بقي أزهار حسين، أثناء وجوده في سراييفو لتسلم جائزة «رجل السلام العامل» لعام 2006 في مركز تاننباوم للتفاهم عبر الديانات، بقي صاحيا حتى ساعة متأخرة كل ليلة يتحدث مع سائقي سيارات التاكسي المحليين. إضافة إلى تقديره للقصص الجيدة، تحادث معهم وهو يؤمن بأن الأسلوب الأفضل لفهم الثقافة والدين والتقاليد هو التكلم مع الناس والتعلم منهم على الأرض.
يجسّد هذا العمل البسيط توجه أزهار حسين حيال حل النزاع، إن الحوار والتجارب المشتركة أساسيان لبناء الثقة والتفاهم، وخصوصا على مستوى الجذور.
أزهار حسين هو نائب الرئيس لشئون الدبلوماسية الوقائية في المركز العالمي للدين والدبلوماسية ورئيس مشروع المدارس الدينية فيه. وقام البرنامج، وهو في سنته الخامسة الآن، بتدريب ما يزيد على 2200 إداري ومعلم من أكثر من 1400 مدرسة دينية في جميع أنحاء الباكستان. وتضع دراسة صدرت أخيرا عنوانها «تعزيز المدارس الدينية والأمن العالمي: نموذج للمشاركة على أساس الدين» الخطوط العريضة لتطبيق هذا البرنامج في الباكستان، والذي أصبح بسرعة نموذجا واعدا يستحق المزيد من الدراسة والاستخدام المتكرر في جميع المدارس الدينية.
سعى المركز العالمي للدين والدبلوماسية، بدلا من الاهتمام بمطالب تهميش المدارس الدينية، إلى تعريف وإبراز وتعزيز الأدوار الإيجابية التي يمكن لهذه المدارس أن تلعبها في عملية بناء السلام وحل النزاع. وقد استفادت ورشات العمل التدريبية التشاركية للبرنامج من الدعم القائم والموارد المتوافرة لحقوق الإنسان والتسامح الديني والفكر الناقد وحل النزاعات واشتمال المبادئ الاجتماعية والعلمية في المناهج.
يوجد لجميع المذاهب الإسلامية الفكرية السائدة في الباكستان تمثيل في ورشات العمل هذه، التي تشجع المشاركة من خلال توفير مساحة لتنوع واسع من الأصوات. وأصبح ذلك النموذج المتبع على رغم الخلافات الطائفية السائدة. يملك التربويون الآن فرصا جديدة لبحث المناهج، إضافة إلى الفلسفة الإسلامية، مع الزعماء الدينيين للطوائف الأخرى. وتعتبر سمة التعاون بين الأديان لهذا النموذج إنجازا إضافيا مثيرا للإعجاب.
وقد أجرى خريجو برامج تدريب المدربين في المركز أكثر من مئة ورشة عمل تستمر كل منها لمدة يوم واحد في أقاليم الباكستان الأربعة، حضرها تربويون آخرون. وبادر بعضهم إلى تنظيم برامج تدريبية خاصة بهم عن تعليم السلام والتسامح الديني. كما بادر أحد شركاء المركز المحليين كذلك بتنظيم سلسلة من الحلقات الدراسية بين الأديان لتيسير التعاون بين الزعماء المسلمين الباكستانيين والمسيحيين في مجال الحدّ من التطرف والتمييز الدينيين.
وقف أحد المشاركين، في ورشة عمل تضم زعماء من 16 مدرسة دينية من مناطق تحيط بوادي سوات، ينتمي إلى مجموعة متشددة مسلّحة معروفة، عند اقتراب نهاية ورشة العمل وأعلن أنه كان قد حضر الورشة بهدف إفشال كل من كانت تدعو إليه، ولكن نتيجة لمشاركته شعر أنه وللمرة الأولى في حياته قد فهم الهدف الحقيقي السلمي للقرآن الكريم. وصرح قائلا، «بعد هذه التجربة، أريد أن أساعد طلابي على تقدير المجموعات المختلفة من الناس الذين يعيشون في مجتمعنا المحلي وفي بلدنا. يحتاج أطفالي لأن يعرفوا أنهم لا يستطيعون نشر الإسلام الحنيف إلا من خلال كونهم مسالمين».
استخدم مشارك آخر مبادئ التسامح الإسلامية، مضافا إليها مهارات حل النزاع التي كان قد تعلمها في ورشة العمل، لمنع شيوخ القبائل في قريته من إعدام فتاة بعد أن تبين أنها انتهكت قوانين القبائل بسبب الاتصال مع فتى من قرية مجاورة.
كذلك لعب شريك محلي آخر يعمل في المركز دورا منهجيا لضمان إطلاق 21 كورية مسيحية أُخذن رهائن من قبل الطالبان في أفغانستان في يوليو/ تموز 2007. ومن المثير للانتباه أنه جرى التفاوض مع الخاطفين من مدخل المبادئ الإسلامية.
يعمل المركز العالمي للدين والدبلوماسية الآن على عدة مستويات لتطوير مشروع المدارس الدينية الباكستانية وتوسيعه ليشمل مدارس الفتيات والجامعات، وجمع الإداريين والأساتذة الرئيسيين معا، وتيسير الزيارات الدراسية إلى الولايات المتحدة وتطوير برامج يحصل المتدربون من خلالها على شهادات.
ويكمن الإيمان بأن اللاعبين المحليين، بمن فيهم الدينيين، يستطيعون لعب دور حاسم في صنع السلام، ولكن فقط إذا شاركوا في جوهر ونجاح مشروع المدارس الدينية الباكستاني.
لا يمكن فرض التحول من توجه عدائي إلى توجه إنساني بنّاء، ولكن يمكن إلهام هذا التحول. وكما هو الحال مع سائقي سيارات التاكسي في سراييفو، أثبت أزهار حسين أن ذلك يحدث أحيانا بحوار بسيط.
*مساعدة مدير برنامج الدين وحل النزاع في مركز تاننباوم للتفاهم بين الديانات في مدينة نيويورك، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2513 - الخميس 23 يوليو 2009م الموافق 30 رجب 1430هـ