطيم) وكأنها منحة سماوية ساهمت في تذليل الكثير من العقبات والحواجز.

هذا التعامل الإيجابي والتفهم النظري والتقبل الموضوعي لكل ذاك الكلام جاء لاحقا ليكشف عن وجود سياسة أخرى يتم تمريرها اعتمادا على قنوات غير مرئية تعمل خلف الكواليس. فالرئيس الإيراني منذ وصوله إلى موقع الرئاسة أسقط الكثير من «الممنوعات» و«المحرمات» السابقة وفتح الأبواب الخلفية لدخول وخروج الوفود الأميركية التي تعمل على الخطين انطلاقا من أنشطة ثنائية تقوم بها «لوبيات» مباشرة أو بالواسطة. وترافقت اتصالات «اللوبيات» وأنشطة الوفود والشخصيات الأميركية (من أصول إيرانية) في تحسين العلاقات وضبطها تحت سقف المصالح المشتركة أو المنافع المتبادلة.

من المبكر التوصل إلى استنتاجات متسرعة والقول إن القصف الايديولوجي الذي صدر عن الرئيس الإيراني كان مناورة إعلامية للتشويش على الرادارات يقابله قصف ايديولوجي يصدر تباعا عن الرئيس الأميركي للتغطية على مهمات الوفود وتبادل الرسائل من القناتين العراقية - الأفغانية المعطوفة على تلك اللقاءات المباشرة والاجتماعات التي عقدها أحمدي نجاد مع وفد من «البنتاغون» في بغداد حين قام بزيارته الشهيرة إلى عاصمة الرشيد.

هذا القول يحتاج إلى أدلة دامغة للتأكد من صحته. ولكن الوقائع الميدانية تشير إلى وجود توجهات عملية تعاكس كل تلك التصريحات اللفظية والقنابل الدخانية. حتى يتوضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود لابد من الانتظار لترتسم طبيعة تلك النغمات الغرامية التي تصدر عن أقرب الناس إلى أحمدي نجاد.

صهر الرئيس ونائبه

الكلام الذي أطلقه صهر الرئيس الإيراني ونائبه بشأن إعجابه بالولايات المتحدة وصداقته للشعب الإسرائيلي ليس زلة لسان أو خطأ في التقدير أو الترجمة. فالتصريح مدروس ودقيق في منطقه التحليلي لأنه أكد على نقطتين مهمتين: الأولى أن الولايات المتحدة ليس لها مصلحة في توجيه ضربة عسكرية لإيران. وهذه النتيجة توصل إليها صهره أحمدي نجاد حين أعلن مرارا أنه متأكد مئة في المئة من أن واشنطن ليست بصدد توجيه ضربة عسكرية. والثانية أن إيران حاجة أميركية وهي لا تستغني عنها في استراتيجيتها الكبرى. وهذه النتيجة توضح ما نقل عن واشنطن وتل أبيب من كلام يعتبر تهديدات القيادة السياسية الإيرانية بمثابة منحة سماوية أو «هبة من المساء» لأنها خدمت بطريقة غير مباشرة الدبلوماسية الأميركية في أوروبا (نشر درع الصواريخ مثلا).

تصريح صهر الرئيس ونائبه حتى الآن، ليس سحابة صيف تتبدد بعد عاصفة غبار وإنما جاءت بناء على تراكمات تمظهرت خطوطها العريضة من تلك اللقاءات وتبادل الرسائل اعتمادا على القناتين العراقية (جولات السيد عبدالعزيز الحكيم وتنقلاته بين طهران وواشنطن) والأفغانية (التنسيق الميداني في ضبط الحدود) وغيرها من غرف «سرية» واجتماعات غير منظورة.

«إيران حاجة أميركية» تعتبر إشارة ذكية صدرت عن مسئول إيراني للقول إن واشنطن تستخدم القوى الإقليمية في اتجاهات متضاربة ولكنها في النهاية تتلاقى في إطار مصلحة مشتركة. وهذا يعني أن إدارة بوش نجحت في توظيف التصريحات «البخارية» التي هددت الجوار العربي بالحرق والدمار وزعزعة الاستقرار لمصلحتها حين استخدمتها إعلاميا لتخويف دول المنطقة العربية والخليجية وتحطيم جسور الثقة وتعطيل إمكانات التفاهم الجواري على سياسة أمنية تساهم في تقريب وجهات النظر الإقليمية. فالحاجة الأميركية لإيران لم يتحدث عنها مشائي (صهر الرئيس ونائبه) عن عبث وإنما جاءت لتوضح أن الاستراتيجيات التي تعتمدها الدول الكبرى لا تغرق في التفصيلات الكلامية وإنما تتأسس بناء على المصالح. ومصلحة واشنطن الآن تفكيك التقارب الإقليمي وتعطيل التفاهمات وتشتيت الانتباه وتوزيعه على جبهات من الأعداء وخلق عداوات وافتعال فتن (طائفية ومذهبية) حتى لا يتركز النشاط العربي - الإيراني على جبهة واحدة: «إسرائيل». وبهذا المعنى الاستراتيجي تصبح «إيران حاجة أميركية» لكون تصريحات قيادتها السياسية العشوائية تلعب دور التفكيك من حيث تدري أولا تدري. فهي تهدد كلاميا كل الدول والقوى من دون تمييز وتكشف يوميا عن برامج صواريخ متطورة وبعيدة المدى وطائرات (شبح) لا يكشفها الرادار وقنابل انشطارية وغواصات ذكية وأقمار اصطناعية وفي الآن تبدي استعدادها للتفاهم ورغبتها للمساعدة وترتيب الملفات الإقليمية في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين.

هذا التعارض بين التخويف وإبداء الرغبة ليس تعارضا في الجوهر الدبلوماسي لأنه يقدم مجموعة خدمات سياسية للتعارف والتداول. فهو من جهة يؤكد قوته ومن جهة أخرى يشير إلى عدم ممانعته في استخدام قوته لأغراض متخالفة. وبين الاحتمال الأول والثاني تأتي التجارب الميدانية والرغبة في المساعدة على ترتيب الملفات الإقليمية لترجح أحد الاحتمالين.

مشائي (صهر الرئيس ونائبه حتى الآن) أوضح الكثير من زوايا الصورة الغامضة وألقى الضوء على تلك التعارضات التي تتراوح بين توجيه «ضربة» أو فتح سفارة قبل مغادرة بوش مكتبه البيضاوي. فكلامه رجح احتمال عودة المياه إلى مجاريها والتبادل الدبلوماسي انطلاقا من نظريات الحاجة والدور والوظيفة. وهذا أيضا ما بدر عن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس حين تحدثت عن المصلحة وأن الولايات المتحدة ليس لديها أعداء إلى ما لا نهاية. فالعدو صديق من جانب والصديق عدو من جانب آخر وذلك بحسب ما تقتضيه المصلحة (الحاجة، الدور، الوظيفة).

سؤال «إلى أين تتجه الاتصالات الأميركية - الإيرانية» أخذ يقترب رويدا للوصول إلى إجابة واضحة. والتصريح الذي أدلى به الرئيس الإيراني مباشرة إلى صحيفة «غارديان» البريطانية الخميس الماضي تجاوز إشارات صهره ونائبه (مشائي) حين أبدى استعداده للاعتراف بـ «إسرائيل» إذا اتفقت القيادة الفلسطينية على «حل الدولتين». أحمدي نجاد وضع الكرة في سلة الشعب الفلسطيني وهذا ما كان يفعله دائما في تصريحاته النارية حين كان يؤكد «أن الشعب اللبناني سيدمر إسرائيل» أو «أن الشعبين اللبناني والفلسطيني سيحرقان ويقتلعان إسرائيل». فالرئيس الإيراني دقيق في تصريحاته وهو دائما يجنب طهران المسئولية ويرمي الكرة في الملعبين اللبناني والفلسطيني. وهذا ما ظهر ميدانيا خلال العدوان الأميركي - الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006 إذ لم يحرك ساكنا خلال حرب الدمار التي استمرت نحو 34 يوما.

كلام أحمدي نجاد عن «الاعتراف» ليس جديدا لكونه اعتُمد ميدانيا في أكثر من مناسبة. ولكن في فضاء تشوبه التعارضات يمكن اتخاذه إشارة لتنوير الغامض من زوايا الصورة وخصوصا أنه جاء بعد الإعلان عن موافقة رسمية أميركية على فتح مكتب لمركز أبحاث يرعى تحسين العلاقات الثنائية. وفتح مكتب لـ «المجلس الأميركي الإيراني» ليس أمرا غريبا في علاقات الدول العادية وإنما في الحال الملتبسة التي تشهدها الاتصالات واللقاءات الثنائية بين الطرفين يمكن اعتباره مجرد رأس جبل جليد لا يستبعد تذويبه على نار حامية قبل خروج بوش من البيت الأبيض

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2221 - السبت 04 أكتوبر 2008م الموافق 03 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً