على خلفيات التمترس الطائفي واستمرار البعض في السعي للنفخ في نار الفتنة الطائفية عند كل منعطف وإشكال حتى لو كان شخصيا أو عابرا تثير لدى الكثير من المهتمين بالشأن العام ووحدة الوطن وقواه الفاعلة الكثير من الهواجس.
ولقد كان لي حوار أخيرا مع أحد الفعاليات الوطنية على خلفية إشكال الحالة وتداعياته، وما هو المطلوب من القوى الحية والفاعلة في هذه الوطن للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة للحيلولة دون نجاح محاولات البعض لتعميقها وتكريسها من منطلق مصالح واستحقاقات انتخابية وتنظيمية وفئوية.
والحقيقة إن مطالبة عدد من السياسيين والناشطين من القوى القومية والليبرالية والتقدمية عبر الصحافة أخيرا بضرورة إيجاد حوار وطني جاد ومنفتح بين جميع القوى السياسية المحلية للخروج من مأزق الطائفية والتعصب والوصول إلى تحقيق الوحدة الوطنية بين جميع أفراد المجتمع والقوى الموجودة فيه يتجاهل حقيقة لا جدال حولها وهي أن بعض قوى الإسلام السياسي ليست مؤهلة بحكم مرجعياتها الفكرية والتنظيمية للتصدي لهذه المشكلة ودع عنك حلها. فهذه القوى منخرطة بوعي وإدراك أو من دون وعي في تحقيق وتنفيذ أجندة المشروع الأمروصهيوني لبلقنة المنطقة وتفتيتها إلى دول طائفية متحاربة ومتصارعة بدعم من قوى إقليمية لا تدرك مدى خطورة المشروع القديم والجديد في الوقت نفسه (فالمشروع هو أحد اقتراحات وحلول طرحها بن غوريون والصهيونية العالمية منذ عقود) حتى على مواقعها ودولها وحكوماتها.
وإلا فما الداعي إلى إسقاط خلافات اجتهادية وفقهية حدثت منذ 14 قرنا على واقعنا ومجتمعاتنا ونحن جميعا ندرك ونردد يوميا أن الوحيد الذي يمتلك الحق والقدرة في الحكم عليها هو الله سبحانه وتعالى يوم الحساب. فالإنسان وهبه الله سبحانه وتعالى العقل والحرية في كيفية ممارسته لعلاقته مع ربه وباريه, واختيار ما يتناسب مع تفكيره من أحكام الفقهاء واجتهاداتهم وفتاويهم. وبالتالي فإن اختياره لمذهبه هو إحدى خياراته التي لا يحق إلا للباري عز وجل محاسبته عليها. والفقهاء والعلماء هم في النهاية بشر يمكن أن يصيبوا أو يخطئوا في تلك الأحكام والاجتهادات والفتاوى.
ولقد ذهب البعض في تحليله لأصل الخلافات والصراعات التي تلت اجتماع السقيفة إلى أنه بالأصل خلاف قبلي سياسي لمحاولة انتزاع السلطة والحكم من قبل بني أمية من بني هاشم, الذي بعث رسول الله ونبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين منهم. بل وخلال نهاية الستينيات هناك من ذهب أبعد من ذلك في هذا الموضوع من خلال بحث نشر في مجلة روزاليوسف صنف الخلاف على أنه خلاف طبقي بالأساس.
أقول إن قوى الإسلام السياسي غير مؤهلة لا لمناقشة ولا لمعالجة هذه القضية لأنها بالأصل ومن خلال مرجعياتها وفكرها وممارساتها تمثل أحد أسباب هذه المشكلة, بل وتشارك في خلقها وتعميقها. وهي بالأساس تستغل التمترس الطائفي من أجل استحقاقات ومكاسب سياسية وتنظيمية وانتخابية وحزبية.
ونظرة سريعة على المساعدات التي توزعها الصناديق الخيرية التابعة لبعض هذه القوى ستكشف لنا بأنها توزع من دون دراسة وتحقيق في كل حالة ومدى حاجتها. وهي بالأساس توزع على مناصريها من أجل تلك الاستحقاقات والمصالح.
وهنا نرى أنه من الضروري أن يتم اخضاع تلك الجمعيات الخيرية لديوان الرقابة لمعرفة كيفية تصرفها بهذه الأموال والتي هي بالأساس جزء من المال العام المخصص للفقراء والمساكين والمحتاجين.
نعود لموضوع الطائفية التي أرى أن الحل يكمن في مصارحة حقيقية ومشاركة فعالة من القوى الديمقراطية والتقدمية والليبرالية والناشطين في هذا المجتمع للتصدي لها. بل والتصدي عبر قانون يجرم كل خطاب أو ممارسة تعمل على إذكائها أو النفخ في نار فتنتها. وكأنه لا يكفينا قبلنة الدولة حسب تحليل رئيس تحرير «الوسط» منصور الجمري في أحد مقالاته الأخيرة والتي أتفق معها جملة وتفصيلا فنسعى إلى مزيد من التشطير والتشرذم لقوى المجتمع فيها.
وعلى قوى الإسلام السياسي أن تعود في خطابها وممارساتها إلى روح الدين الإسلامي وأحكام القرآن ومنهجه، وأن تتخلى عن مقولة الفرق الناجية فالله سبحانه وتعالى وحده يعلم ما في القلوب وحقيقة البشر ويقيم أعمالهم ويثوبهم عليها. وليتذكروا قوله سبحانه وتعالى «ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا» (النساء 49). وقوله تعالى «إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» (الأنعام: 117)
إقرأ أيضا لـ "عبدالمنعـم الشـيراوي"العدد 2221 - السبت 04 أكتوبر 2008م الموافق 03 شوال 1429هـ