العدد 2512 - الأربعاء 22 يوليو 2009م الموافق 29 رجب 1430هـ

«زين إي شباب»... برنامج «الترفيه المعرفي»

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اكتظ صيف البحرين هذا العام بالبرامج التي تخاطب الشباب وتحاول أن تفتح أمامه مجالات واسعة للإبداع خلال فترة، يعتبرها البعض بمثابة المحطة التي ينضون خلالها عن كاهلهم إرهاق عام كامل من العمل أو التحصيل العلمي، وينصرفون كلية نحو «أنشطة ترفيهية» تكاد أن تخلو من أية قيمة تساهم في تطوير الشباب.

مجموعة البرامج الشبابية التي انطلقت هذا العام خلال صيف البحرين حاولت، وبروح مبتكرة، المزج بين عناصر الترفيه والتشويق من جهة، وأنشطة البناء والتطوير من جهة ثانية.

من بين تلك البرامج يبرز اثنان يلفتان النظر، ويدعوان للتوقف عندهما: الأول هو برنامج «تاء الشباب» الذي أطلقته وزارة الإعلام وهو كما تقول عنه وزيرة الإعلام والثقافة الشيخة مي آل خليفة «هو مهرجان شبابي ثقافي يستمر لمدة شهر كامل، حيث سيتضمن بعض الفعاليات التي من بينها حملة كلنا نقرأ»، والذي يمكن النظر إليه على أنه برنامج أفقي يحتضن مجموعة مكثفة من الفعاليات يمتد من تلك التي تعرف بتاريخ البحرين، وتعرج على أخرى تحاول بناء مهارات الشاب البحريني في قطاعات معينة مثل القطاع الإعلامي، كي تحط الرحال عند تشجيع القراءة وتطوير مهارات الشباب فيها، قبل أن تنطلق كي تناقش موضوعات تهم الشباب كثيرا من نمط «المدونات الإلكترونية».

أما الثاني فهو برنامج «زين إي شباب»، والذي تدعمه بشكل أساسي، بالإضافة إلى مؤسسة الشباب والرياضة، شركتا «زين للاتصالات» ومايكروسوفت.

وبينما ينجح برنامج «تاء الشباب» في تحقيق التنوع والبناء من خلال تشبيع الخط الأفقي الذي رسمه لنفسه، نجد برنامج «زين إي شباب» يحقق أهدافه من خلال البعد العمودي الذي حدده كإطار لمخاطبة الشباب من خلاله. هنا يتكامل هذان البرنامجان بشكل إبداعي وخلاق، ويضعا من خلال هذا التكامل حجر الزاوية لبناء بيئة بحرينية صيفية تستقطب الشاب البحريني وتطلق لقدراته الإبداعية العنان.

نقطة مهمة استوقفتني عند اطلاعي على برنامج «زين إي شباب»، وهي منهجه غير التقليدي الذي أخذ به، بالمفهوم الإيجابي الهادف إلى تجديد يأخذ بالمتغيرات التي يشهدها العالم، من دون التفريط بالقيم الحضارية، بمفهوم الحضارة الواسع، التي تسود مجتمعه، على أن يتم ذلك بآلية ديناميكية، قابلة للتطوير والتطور، وتحمل في أحشائها كل مقومات الاستمرار والنمو، وتقف على أرضية صلبة تقبل التحدي ومهيأة للدفاع عن قيمها المستقبلية غير التقليدية والتضحية بالكثير من أجل تحقيق تلك القيم وترسيخ مفاهيمها.

على هذه القاعدة، كما أرى، انطلق برنامج «زين إي شباب» الذي لم تنحصر «غير تقليديته» في كونه يخاطب فئة الشاب، أو أنه يتكئ على تقنيات المعلومات، فالأمر أوسع نطاقا من ذلك بكثير.

غير التقليدية تكمن، بالإضافة إلى مسألتي «الشباب، واستخدامات تقنيات المعلومات»، في اختيار موضوعات البرنامج وطريقة التواصل بين «المرسل» والذي هو المحاضر والمتلقي، والذي هو مجموعات الشباب المنخرطة في البرنامج والتي يربو عددها اليوم على 200 مشارك. كل ذلك يصب في هدف إستراتيجي واحد هو تحقيق ما يمكننا أن نطلق عليه «الترفيه المعرفي»، والمقصود به هنا استخدام الترفيه بشكل إبداعي خلاق كوسيلة من وسائل دعم الانتقال السلمي التطوري (evolutionary) إلى الاقتصاد المعرفي.

لشرح هذا التحول، بوسعنا أن نتناول واحدة من فعاليات برنامج «زين إي شباب» التي ستتناول «المحتوى الإلكتروني». الفهم التقليدي لتعبير «المحتوى الإلكتروني»، هو ذلك التحويل الاستاتيكي للمحتوى من وعائه التقليدي الورقي الصلب، إلى هيئته الإلكترونية اللينة. هذا التحول كان مهما، بل هو شكل نقلة نوعية في تطور صناعة المعلومات، لكنه ليس بأي شكل من الأشكال تحولا معرفيا، بقدر ما كان تحولا «معلوماتيا».

التحول المعرفي للمحتوى، هي تلك الرؤية القادرة على المزج، وبشكل إبداعي، بين غنى المحتوى، وكفاءة حزم البرمجيات التي تعالج ذلك المحتوى أو تعرضه، والأجهزة والمعدات التي تختزنه. محصلة ذلك محتوى إلكتروني معرفي قادر، ليس على الوصول إلى من يحتاجه في الوقت اللازم، والهيئة المطلوبة، وبالكلفة المنطقية، فحسب، وإنما، وبالإضافة إلى كل ذلك بناء قناة الاتصال التفاعلي مع ذلك المستخدم، بديناميكية وتفاعلية معرفية، قادرة على تحقيق مسألتين في غاية الأهمية: قيمة سوقية مضافة جديدة أولا، وخامة معرفية جديدة تراكم المعارف الإنسانية وتضيف لها ثانيا.

هذه الرؤية، في حال توفرها، وهي التي، بالطبع، تحكم سلوك القائمين على برنامج «زين إي شباب»، هي التي تتميز بوضوح شديد بين «مجتمع المعرفة» و «مجتمع المعلومات»، خصوصا وأننا اليوم نجد بعض الاقتصاديين يصنفون مجتمع المعلومات على أنه المرحلة الأولى من مجتمع المعرفة.

ومن الطبيعي، في مجتمع المعرفة أن يكون لتقنيات المعلومات موقعها الكبير والمميز في أي مشروع طموح يتطلع للمساهمة في بناء اقتصاد معرفي.

من هذا المنطلق تمحورت أنشطة «زين إي شباب» حول الاستخدام الأفضل لتقنيات الاتصالات والمعلومات في معظم الأنشطة الرئيسية التي اشتمل عليها البرنامج.

ولا ينبغي هنا التقليل من أهمية البعد التنموي الاقتصادي الذي يختزنه «المحتوى»، عندما يقاس ذلك البعد بمعايير معرفية، بالمعنى الشمولي لكلمة المعرفة.

هذا التفاعل المعرفي الذي يحتاجه إنسان المجتمع المعرفي، حرص برنامج «زين إي شباب» أن يسكبه في قالب ترفيهي، من دون أن يفقده أي من قيمه: السوقية والمعرفية، يمكنه من خلاله مخاطبة الشباب، الذين هم بطبيعتهم اكثر ميلا نحو الترفيه.

بقيت نقطة أخيرة، وهي أن المجتمع المعرفي هو مجتمع متكامل تتداخل فيه كل قنوات الأداء الاجتماعي، وتعتمد آليات تطوره، أكثر من أية آليات مجتمعات أخرى، على تكامل القنوات المختلفة، ترفيهية كانت، أم تعليمية، لذلك سيفقد «زين إي شباب» الكثير من حيويته، بل وجدواه، إذا كان معزولا عن الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، وهو أمر لابد للقائمين على «زين إي شباب» من أخذه بعين الاعتبار.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2512 - الأربعاء 22 يوليو 2009م الموافق 29 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً