العدد 2512 - الأربعاء 22 يوليو 2009م الموافق 29 رجب 1430هـ

تطور الثقافة المرتبطة بالبحر: الإبحار (1)

الثقافة/ الحضارة التي وجدت على أرض البحرين ارتبطت باقتصاديات مختلفة، كالزراعة، والصيد البري والصيد البحري، والغوص بحثا عن اللؤلؤ، والتجارة البحرية، بالإضافة لتطور العديد من الحرف اليدوية التي كانت تساهم في تطور ورقي المجتمع، سنبدأ بالحديث أولا عن تلك الثقافة التي ارتبطت بالبحر كتطور طرق الإبحار وتكون التجارة البحرية وطرق صيد الأسماك، وطرق الغوص وكيف تطورت وكيف تطورت القوانين والتشريعات التي ارتبطت بتلك الحرف.


تطور وسائل الإبحار

الحضارة التي نشأت على أرض البحرين كان لابد لها أن ترتبط بالبحر كون البحرين جزيرة صغيرة، ولا بد أن تكون لتلك الحضارة ثقافة أو مجموعة من المعلومات والأفكار التي أدت لتطوير العلاقة بين الإنسان والبحر. بدأ الإنسان القديم بالإبحار في البحر بواسطة أبسط التقنيات وهي استخدام الطافيات، بمعنى أي شيء يمكنه أن يطفو على سطح البحر، كقطعة خشبة أو رزمة من القصب أو جريد النخل أو حتى القربة التي تصنع من جلد الحيوان فقد كانت تنفخ وتستخدم لركوب البحر. ومن ثم تم استخدام أكثر من رزمة من القصب أو جريد النخل، وحينها لم يكن من الصعب أن يتوصل الإنسان لتركيب تلك الرزم في شكل معين أو استخدام أخشاب وبذلك بدأ التطور في الإبحار، ويمكننا الاستنتاج من الدراسات الكثيرة التي درست تطور الإبحار في الخليج العربي أن هناك نوعين من التطور، النوع الأول من التطور هو تطور متدرج حسب الأغراض، فكانت البداية بالطافيات، تلا ذلك ظهور الأطواف أو الرماثين ثم الزوارق الشجرية ثم الزوارق المصنوعة من القصب أو جريد النخيل وصولا للقوارب والسفن الخشبية ثم وصلت لذروة التطور في الوقت الراهن. ولكل نوع من الأنواع السابقة غرض معين فلم يؤدي ظهور النوع الأحدث لاندثار النوع الأقدم منه، وبذلك يمكننا العثور في فترة زمنية معينة جميع تلك الأنواع من القوارب بدءا من الطافيات وانتهاء بالسفن.

أما النوع الثاني من التطور في سبل الإبحار فقد كان في ضمن النوع الواحد، أي أن هناك خط تطور في الطافيات، خط تطور للأطواف وكذلك للأنواع الأخرى، وعليه وجب أن نتناول كل نوع بصورة مفردة ليمكننا توضيح عملية التطور.

1 - الطافيات : القربة مثالا

من أنواع الطافيات التي استخدمت في الخليج العربي واستمرت حتى عهد قريب هي القربة، وهي عبارة عن جلد أحد أنواع الماشية تخاط وتستخدم ككيس أو زق يحفظ به الماء، ولكنها أيضا كانت تنفخ وتربط ويركب عليها للإبحار. وقد كانت القربة ممثلة في العديد من الرسوم على جدران القصور الآشورية بدءا بحكم آشورناصربال الثاني (883 ق. م. - 858 ق. م.) حتى حكم آشوربانيبال (669 ق. م. - 633 ق. م.). في إحدى تلك الرسوم يمكن مشاهدة جنود ينفخون القربة وآخرون يسبحون عليها (صورة رقم 1). وقد استمرت هذه الطريقة حتى مجيء العرب. و قد استوحى العرب من ذلك المشهد قصة طريفة أصبحت بعدها مثلا مشهورا عاش حتى يومنا هذا، يقول المثل «يداك أوكتا وفوك نفخ»، أما القصة فهي كالتالي:

كانت جزيرة من إحدى جزر البحر في الدهر الأول ودونها خليج من البحر، فأتاها قوم يريدون أن يعبروها فلم يجدوا معبرا، فجعلوا ينفخون أسقيتهم ثم يعبرون عليها، فعمد رجل منهم فأقل النفخ وأضعف الربط، فلما توسط الماء جعلت الريح تخرج حتى لم يبق في السقاء شيء، وغشيه الموت فنادى رجلا من أصحابه أن يا فلان إني قد هلكت. فقال: ما ذنبي يداك أوكتا وفوك نفخ فذهب قوله مثلا. أوكيت رأس السقاء إذا شددته وقال بعض الشعراء:

دعاؤك حذر البحر أنت نفخته

بفيك وأوكته يداك لتسبحا

الرواية تختلف في تفاصيلها من مرجع لآخر لكن المشهد واحد وهو استخدام القربة أو الساقية لعبور البحر.

أجيوس (2008م) في كتابه عن السفن الإسلامية القديمة يتحدث عن استمرار استخدام القربة كوسيلة إبحار في البحرين وعمان والعراق حتى بداية القرن العشرين، وتشير بعض التقارير عن تطور الطريقة في عمان وذلك بنفخ قربتين ووضع قطع من الخشب عليها حيث يتم الجلوس عليها، وقد وصفت هذه الطريقة في منتصف القرن العشرين في عمان.

2 - الأطواف والرماثين

يقال الطوف والجمع أطواف ورمث والجمع رماثين وهي تعتبر من أنواع الطافيات ولم يرد تقرير عن استخدامها في مياه الخليج العربي، وجاء عنها في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام:

و «الطوف» قرب ينفخ فيها ويشد بعضها إلى بعض، فتجعل كهيئة السطح يركب عليها في الماء ويحمل عليها الميرة والناس، ويعبر عليها، وهو الرمث. وربما كان من خشب والجمع أطواف. وذكر بعض العلماء أن الطوف التي يعبر عليها الأنهار الكبار تسوى من القصب والعيدان يشدّ بعضها فوق بعض، ثم يقمط بالقمط حتى يؤمن انحلالها ثم تركب ويعبر عليها، وربما حمل عليها الحمل على قدر قوته وثخانته. والرمث خشب يضم بعضه إلى بعض كالطوف ويركَب عليه في البحر».

3 - قوارب القصب وقوارب الجريد

استخدم القصب في بناء قوارب صغيرة في العراق منذ القدم، وبسبس عدم توافر القصب المناسب لصناعة القوارب في مناطق أخرى من الخليج تم استخدام جريد النخل وهو سعف النخيل بعد تجريده من الخوص. وقد وردت إشارات تدل على استخدام الجريد في صناعة القوارب في حضارة الرافدين في الألف الثالث قبل الميلاد إلا أنه لم يحدد ما إذا كان القارب يبنى بأكمله من جريد النخل ولكن نجاح هذه القوارب وانتشارها في الخليج العربي واستمرارها فترة طويلة من الزمن يجعلنا نرجح أنها عرفت منذ تلك الحقبة القديمة. تعرف هذه القوارب التي تصنع من الجريد والحبال في الكويت وقطر باسم ورجية ووريية، وتسمى في البحرين واريية وفرته حيث تتركز صناعتها في قرية المالكية وتعتبر من الصناعات المندثرة حاليا. وتعرف الورجية في عمان باسم الشاشة. يذكر أنجيوس في كتابه الموسوعي عن السفن الإسلامية القديمة أن الاسم ورجية ورد بصورة محرفة عند بعض الكتاب العرب في القرن العاشر الميلادي فقد ذكر المقدسي الاسم ولاجية بينما أبو القاسم البغدادي الاسم ورحية.

تبدأ صناعة الورجية أو الشاشة بترقيق رؤوس الجريد وتشذيبها ثم سلكها في الحبال واحدة تلو الأخرى حتى يكتمل بناء الهيكل والذي يبدأ بالقاعدة (القاعة) والتي تكون عريضة من الوسط وصغيرة ملتمة من المقدمة والمؤخرة. عقب الانتهاء من نظم العدد المطلوب من الجريد للقاعدة يتم توثيقها بأعواد خشبية على نحو عرضي تسهم في تماسك الجريد وضبطه من الحركة. عقب ذلك ترفع المقدمة والمؤخرة للأعلى بواسطة أعمدة خشبية في حين يوضع في وسط القاعدة أشياء ثقيلة مثل الأحجار وأكياس الرمل وتترك لمدة أيام وذلك بهدف إعطاء القاعدة شكلا مقوسا يساعد القارب فيما بعد على شق المياه وعبوره بسهولة ويسر. وبعد الانتهاء من تشييد القاعدة يبدأ بناء الدفتين اليمنى واليسرى. وكما حدث مع القاعدة توثق الدفتان كذلك بالأعواد الخشبية التي تظهر من الجانبين للأعلى حيث يكون اثنان منهما (واحد في كل جهة) عادة أقوى وأسمك من الأخرى إذ إنهما يستخدمان لتثبيت المجاديف عند الإبحار على القارب. وعند بناء الدفتين يبدأ عادة بإنشاء النصف الأسفل من الارتفاع الكلي حتى يتم تشكيل الحوض السفلي الذي يحشى بقطع مختلفة الأحجام من الفلين ثم يغطى بواسطة الغطاء الذي يتم صنعه بصورة منعزلة، ويكون بحجم مساحة القاعدة تماما وهو ما يحدده عدد الجريد المستخدم في كل من القاعدة والغطاء. بعد استكمال صناعة الغطاء يتم تثبيته إلى هيكل القارب الأساسي والذي مازال في هذا الطور عبارة عن الحوض السفلي الذي تم ملؤه بقطع الفلين. وقد كانوا في السابق يملئون الحوض بكرب النخيل، وذلك أن كرب النخيل وقطع الفلين هما العامل المباشر في الحفاظ على القارب طافيا على سطح البحر، لأنهما لا يغرقان، وبالتالي فإن الورجية أو الشاشة ـ خلافا لكل الأوعية البحرية ـ لا تغرق أبدا ولو انكفأت على وجهها فإنها تظل طافية فوق سطح الماء في أعتى الظروف، وهذه خاصية تتميز بها الورجية أو الشاشة على بساطتها. ويلاحظ أن الورجية لا تكون محكمة لا يدخلها الماء، بل إن ماء البحر يدخل فيها ويخرج بحرية، تاركا الأسماك التى تم اصطيادها حية تسبح حتى تصل إلى الساحل، ولقد ضرب أهل الخليج وخاصة الكويتيون مثلا بالورجية فقالوا: «ورجيه تنزف نفسها بنفسها» وأطلقوه على أي شيء يصلح نفسه بنفسه.

4 - القوارب الشجرية

هي عبارة عن جذع شجرة يحفر على شكل قارب، وهذه الأنواع لم تصنع في الخليج بل تم استيرادها من الهند، والنوع المتعارف عليه في الخليج هو الهوري، وهو عبارة عن زورق صغير لا يتسع لأكثر من ثلاثة إلى خمسة أشخاص يجلب من كاليكوت في الهند، وهو رخيص الثمن ويستخدم في السفن الصغيرة كقارب. ويصنع الهوري من جذع شجرة المانجو المتواجدة في الهند، حيث يحفر الجذع ويسوى على شكل قارب. وقد يكون الهوري فقط جذع شجرة محفور دون إضافات وهذا ما يعرف بالهوري المحفور أو أن تضاف له ألواح خشبية فيصبح مزيج من النوع المحفور والألواح الخشبية معا و يسمى هذا النوع بالهوري المنشور، وعادة ما يستخدم الهوري المنشور كقارب صيد.

العدد 2512 - الأربعاء 22 يوليو 2009م الموافق 29 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً