إصلاح قطاع الصيد في البحرين، أمر لا يخص 1500 بحار لديهم رخصة لمزاولة هذه المهنة حاليا، بل هو شأن يمس كل بيت وأسرة تعتمد في غذائها على الأسماك بشكل رئيسي، وفي بلد يحيط به البحر من جميع جوانبه، من غير اللائق أن يستورد شعبه الأسماك المعلبة من دول مجاورة أو بعيدة عنه، وهو من اشتهر في كتب التاريخ بالصيد وتجارة اللؤلؤ.
أربعة اعتصامات نظمتها جمعية الصيادين المحترفين حتى الآن على مدى أسبوعين، كان آخرها عصر أمس في ساحل المالكية، والمطالب هي ذاتها تتكرر ولا يوجد طرف أو جهة حكومية تستمع إليها أو تكلف نفسها عناء الرد عليها، فحتى التطمينات أصبحت في هذا الزمن مكلفة وعزيزة لا يمكن البوح بها، وهذا ما يفسر إصرار الصيادين على الاستمرار في اعتصاماتهم، فحناجرهم بحت ولم يجدوا آذانا صاغية تلتقط أصواتهم.
إيقاف الدفان العشوائي وحفر قيعان البحر وما تخلفه من تدمير لموائل الأسماك وتشريد للأحياء البحرية، هو مطلب مشروع، بل هو ميثاق ألزمت به البحرين نفسها بتوقيعها على معاهدات دولية، ما يفرض عليها اتخاذ جميع التدابير والوسائل اللازمة للحفاظ على البيئة من التلوث والهلاك.
ولكن ما نراه رؤي العين أن الشفاطات مستمرة في عملها اليومي المعتاد، ووصلت إلى مناطق بعيدة عن الساحل، ولا تزال تردم المساحات البحرية لإنشاء الجزر الاستثمارية والسكنية التي لا يحظى المواطن بأي عائد من ورائها، فهي أساسا خططت وفصلت وفقا لمقاييس النخبة والميسورين من أفراد المجتمع، وأولئك الذين يمتلكون السيولة الكافية لتملك الأبنية بآلاف إن لم يكن بملايين الدنانير.
أما رسوم هيئة سوق العمل فلها رواية أخرى، فهي لم تميز بين المؤسسات الكبيرة والصغيرة، وساوت التجار ورجال الأعمال بالفقراء الذين يعملون في بيع الخضراوات والفواكه واللحوم وصيد الأسماك، وتجاوزت حقيقة عدم رغبة البحرينيين بالعمل في الوظائف المجهدة، وتفضيل صاحب العمل للعامل الأجنبي على المواطن لارتفاع أجر الأخير، وبالتالي فإن مبلغ الـ10 دنانير الذي يستقطع شهريا، بات يتلقف اللقمة من أفواه أسر بحرينية كثيرة، تعتمد على عائلها لتوفير ما يسد جوعها من مهنة مدخولها اليومي غير مستقر.
وفي هذه المرحلة التي تمر بها البلاد بتداعيات الأزمة المالية العالمية، وما ترتب على ذلك من تدابير للحد من المصروفات وترشيد الإنفاق وتجميد التوظيف في عدد من وزارات الدولة وأجهزتها، نحتاج إلى إعادة دراسة تلك الرسوم لتوجيه تحصيلها من الجهات المقتدرة، بما يدعم خطط التدريب والتأهيل للكوادر الوطنية لتبوؤ المناصب القيادية في المؤسسات والشركات.
فالبحارة الذين عملوا على مدى عقود من الزمن، ليسوا بحاجة إلى دورات في فن استخدام الصنارة وإلقاء شبك الصيد، والقصابون يعرفون كيفية تقطيع الذبائح باستخدام الساطور والسكين، وبائعو الخضراوات يمتلكون الخبرة الكافية التي تمكنهم من معرفة سلامة صندوق الطماطم وصلاحيته للاستهلاك، بمجرد تفحصهم إياه بالعين المجردة.
الثروة البحرية متجددة ويمكن إنقاذها الآن من خلال وضع حد لعملية هدر المخزون الغذائي السمكي، بموازاة اهتمام الجهة الرسمية بإيجاد مصادر دخل بديلة عن النفط الذي سينضب لا محالة في وقت قريب، فالأول يمكن استصلاحه وإنعاشه إلى مستوى يؤهلنا لتصديره للخارج، بينما الآخر يحتاج إلى قرون حتى يعود مستوى الإنتاج المعهود.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 2510 - الإثنين 20 يوليو 2009م الموافق 27 رجب 1430هـ