وسط ضجيج الحياة السياسية المتعالي اليوم، وفي خضم أمواج يمها المتلاطمة، يصلنا صوت التيار الديمقراطي البحريني، بمختلف أجنحته وتياراته، مبحوحا وخافتا، وربما خجولا، باحثا عن موطئ قدم جديدة يحاول من خلالها انتزاع الاعتراف بحصته المشروعة في العملية السياسية البحرينية، ومن بين ثناياها المشاركة في الحياة البرلمانية، في الدورة القادمة، من أجل تعزيز دوره الريادي في تلك العملية. ولكي يحقق هذا التيار أهدافه التي ينبغي أن يناضل، وبكل ضراوة من أجل نيلها، سيجد التيار الديمقراطي نفسه، شاء أم أبى، أمام مجموعة من علامات الاستفهام الاستراتيجية التي هو، قبل أحد سواه من القوى الأخرى، مطالب بالإجابة عليها.
أول علامات الاستفهام تلك هي: ما هي رؤيته لطبيعة الصراعات القائمة في الساحة السياسية البحرينية اليوم؟ إذ لابد لمن يريد أن يلج هذه الساحة أن يكون مسلحا برؤية ثاقبة، قائمة على معطيات دقيقة، تستند إلى تحليل علمي يكشف معالم هذه الساحة ويسلط الأضواء على كل ما يكتنفها من تناقضات، وما يسيرها من علاقات قائمة على المصالح الآنية المحلية، أو تلك الاستراتيجية المستقبلية ذات الطابع الإقليمي أو الدولي. هذا بالطبع سيدفع بتحليل ذلك التيار إلى تشخيص دقيق لطبيعة التناقضات التي تتحكم في سيرورة المجتمع، من أجل الوصول إلى عملية فرز صحيحة تميز بين الرئيسي منها، وتلك الثانوية.
وفي ضوء ذلك، يمكن للتيار أن يصيغ برنامجه السياسي الذي يفترض فيه التصدي للتناقضات الرئيسية، دون إغفال أو إهمال الثانوية منها، بقدر ما هو وضعها في إطارها الصحيح، كي تنال الاهتمام والجدية اللذين تستحقهما.
أما ثاني تلك العلامات فهي: ما هي خطته لطبيعة التحالفات التي يطمح إلى نسجها بينه، بكل فئاته المختلفة من جهة، والقوى الأخرى بكل تلاوينها السياسية، فرادى أو على شكل تجمعات من جهة ثانية؟ ويتطلب هذا الأمر، تقويما صحيحا لثقل التيار الديمقراطي، هو ذاته في الساحة السياسية، على أن يكون ذلك مقدمة لبدء وضع برنامج التحالفات الملائمة. وهنا لابد من التوقف عند هذه النقطة بالذات، إذ على هذا التيار، وكي يحقق النجاح المرجو من وراء أية مبادرة يقوم بها عليه أن يتوخى مسألتين:
الأولى هو تخلصه تماما، وبصدقية مع النفس قبل أن تكون مع أية قوة أخرى، من أثقال الماضي السياسي والمشكلات التي ولدتها تلك الأثقال، من أجل نسج علاقات إيجابية بناءة بين مختلف قوى ذلك التيار.
الثانية، وهي الأخرى في غاية الأهمية، هو تحاشيه الدخول في أية معارك «دونكوشوتيه» غير مبررة مع أي من قوى المعارضة الأخرى، وعلى وجه الخصوص الدينية منها، ما لم تصر هي على وضعه في خانة الأعداء.
على التيار الديمقراطي أن يكون صريحا مع النفس بأن معركته القادمة ليست، ولا يمكن أن تكون ضد التيارات الدينية التي لا تمانع في مصافحته، ولا تضعه في خانة الأعداء المباشرين.
أما ثالث العلامات فهي: ما مدى ثقة التيار في نفسه، وما هو الحيز الذي يعتقد أن بوسعه أن يشغله في خارطة البحرين السياسية؟
أهمية الإجابة على هذا السؤال كونها تساعد التيار الديمقراطي على تحديد حصته في أية عملية تمس توزيع الأدوار، وليس الغنائم، كما قد يدور بخلد البعض.
التيار الديمقراطي مطالب هنا القيام بعملية مسح علمية، ليس للدوائر الانتخابية فحسب، وإنما للاتجاهات السياسية، ونسب توزعها سكانيا، وانعكاس ذلك على الديموغرافيا السياسية.
هنا ينبغي توخي الحذر لتحاشي تضخيم الدور، وبالقدر ذاته، لعدم الوقوع أسيرا لممارسة جلد الذات وإبخاس التواجد في صفوف المواطنين، وبين صفوف قواها المنظمة.
نصل بعدها إلى رابع العلامات وهي: ما هو الإطار التنظيمي الذي سينضوي تحته الحوار المطلوب، وما هي الضوابط الإدارية التي ستقيد القوى الداخلة فيه سواء كان ذلك الحوار فيما بينها أو بينها وبين القوى الأخرى المرشحة لأشكال أخرى من التحالفات؟
ليس المطلوب هنا الوصول إلى صيغة بيروقراطية جامدة، بل القبول بإطار تنظيمي تسيره إجراءات، وليست صيغ قانونية، ديناميكية متحركة، تتمتع بالمرونة الكافية القادرة على التأقلم والتفاعل بحيوية مع كل التطورات التي يمكن أن تشهدها الحياة السياسية البحرينية، وخصوصا تحت القبة البرلمانية.
وآخر تلك العلامات هي ما هي قنوات الاتصال والتواصل التي سيقيمها التيار الديمقراطي بين صفوفه أولا، وبين هذه الصفوف والجماهير التي يتوجه نحوها ثانيا؟
مثل هذه القنوات، بقدر ما ينبغي لها أن تكون فعالة وتكون قادرة على تحقيق التفاعل النضالي المطلوب بين التيار ومن يخاطبه. ويفترض أن تتمتع مثل هذه القنوات أيضا بكل ما توصلت إليه تقنيات الاتصالات والمعلومات من مواصفات تبيح لهذا التيار الشكل الأفضل من التواصل والأرقى من الأداء والأكفأ من النتائج.
وكما يتضح، فإن الوصول إلى إلإجابات الصحيحة لمثل علامات الاستفهام هذه من شأنها أن تضع المواطن البحريني، وليس التيار الديمقراطي وحده على أول الطريق، وهي طريق صعبة ووعرة كما يعرفها الجميع بما فيهم التيار الديمقراطي ذاته، الذي تعلق عليه تلك الجماهير آمالها المستقبلية العريضة، ولا تريد أن تراه خاذلا لها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2510 - الإثنين 20 يوليو 2009م الموافق 27 رجب 1430هـ