العدد 2512 - الأربعاء 22 يوليو 2009م الموافق 29 رجب 1430هـ

ثورة اللحظة الأخيرة «تكركب» المكان بجمال

الرواق يودِّع صالته بمجمع العالي بمعرض فريد

ثورة إبداع عارمة، وطاقة شبابية خلاقة، فتحت لها الباب الأيام الأخيرة للرواق غاليري في موقعه الذي شغله في الفترة الأخيرة بمجمع العالي، إذ دقت النواقيس معلنة اللحظات الأخيرة من احتفاظ هذه المؤسسة غير الربحية بموقعها، وبدق هذه النواقيس، عمت الشباب روح عمل ليس لها مثيل، صاغت تلك الروح المحلاة بالإبداع الحرية في استغلال المساحات بالكيفية التي يشاء الفنان أن يستغلها بها.

عوامل شتى، ولكن ذلك أبرزها، وهو الحرية المطلقة باستغلال كل أبعاد القاعة، من الجدران والأرضيات وحتى الفضاء الشفاف، الذي كان الآخر قد تلون بألوان الشباب العاملين ضمن المجموعة التي قدمت المعرض الختامي للرواق، والذي حمل اسم «كركبة»، وهو المصطلح الذي اشتق ليعبر عن توليفة دمج مفهوم الفوضى الخلاقة من قبل فناني الغاليري والمجتمع المحيط بهم.

يهدف المعرض إلى تسليط الضوء على مواهب الفنانين المحليين والمقيمين في البحرين، كما كان مشروع الرواق الأول بتبني مجموعة من الفنانين الشباب وتنمية موهبتهم، وتحفيزهم على التعاون والاندماج، من خلال التصميم على خلق الدافع من أجل إدراج الفن المعاصر في مجتمع ينظر إلى الفن والتراث الثقافي من خلال شكله التقليدي.

وكانت حصيلة هذا المشروع الهادف مجموعة كبيرة من الأعمال المختلفة، تشكلت وفق رؤى فنية وفلسفية وفكرية مختلفة، جمعتها كلها روح العمل التي اشتغل بها الفنانون كفريق واحد لـ «كركبة» الصالة بفوضى خلاقة، تترك في ذلك المكان إحساس اللحظات الأخيرة والوداعية لهذا المكان الذي جمع شمل الموهوبين الشباب الذين احتضنهم الغاليري.

الفنانة الشابة مها الصحاف وجدت في فكرة المعرض التميز والتفرد على مستوى البحرين ككل، إذ عبرت بأن «هذه هي المرة الأولى التي يقام فيها مثل هذا المعرض هنا في البحرين، واعتقد أن هذه التجربة رائعة بالنسبة لنا كمشاركين، والكثير منا كفنانين لم يجد الفرصة ليبرز نفسه للعامة، فهي فرصة رائعة، وكلنا نقدم أعمال وفق أساليب جديدة، لذلك فإن الأمر يتحول من المتعة ليكون مفيدا لنا من خلال الاستفادة بتجارب الآخرين ومن ورشة العمل التي أقمناها على مدى عشرة أيام سبقت المعرض، فتفاعلت أفكارنا ورؤانا للخروج بجميع ما قدمناه».

ووفقا لذلك، قدمت الصحاف عملا مشتركا مع الفنانة الشابة مريم الزين، وعبرت عن فكرته أنه يسعى «لأن يبرزنا كفنانين بحرينيين من خلال الصعوبات التي نواجهها عبر رؤيتنا للفن، بتقديم ما لم يعتد عليه المشاهد البحريني، وهذا كسر للروتين، وإبراز صعوبة إبراز الفن وفق أسلوبه الحديث المعاصر بالمقارنة مع النقيض الكلاسيكي أو الحداثي الملتصق بالمبادئ»، وأضافت «لأن غاليري الرواق ينهي مدة تواجده في هذا المكان، فمن هذا المنطلق لم يعد هناك حدود وحواجز، وهو ما شجعنا أكثر للعطاء بكل ما لدينا من طاقة وبكل جرأة وشجاعة، إذ يعتبر العمل الذي بدأناه بفكرة من محاولة لرسم الذات، ووصلنا إلى التطرق إلى رسم الصعوبات التي تحد الرسام في المجتمع، والفكرة التي نشأت من خلال الاعتياد على المفاهيم التقليدية في المجتمع، إلى جانب محاولة الخروج من الجدار للظهور بصورة ثلاثية الأبعاد».

وبالنظر إلى العمل عبر الرؤية الأخرى التي تشارك مها الصحاف في العمل ذاته، كانت الفنانة مريم الزين قد وجدت أن العمل المشترك مع شخص آخر لم يكن ليحجز أو يحد رؤيتها الخاصة وأسلوبها في العمل، إذ تفاوت العمل ما بين أنماط ثلاثة، بين الكلاسيكية والتجريدية وما هو متقدم عن المرحليتين السابقتين، إذ وجدت الزين أن أجواء العمل المشترك «لم يحدث فيها تضارب في الرؤية والأفكار، وذلك لأننا نشترك في الأفكار والطرق، ونريد أن نوضح مشاعر وأفكار مشتركة، ونريدها أن تظهر بصورة مجردة تخفي الأفكار خلف تفاصيل اللوحة».

في هذا العمل، تم توظيف تقنية تخرج بالمشاهد من إطار البعد الثابت للجدار، للحصول على بعد ثلاثي من خلال إضافات بارزة عن السطح، تحدثت حولها مريم بالقول «استخدمنا الشرائط اللاصقة كأجزاء تبرز أهمية الفن للمجتمع وخروجه من أبعاد الجدار ليكون شيئا مختلفا وبارزا في المجتمع ويمكن من خلال التغيير، إذ هو ليس لوحة ولكنه فكر وأسلوب نسعى من خلاله أن يدرك المجتمع ما نشعر به»، مضيفة بالقول «في مجتمعنا لن يفهموا الفكرة إن لم نقم بشرحها لهم، ولكنهم من خلال الفهم سيقومون بتقدير الفنانين وما يسعون ليقدموه من خلال الخروج عما هو مألوف بتقديم قضاياهم وفق رؤى خاصة بكل فنان تعكس شخصيته، ومن ثم يكون قادرا على الحكم على العمل».

الفنانة صفاء العلوي التي كان جدارها يحمل أسرابا من النمل الممتدة على طول الجدار، وجدت في مسمى «كركبة» الذي حمله المعرض الجمال، وعلقت بالقول «أحببت الاسم لأنه مختلف وجميل، والكل يعمل بجد ويتفاعل مع المساحة المتاحة الموجودة معه، فمثلا أعمل مع الباب وأتفاعل معه، وهناك من يعمل في جدار عليه مطفأة حريق، ولأننا سنترك المكان فهناك حرية أكبر في استغلال المكان بأي طريقة والتعبير عن الأفكار الموجودة والتي قد يحدها أحيانا محاولات الحفاظ على المكان».

وبالنظر للعمل الذي تقدمه، فإن المساحة المتداخلة على البوابة الجانبية كان لها تأثيرها على العمل وزوايا تقديمه وانحرافاته من حيث الأداء، إذ أكدت العلوي أن التفاعل مع المكان «أمر ضروري، حتى وإن كانت الفكرة في ذهني، إلا أنني حينما وصلت للرسم على الباب اضطررت لإزالة الأوراق عنه بحكم تكوينه وطبيعة المادة الزجاجية المكون منها، كي أواصل رسم النمل، الذي وجدت فيه فكرة للتعبير عن إعجابي بهذا الكائن الذي تجده في كل مكان، ويدخل كل مكان ويستولي عليه رغم أنه كائن صغير الحجم، فكان العمل الجماعي جميلا ومؤثرا، ولو كنت أعمل لوحدي وأعرض العمل لاحقا لما خرج بالصورة التي خرج بها عملي نتيجة العمل ضمن أجواء جماعية وتفاعلية مع المشاركين».

المعرض كان أشبه بوسيلة لتشجيع الفنانين المحليين للتعبير عن أفكارهم الأصيلة دون قيود، بطريقة تخدم الفكرة وتحرك الاندفاع والمتابعة وتخليصها بتقديم أعمالهم خارج الإطار المتعارف عليه في الشكل والخصوصية والمضمون، فتقدم أعمال فنية تتحاور مع الفضاء نفسه، وهو ما أكدته الفنانة حبيبة عمران الموسوي، التي أكدت إلى جانب ذلك على «روعة الفكرة والعمل ضمن فريق رائع وأفكاره المختلفة التي جمعت الفنانين المختلفين، ما خلق أمرا جديدا ومشوقا وأسس لتفاعل جميل بين الفنانين، والذي أفرز نتيجة التفاعل والعمل الحر المباشر وتأثرنا بأداء وأفكار الآخرين، لجعلي أؤسس لعمل مختلف تماما عما كنت أفكر في تقديمه، والذي تركز في تقديم إطار الورود التي يستخدمها الناس للترحيب والتوديع والحب، فكان الورد هو ما استخدمته خصوصا مع وداع المكان».

وبخصوصيته في تقديم عمل فني متميز، صاغ الفنان عبدالله العاني مع زميله الفنان التركي حسين دينيس عملا يحاكي رؤيتهما الخاصة في عبارتي الحياة والموت، عبر تركيب سلسلة وساعة، وتماشي هذه السلسلة مع نهاية المطاف إلى الموت، وينصف هذه السلسلة قلب من الزجاجات، إلى جانب عدد من التراكيب الأخرى التي عالجت هذا الموضوع.

العاني أكد أن فرصة استغلال المساحة في إبراز طاقات الفنان «أمر يعود للشخص نفسه، فهناك أشخاص حينما تعطيهم حرية الطاقة يبرزون ما لديهم، وهناك من تعطيه الحرية ليعطيك أقل مما يمكنه تقديمه، وهناك من يعطي أكثر حينما تحده في نطاق حرية ما، ولكنني أعجب دائما بالحرية والانفتاح، لأنني في بعض الأحيان قد استخدم أشياء لا يقبلها منسق المعرض، لكنها تؤثر في المجمل الفني».

ووجد العاني في هذه الفرصة التي أتيحت مع قرب إغلاق الغاليري أبواب صالته في مجمع العالي مع نهاية شهر يوليو/ تموز، ليعود إلى فتح أبوابه في موقعه الأصلي الكائن بمنطقة العدلية، أن هذه الفرصة «لن تتكرر، لأن الرواق في نظري خسر هذا المكان الرائع والكبير، والذي يجمعنا فيه ذكريات جميلة، إذ شاركت في هذا المكان بمعرضين، وقدمنا أشياء جميلة كانت البحرين تفتقدها ووجدنا في هذا المكان الفرصة لتقديم ما لدينا، وبإغلاق هذا المكان سنخسر الكثير، بحكم المساحة الكبيرة التي لا تجدها في مكان آخر، وكون الصالة على وشك الإغلاق، فإن ذلك أتاح تجربة هي السابقة من نوعها، فلم يحصل في البحرين إقامة معرض يسمح للفنانين بسكب الطلاء على الأرض بكميات كبيرة، ولم يعرف أحد بوجود هذه الطاقات في السابق، لكن ذلك سيفتح المجال للمنافسة، وأتمنى أن يكون الرواق متواجدا لمواصلة دعم هذه التجربة».

العدد 2512 - الأربعاء 22 يوليو 2009م الموافق 29 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً