التجاذب الأميركي- الإسرائيلي بشأن المستوطنات عاد للتصاعد بعد تراجع حدته لمصلحة الثنائي المتطرف نتنياهو- ليبرمان. فالتصريحات التي صدرت عن إدارة واشنطن في الأسبوع الماضي أكدت مجددا رفض منطق التوسيع بذريعة «النمو السكاني الطبيعي» في القدس أو الضفة الغربية. وهذا ما دفع حكومة أقصى التطرف إلى الرد مستخدمة ايديولوجية «النص الديني».
الكلام الذي أطلقه كبير الحاخاميين الإسرائيليين رفع السقف من السياسة إلى «العقيدة» معتبرا أن الضغوط الأميركية تشكل مخالفة دينية للنص التلمودي - التوراتي الذي يجيز البناء والاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. واستخدام الايديولوجية الدينية (النص المقدس) سلاحا في مواجهة إدارة باراك أوباما يشكل إضافة نوعية إلى سلسلة الاحتجاجات التي اعتمدتها حكومة تل أبيب. فالحكومة الشديدة التعصب والانغلاق اتهمت أوباما باللاسامية وكراهية اليهود ثم رفعت منسوب العداء حين رسمت الرئيس الأميركي يرتدي الزي التقليدي العربي (الكوفية والعقال) ووزعت صورته على الإعلام في إشارة إلى «عروبته» أو انحيازه للعرب ضد «إسرائيل» وبعدها أقدمت مجموعة متطرفة بالإعلان عن مشروع بناء مستوطنة في الضفة الغربية تحمل اسم «أوباما» للتأكيد على سياسة الرفض والتحدي.
كل هذه الخطوات المتدرجة أربكت إدارة أوباما التي وجدت نفسها تتعرض لضغوط داخلية من اللوبيات وشرائح مهمة من الكونغرس وأعضاء بارزين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي ما دفعها إلى تجميد الملاحظات والبدء في إجراء مراجعة للسلوك الأفضل في مواجهة الاستفزازات الإسرائيلية. وجاء لقاء أوباما في البيت الأبيض مع مجموعات يهودية للاستشارة والبحث معها في رسم خريطة طريق للتعامل مع حكومة نتنياهو- ليبرمان من دون التراجع عن خطط واشنطن حتى لا تظهر في موقع الضعيف ما يؤثر سلبا على مهمة المبعوث جورج ميتشل ليؤكد مخاطر الحملة المضادة على دبلوماسية الرئيس.
ارتباك إدارة أوباما وترددها وامتناعها عن معاودة الضغط شجع الثنائي المتطرف على استكمال خطط توسيع المستوطنات في الضفة وهدم الأحياء العربية وتجريف المزروعات تحت سقف «النمو الطبيعي» وصولا إلى رفع السقف من الأرض إلى السماء باعتبار التوطين والتوطن مسألة دينية مقدسة نص عليها التوارة.
إشهار سلاح «الحرب الدينية» له معانٍ رمزية في مواجهة إدارة «حسين أوباما» لأنه يؤشر إلى أن المخالفة الأميركية ليست موجهة ضد حكومة وإنما ضد إرادة إلهية. وهذه المخالفة برأي تل أبيب جاءت بسبب عدم إيمان أوباما بالنص التوراتي لأنه «سرا» يلتزم معتقدات دين آخر أو على الأقل يحابي أتباع ديانة يلتزم بها العرب.
حكومة نتنياهو- ليبرمان وصلت في معارضتها للضغوط الأميركية إلى الحد الأقصى. فهي استخدمت لون البشرة (العداء للسامية) ثم الانتماء العرقي (الأصل الإفريقي) ثم اللباس العربي (الكوفية والعقال) ثم عقلية النكاية والفجور (مستوطنة تحمل اسم أوباما) وأخيرا الدين (معارضة حسين أوباما النص التوراتي).
كل الأسلحة اللونية والثقافية والعنصرية والاسمية والدينية استخدمتها حكومة تل أبيب في فترة لا تزيد كثيرا عن نصف سنة ما يعني أن مخزون الذخيرة الإسرائيلية استنفد تقريبا كل «الايديولوجيا» المتعارف عليها أميركيا في معركة الابتزاز والتشهير وتشويه السمعة. فالحكومة الإسرائيلية بالغت في استخدام «الذاكرة الشعبية» في الولايات المتحدة لخوض معركة صغيرة تدور حول بناء المستوطنات وهدم الأحياء وتشييد الوحدات السكنية في القدس. وهذا الاستخدام المفرط لمعدات ايديولوجية شديدة الفعالية في فترة زمنية قياسية يشير فعلا إلى حجم الضغوط التي مارستها إدارة أوباما. ولو لم تكن الضغوط قوية وفاعلة لما كانت الردود والتحديات الإسرائيلية عنيفة إلى درجة أنها استهلكت كل الأسلحة المتوافرة في المخزون الايديولوجي.
الآن وصلت الضغوط والتحديات إلى سلاح الايديولوجية الدينية (مخالفة التوراة). فالنص الديني في الذاكرة الأميركية يشكل مخاطبة رمزية للوعي الشعبي الجمعي بهدف تأليب الشارع (الجمهور الانتخابي) ضد أوباما بذريعة أنه ينتمي إلى لون وثقافة وعقيدة مخالفة للتقاليد التي تأسست عليها الدولة (الولايات المتحدة)... وبالتالي فإن اعتراض أوباما على المستوطنات ليس سياسيا وإنما يقوم على قواعد دينية.
وصل التحدي الإسرائيلي للضغوط الأميركية إلى قمته ولم يعد هناك من سلاح أمضى من النص التوراتي لإشهاره في مواجهة إدارة أوباما. فالحكومة الإسرائيلية أوصلت الاعتراض إلى الحد الأقصى (الأعلى) فماذا عن إدارة أوباما فهل تواصل ضغوطها وترفع سقفها إلى القمة المضادة أم تبدأ بالنزول والتراجع؟
التراجع بدأ منذ فترة والضغوط أخذت تتجه رويدا نحو النزول حين أعلنت الإدارة عن تفهمها لبعض الاعتبارات الضرورية وأرسلت إشارات مرنة تبدي استعدادها لمناقشة حيثيات تحتاجها المستوطنات لتلبية «نموها الطبيعي». ولكن إلى أي حد تستطيع إدارة أوباما السكوت على التحديات الإسرائيلية؟ وهل في استطاعة واشنطن أو لديها رغبة في الرد بمواصلة الضغوط واستخدام الأسلحة المضادة؟
أميركا تمتلك في مخزونها السياسي مجموعة أسلحة غير اللون والثقافة والرداء والاسم والدين وهي قادرة في حال اتخذت الإدارة قرارها أن تلوي ذراع الثنائي نتنياهو- ليبرمان في معركة الإرادة أو الأفكار. هناك أولا سلاح القرارات الدولية التي تنص بوضوح وصراحة على الانسحاب من الأراضي المحتلة وعودة الفلسطينيين واحترام الحدود والحقوق. هناك ثانيا سلاح الحماية الأميركية للوجود الإسرائيلي والدفاع عنه في منطقة «الشرق الأوسط». هناك ثالثا سلاح المساعدات المالية والعينية والضمانات المصرفية التي تشكل رافدا لا غنى عنه للموازنة الإسرائيلية والإنفاق على كل القطاعات الحيوية بما فيها الدفاع والمستوطنات. هناك رابعا سلاح التكنولوجيا الأميركية وتزويدها المفتوح من دون رقابة أو حساب للطلبات الإسرائيلية الملحة لتعزيز قدرات الجيش والحرص على حصول تل أبيب آخر المبتكرات من طائرات متطورة وصواريخ متقدمة وقذائف ومعدات لا تمتلكها حتى قوات الناتو (الحلف الأطلسي). وهناك خامسا الضغوط الدولية الأوروبية والروسية والصينية التي يمكن أن تتعاضد مع إدارة أوباما بسبب معاناتها من الحليف الإسرائيلي و«دمه الثقيل» وعدم احترامه للاتفاقات والقرارات والبيانات والالتزامات التي وقع عليها الاتحاد الأوروبي وموسكو وبكين.
أسلحة كثيرة تمتلكها إدارة أوباما وتستطيع استخدامها للضغط على التحديات الإسرائيلية التي وصلت إلى الايديولوجيا الدينية. ولكن هل تستطيع واشنطن أن تقبل التحدي وتستعد للمغامرة؟
سؤال «المليون» يحتاج إلى قراءة هادئة ومراجعة نقدية للتوصل إلى جواب شفاف. فالتجربة أشارت دائما إلى وجود نوع من الاستحالة لا تعرف دوافعه وأسبابه. الرئيس ريتشارد نيكسون حاول وفشل. الرئيس جيمي كارتر قام بخطوة وتراجع. الرئيس جورج بوش الأب هدد وضغط وجمد ضمانات القروض المصرفية ثم اعتذر واختفى من صورة المشهد السياسي. الرئيس بيل كلينتون استخدم كل ما يمتلكه من ذكاء وشعبية وجاذبية وغيرها من آليات إلى أن وصل إلى طريق مسدود وشفير فضيحة فاضطر إلى إقفال الملف بعد أن بلغت المفاوضات النهايات الأخيرة من الجولات. كل الرؤساء في الولايات المتحدة تقريبا حاولوا انتزاع خطوة تصالحية في إطار مبادرة سلمية معقولة ومقبولة تضمن الاستقرار تحت سقف تسوية متوازنة كان نصيبها الفشل والنكوص والعودة إلى «مربع واحد».
التجارب الأميركية الفاشلة تبعث فعلا على عدم المراهنة باعتبار أن ضغوط إدارة أوباما لن تكون قوية وقادرة على انتزاع تلك الخطوة التسووية من حكومة متطرفة لا تتردد في استخدام كل الثقافة العنصرية (اللون، الاسم، الزي) وأخيرا السلاح الديني للرد على مطلب «تجميد المستوطنات». فإذا كان «التجميد» احتاج إلى كل هذه المعدات للرد على أوباما وإدارته فكيف سيكون حال البيت الأبيض إذا حاول إقناع الثنائي نتنياهو- ليبرمان بالانسحاب من الأراضي المحتلة وعودة الفلسطينيين إلى ديارهم والبدء في تأسس تسوية على قاعدة مشروع الدولتين.
السؤال ليس بحاجة إلى رد لأن الجواب معروف ومحكوم سلفا بمجموعة اعتبارات هي أشبه بالألغاز ويصعب تفكيك شيفرتها حتى لو نجح أوباما في مهمته المستحيلة وهي: تفكيك المستوطنات وجدار الفصل العنصري.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2511 - الثلثاء 21 يوليو 2009م الموافق 28 رجب 1430هـ
الاسكندرية 34 شارع الحجز
شكراااااااااااااااااااااا
ebraheemelsakran@hotmail.com
رئيس راح ورئيس أتى وإحنا كأننا جرذان تجارب ل أوباما وبوش الابن وبوش الأب ،،، كل واحد عنده خارطة الطريق والمفاررش ووو إحنا أين هي إرادتنا الحقيقية وهاهي الآزمة المالية تسحبنا وراءها شئنا أم أبينا