يشارك الحيوان الإنسان في الحس والنفس الغاذية والمولدة والنامية ويمتاز الإنسان عنه بالقوة الفكرية (ص45). وكل ما يوجد للإنسان بالطبع فهو باختيار. والأفعال الإنسانية الخاصة به هي ما يكون باختياره. وكل ما يفعله باختيار هو فعل إنساني. والاختيار معناه الإرادة الكائنة عن روية. والأفعال عموما بهيمية وإنسانية. وأفعال الإنسان هي بهيمية من جهة وإنسانية من جهة أخرى (ص 46-47). والنفس البهيمية سامعة ومطيعة للنفس الناطقة. لذلك انقسمت الأفعال عنده إلى ثلاثة أنواع: الفعل الجمادي (اضطرار لا اختيار فيه)، والفعل البهيمي (من أجل لا شيء، وهو تلقائي)، والفعل الإنساني (من أجل غايات). (الرسائل ص48).
يرى ابن باجه أن الروح هي النفس كما جاء في «لسان العرب» وهي ثلاثة أنواع: طبيعية، حساسة، محركة. وصورها أربع: الأجسام المستديرة، العقل الفعال والعقل المستفاد، المعقولات الهيولانية، الحس المشترك وهي الموجودة في قوى النفس (التخيل، الذكر) (ص49). وهناك ما هو مدرك بالبصرأو مدرك بالحس وأيضا هناك الموجود بالحس والموجود بالتخيل والموجود في الذكر والموجود في النطق (ص51). وهناك ما يدرك بالحس مثل اللون للبصر أو الصوت للسمع وهناك ما يدرك بالظن (الفكر، التخيل) وهي الصور وتكون ظنية أو يقينية. وأحيانا تجتمع ما للقوة الفكرية مع قوة الذاكرة (الرسائل ص56).
تشبه الحالات الجسمانية أو النفسية الفضائل فهي تكون جسمانية أو نفسانية أو فكرية أو نقائص. ومنها صنف آخر وهي الأمور المكتسبة وهي على أصناف: صنائع، قوى، أخلاق، قوى فكرية وأفعالها. ومنها صنف آخر مثل النسب وتنقسم إلى جيدة وخبيثة (ص61). والحس المشترك هو أقل المراتب الروحانية، والقوة الذاكرة هي أقصى مراتب الصور الروحانية الخاصة (ص62). وعليه يعتبر ابن باجه سائر المدن الأربع ناقصة و«أفعال الإنسان كلها، إذا كان جزء مدينة، فغايته المدينة. وذلك إنما يكون في المدينة الفاضلة فقط» (ص62). وتكون سير الأمة (أخبارها) إما من طريق «حفظ الأقاويل الموروثة (...) وإما أن يكون الفاعل غريبا معجبا فيتداوله الناس لإعجابه (...) (ص66). وهناك ما يصنعه الأفاضل «لا لينالوا به الذكر بل لأجل كمال العمل» (ص67). وأكمل الأعمال هي الروحانيات وهي كثيرة «كالتعليم والاستنباط وما جانس ذلك» (ص67).
تبدأ الأزمة عند ابن باجه حين تتوافر كل هذه الشروط والفضائل في المتوحد من «دون المدينة الكاملة». فالمتوحد هو الإنسان السعيد و«كل سعيد فهو روحاني صرف» (ص79) وبما أن المدينة تشتمل على الصورتين الجسمانية والروحانية يجد المتوحد نفسه في غربة. وسواء «كان الفرد واحدا أو أكثر من واحد» فإن هؤلاء هم «الغرباء» لأنهم و«إن كانوا في أوطانهم وبين أترابهم وجيرانهم، غرباء في آرائهم، قد سافروا بأفكارهم إلى مراتب أخر هي لهم كالأوطان» (ص43). وبسبب أزمة التفاوت بين المتوحد (الفرد أو مجموعة أفراد) والمدينة (الناقصة) يبدأ تدبير المتوحد ودوره المدني (الاجتماعي).
يلخص ابن باجه رأيه الفلسفي في «رسالة الوداع» كان وجهها إلى تلميذه (الوزير لاحقا) ابن الإمام بناء على طلب الأخير وإلحاحه عليه الإجابة عن بعض الأسئلة. وفي الرسالة حاول ابن باجه تبسيط وجهة نظره الفلسفية عن أزمة المتوحد وشرحها باختصار لتلميذه متناولا فيها بعض القضايا الخلافية على مسائل الحركة والمتحرك والمتحرك من دون محرك، فيذكر له أن اللقاء يكون بحركة من جهة أو بحركتين. وكل متحرك هو منقسم بالضرورة وإلا لم يتحرك. وكل متحرك له محرّك، والمحرّك قد يكون جسما أو لا يكون وصولا إلى المحرك الأول الذي يتحرك من دون محرّك. وكل محرك أول يحرك بالآلة ولا يحرك من دون آلة (الرسائل، ص115). فالبدن مثلا مؤلف من آلات وكل جسم مؤلف من جزءين إرادية وطبيعية. والمحرك الأول الذي فينا مؤلف من خيال ونزوع، والنزوعي يعبّر عنه بالنفس. فالإنسان كسائر الحيوان مؤلف من ذلك المحرك الأول (الطبيعي) ثم يأتي الإرادي وهو منقسم إلى درجات أو أصناف وهي بدورها تختلف وتتعارض. والإرادة مثل العلم، الذي هو أفضل الأشياء الإنسانية، عبارة عن لذة وهو أصناف «بعضها يتقدم بعضا في الشرف» (ص120). فالعلم له لذتان (السمع والبصر). ويعلق على نظرية الإمام الغزالي وينتقد رأيه بإمكان الوصول إلى العلم بطرائق مختلفة من طريق السماع حين يغلب السمع (الأذن) على البصر (العين) بينما يأخذ هو بالحواس كلها من طريق الانفعال.
وبما أن الانفعال عند ابن باجه هو تغيّر وكل متغير هو منقسم أخذ بنظرية الحواس الأربع وصلتها بمنافع الناس ولذاتهم. وبرأيه، ولهذا السبب، أعرض الناس عن الفلسفة (العلوم النظرية) وفضلوا العلوم العملية «لأنهم يرون أن لها منفعة ما» (ص123). وعلى هذا ربط ابن باجه المنفعة بالعلم وانتقد مجددا الإمام الغزالي وموقفه من غاية العلم ونظرية العلم الإلهي وصلة العلم باللذة. فالتطور عنده ناتج عن الانفعال وتضاده. والتضاد على أنواع. فهناك تضاد بين القوة العقلية والقوة الغضبية والقوة الشهوانية وهي تتمثل في التضاد بين القوتين الفكرية والنزوعية أو التشوق الخيالي والتشوق الفكري (الرسائل، ص125). ومنها يشرح مفهومه لمعنى الإجماع ورأيه بعلم النفس وعلم الاجماع، ليصل إلى القول إن المحرك هو الرأي والخيال والمتحرك هو الجزء النزوعي. و«المحرك موجود فهو موجود، والمتحرك قوة، والقوة لا موجودة» (ص127). ومشكلة «الإنسان الكامل الفطرة هو الذي فطر على أن يكون لنفسه» (ص128) وإذا حاول أن يكون لغيره يبدأ التضاد أو الاختلاف بين غايات إنسان وآخر. ولا يقتصر الاختلاف على الغايات بل أيضا على اللذات. و«اللذة بما توجد في زمان فقد يقال عليها متصلة» لأن السرمد متصل والحركة الدورية متصلة. ولا تكون اللذة إلا عندما يكون الموضوع الأول لها موجودا كالحس. فالجوع مثلا يتقدم الأكل والعطش يتقدم الشرب (ص129) فالثاني (الأكل والشرب) لا يحصل من دون الأول (الجوع والعطش).
بهذا المعنى انقسمت اللذة إلى فئتين: الملموسات (الأكل والشرب) والمعقولات (العلوم، التخيل، السمع، والبصر) وهو الأرقى والأشرف وصولا إلى العقل الفعال القادر على التخيل فإن «الظن يمكن أن يستحيل فتستحيل اللذة التابعة له» إلا العلوم لأنها يقين وزوالها مرتبط بالنسيان. والعلم الأٌصى هو تصور العقل وهو «وجود العقل المستفاد لا يمكن فيه النسيان» (ص130) لأن المعقول خلاف العقل كذلك العالم غير المعلوم. ولذلك تكون الفضائل هي الغاية القصوى للإنسان. وهي شكلية وفكرية. والفكرية على ضربين عملية (المهن، تجارة، طب، وخطابة) ونظرية وهي الحكمة (العقل) حين يكون العلم النظري هو «المحرك الأول بالحقيقة» (ص137).
من هذا المنظور الفلسفي يدخل ابن باجه إلى معنى «تدبير المتوحد» في المدن غير الفاضلة (وهي المدن الناقصة) وطموح السعداء (الغرباء في وطنهم) وعجزهم عن تطوير المدن إلى كاملة. فهم يعيشون على هامشها بينما الرئيس (الملك) هو مدبر المدينة وهو عادة يكون على صنفين: فإما أن يقدّر أفعال المرؤوس «ليبلغ المرؤوس غرضه الذي يقصده بتلك الأفعال» أو «قد يقال أيضا على المستعمل لغاية إنسان ما توطئة له في غرضه» (ص131). ويعطي مثال الفرس (الحصان) واللجام للتدليل على اختلاف الوضعين في علاقة الرئيس بالمرؤوس. ففي الوجه الأول يعطي الرئيس «السنّة ويقدر الأفعال بها، والمرؤوس ينفذ تلك الأفعال بتلك الشرائط التي سنّها الرئيس». وفي الوجه الثاني «فإن الفارس واللجّام لهما اللجام، لكن ذلك على أنه غاية له وهذا توطئة له» (ص132).
المسألة إذا خارج إرادة «المتوحد» وهي خاضعة لمزاج «المدبر» الرئيس وسياساته، الأمر الذي يزيد من أزمته. فالمتوحد لا يحب صحبة الجسماني (أهل اللذة) ويميل إلى صحبة الروحاني (أهل العلوم) إلا أن «أهل العلوم يقلّون في بعض السير (المدن) ويكثرون في بعض، حتى يبلغ في بعضها أن يعدموا. ولذلك يكون المتوحد واجبا عليه في بعض السير أن يعتزل عن الناس جملة ما أمكنه (...) أو يهاجر إلى السير التي فيها العلوم، إن كانت موجودة» (ص90).
وبما أن الإنسان مدني بالطبع وعلومه مدنية يصبح «الاعتزال شرّ كله» وبات على المتوحد أن يتعايش مع الأحوال ويتجنبها لأن هذه الأحوال «هي ضرورة أمراض وهي خارجة عن الطبع» (ص91). وعليه أيضا مكافحتها من خلال الأفعال الإنسانية «التي تضاف إلى المتوحد ويمكن أن يفعلها» (ص92).
يشرح ابن باجه لتلميذه ابن الإمام مأزق الإنسان العاقل (المتوحد) في رسالة «اتصال العقل بالإنسان» ويبدأ بالاعتذار عن تقصيره في الإجابة عن أسئلته بسبب «ضيق الوقت والانشغال» (الرسائل، ص155). ويباشر في توضيح مفهومه للواحد وأصنافه وصوره وأعداده (الواحد بالعدد) لكنه ليس واحدا. ففي الإنسان ثلاثة محركات والمحرك الأول الإنساني هو العقل بالفعل، والعقل بالفعل قوة فاعلة. لكن العقل ليس بواحد (العقول كثيرة وواحدة). فهناك مراتب ومنازل بين البشر من ناحية اتصالهم بالمعقول (ص164). وأول المدركات عنده هو الحس الجزئي وآلة العقل تدرك وفي الآن يدرك العقل «إدراكه بقوة واحدة» (ص109). وهنا يكمن الفارق بين البصر (النظر) والبصيرة (العقل والتخيل) من زاوية اختلاف المبصر في الضوء والمبصر في الظلمة (ص138). أما المراتب التي لا تدركها الفكرة يدركها الشرع. فالشرع يكمل ما ينقص العقل، وبه يتصل العقل بالشريعة. فإذا كان محرك النفس هو الانفعال (الشوق إلى المعرفة) فإن كل «فعل لم يدرك به الغرض المقصود فهو عناء» (ص124). وعناء المتوحد يبدأ في لحظة افتراق وعيه عن المجتمع المدني فتحصل العزلة حين لا يدرك غيره ما هو المقصود بعلمه.
يحل ابن باجه أزمة المثقف (غربة المتوحد) من خلال تحديد الغاية الإنسانية للمعقولات والحركات والموجودات من خلال فكرة الزمان واختلاف الغايات. برأيه أن «القوى الفاعلة والمنفعلة» هي «سبب للوجود، وبها يكون الشيء موجودا» (ص100). أما «من يفعل عن الرأي، فهو إنما يفعل من جهة ما هو إنسان» (ص101). كذلك الغايات فهي بدورها مختلفة بسبب اختلاف طبائع الناس. حتى الرئيس والمرؤوس فهي برأيه علاقة ناتجة عن اختلاف الطبع. إلا أن الغاية الإنسانية واحدة، وهي الرئيسية، وكل غاية سواها فهي خادمة (ص101). والإنسان - الرئيس هو من كان معدا لهذه الغاية. فهي برأيه طبع تولد مع الإنسان.
لأن الغايات ليست واحدة يحيل ابن باجه الأزمة إلى الزمن ويصبح عمل المتوحد (المثقف) هو التوسط (الوسيط) مثله مثل النجار الذي يضرب بالقدوم على الخشب فعمله ليس «تكريرا بل جزءا من الفعل» (ص103). وغير ذلك من مهمات يصبح من تدبير الدائم وهو المطلق وغير الزمني. فالدائم «من جهة الزمان غير دائم، أما الدائم فهو الذي لا يشمله زمان، وهو دائم بنفسه لا بأن زمانه دائم، وأخلق الأشياء الدائمة بالدوام هو الله تعالى، وهو معطي الدوام» (ص104).
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2513 - الخميس 23 يوليو 2009م الموافق 30 رجب 1430هـ
السفر و الورثة
اريد ان اعرف انه نحن مسافرون لكي نعرف انه لنا ورثه على طلب اعمامنا لانه قالو لنا عن طريق اتصال هاتفي انه لنا مبلغ من المال حصة لنا من الورثه ولكن نحن لا ندري ما هو المقصود لانه يوجد هناك خلافات بين الاعمام وبنخاف انهم يوخدو ورثتنا والله يعلم يضحكو علينه والا لاء مش عارفين شو نعمل وبالنسبه للسر يا ترى هل احنا حنطلع او لا وشكرا الك
لقد احترت كثيرا فهل من مجيب؟؟؟؟
لدى بعض الناس قوى خفيه لا اعرف مصدرها
مثل :ان يكون قادرا على تحريك الاشياء بمجرد النظر اليها ؟؟؟؟
فهل ياترى هم سحره ؟ام اناس طبيعيون لديهم قوى خارقه؟
اتمنى من كل كل قلبي ان اعرف سر هذه الظواهر.